الطريف في حياة البشر
هادي جلو مرعي
أجلس وصديق لي في مطعم فاخر من
تلك التي تعود لمستثمر حديث النشأة، تتقاذفنا كلمات لطيفة من موظفي الصالة، تأملت
شيئا طالما تأملته في هذا المطعم، أو في قاعة الكلية، أو في صالة المطار، وفي
الطائرة، وفي القطار وفي السفينة، وفي السيارة، وأراه في الشوارع المزدحمة، وصالات
السينما، وعندما أدخل سوقا، أو ناديا فيه جماعات من الناس، يجلس الجميع، يسرقون
بلحاظ العيون صور من حولهم، يتأملون بسرعة، النساء يتطلعن في النساء وفي الرجال
معا، والرجال يتطلعون في النساء، ويمتعضون من وجود رجال آخرين، ومنهم من يتمنى لو
إنه الوحيد في المكان، ولو إن جميع من حضر من الناس جوار عنده، يتحلقن حوله، يرقصن
ويغنين، ويمسحن على وجهه وجبينه وصدره، وينظر أيهن الأسرع في الوصول الى الزر
النووي، لتفجر حواسه في لحظة واحدة.
البشر يخافون من البشر،
ويؤجلون خوفهم من الله الى لحظات الضعف النهائية، فالإنسان بطبعه وقح متجبر عنيد،
يتأمل على الدوام أن يكون هو الرابح، لكنه يشعر بالصدمة حين يمرض، أو يصاب بعاهة،
أو يتيقن أن الموت قريب منه، حينها يتحول الى حمل وديع، وصديق صدوق للرب، يناجيه
في الوقت الذي يشاء، ومتى ماشاء، وبإمكانه أن يدفع الباب ويدخل في حضرته دون
إستئذان منه فهو مخول بذلك، وله الحرية في إختيار التوقيت.
البشر يخافون من البشر، فهم
يخافون شماتة الأعداء، وسخرية الأقربين الذين ذوت الرحمة في دواخلهم، وهم كالوحوش
الضارية مستعدة للإفتراس، الجميع يشكو من الجميع، الجميع طامع وطامح ومتحفز وحاقد
وحاسد، ولكنه يلقي بكل هذه العيوب على غيره، ويبرؤ نفسه منها، والحق إن الجميع مر
بواحدة منها في نفسه، ولو إسترجع ذكرياته لوجد إنه حسد في يوم، أو ظلم، أو إنتهز
فرصة لغيره، أو سرقها، وإنه تجاوز حدود الله، أو إنه كان عنيدا في أمور، وطلب حاجاته
وسعى لها سعيها، ولكنه لايفهم حاجات غيره فيغمطها، ويتعامل بمبدأ الغلبة والقهر
والتجبر. وحين يتحدث يتجاهل خطاياه، ويركز على خطايا غيره، وهو اسوأ منه.. كتلك
التي لايعجبها العجب، فترى في النساء القبح كله، وتعيرهن به، ولكنها في الحقيقة
أقبح وأبشع منهن جميعا.
تجلس سيدة في مكان، تتنبه الى
وجهها في مرآتها الصغيرة، تراقب أحمر الشفاه وتسريحة الشعر، ودقة الحاجبين، وتنظر
بسرعة الى فسطانها لعله لم يستو بشكل جيد. والحمدلله إن المكواة لم تتعطل.. تنسى
القول الشهير: من راقب الناس مات هما.
0 تعليقات