آخر الأخبار

طريق المريديان السريع






طريق المريديان السريع

د. محمد إبراهيم بسيوني

أعلنت روسيا عن طريق رئيس وزرائها ديمتري ميدفيدف عن عزم روسيا تشييد ما أطلقت عليه اسم (طريق المريديان السريع) "Meridian highway"، أو ما تُطلق عليه الصحافة العالمية "طريق الحرير الروسي" الذي يمتد مسافة 2000 كلم من الحدود الروسية الكازاخستانية إلى تقاطع طريق سريع قائم يربط مينسك وروسيا البيضاء بموسكو. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة هذا الطريق حوالي 600 مليار روبل (9.5 مليارات دولار) وفقًا لتقديرات "ألكسندر ريازانوف"، نائب رئيس مجلس إدارة شركة الغاز العملاقة "غازبروم" التي تمتلك بالفعل حوالي 80% من الأرض التي سيمر بها الطريق.
وسيتم تشييد الطريق من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتسديد تكلفته الضخمة من خلال رسوم عبور الشاحنات التي ستستخدم هذا الطريق بين أوروبا والصين. ووفقًا لصحيفة "فيديموستي" التجارية الروسية، فقد بدأ العمل بالفعل لإنشاء الطريق في ساجارشين، وهي معبر حدودي بين كازاخستان وروسيا، أي تقع في الطرف الشرقي من الطريق.
وسيعمل طريق ميريديان السريع ذو المسارات الأربعة على تعزيز التواصل بين جمهوريات آسيا الوسطى، مثل أوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان. وفي النهاية، سيشكل الطريق جزءًا من تعاون أوسع بين الصين وروسيا اللتين تعملان معًا على إنشاء هذا الطريق ليكون بمثابة ممر روسي بين الصين وأوروبا لتسريع وتيرة نقل البضائع بين أوروبا والصين.
طُرحت فكرة هذا الطريق لأول مرة من قبل المفوضية الأوروبية في عام 2005. وكان الدافع وراء ذلك هو حجم التجارة المتزايد بين الاتحاد الأوروبي والصين، إلا أن هذه الفكرة تم إحياؤها مؤخرًا في إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية بالاتفاق بين روسيا والصين ودول آسيا الوسطى.
ويرتبط هذا بتصاعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وبالتالي فإن الصين تبحث عن تعزيز تواجدها في أسواق أخرى على المدى القصير والطويل، فضلًا عن اهتمامها بتقوية علاقتها التجارية بشركائها في أوروبا وآسيا الوسطى لكي تعمل على تخفيف الضغط الأمريكي عليها وعلى شركاتها. فضلًا عن أن العلاقات الروسية-الأمريكية لا تمر هي الأخرى بأفضل مراحلها، ولا سيما مع فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا.
ويعني هذا أن توقيت موافقة "مدفيدف" على البدء في تنفيذ طريق المريديان لم يكن محض صدفة بالتأكيد، بل جاء بعد أشهر قليلة من المنتدى الثاني لمبادرة "الحزام والطريق" الذي عُقد في بكين في أبريل الماضي بمشاركة الرئيس الروسي، وذلك في إطار التأكيد على متانة التحالف الروسي-الصيني في مواجهة الولايات المتحدة، وهو ما انعكس في كلمة "بوتين" في المنتدى، حيث وصف العلاقات الروسية الصينية بأنها "أفضل ما كانت عليه في تاريخها".
الانعكاسات المتوقعة للمشروع الجديد الذي تعتزم روسيا تشييده تشمل ما يلي:
1- دعم الاقتصاد الصيني: وفقًا لوزارة النقل الروسية فإن الطريق الجديد سيؤدي إلى أن عمليات نقل البضائع بين القارتين الآسيوية والأوروبية لن تتجاوز 11 يومًا، أي أسرع بثلاث مرات تقريبًا من الفترة التي تستغرقها البضائع حاليًّا، مما يعني أن هذا الطريق سيكون وسيلة أسرع بكثير من النقل البحري بين الصين وأوروبا، والذي يستغرق حاليًّا حوالي 45 يومًا. وسيلعب هذا الطريق دورًا محوريًّا بالنسبة لمصنعي السلع الصناعية القابلة للتلف، نظرًا لكونه يختصر وقت وصول السلع الصينية لأوروبا ، وهو ما يعني زيادة الإقبال على البضائع الصينية، وزيادة نسبة الصادرات الصينية، وانتعاش الاقتصاد الصيني، ناهيك عن أنه سيخلق فرصًا جديدة للشركات الصينية، وسيعمل على زيادة تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى الصين، ولهذا فإن الحكومة الصينية والمستثمرين الصينيين على استعداد لاستثمار 4 مليارات دولار في المشروع، كما من المتوقع أن يشارك بنك التصدير والاستيراد الصيني وكذلك بنك التنمية الصيني في دعم هذا المشروع.

2- تعزيز "الحزام والطريق": يُعتبر هذا الطريق جزءًا من مبادرة "الحزام والطريق" لملء الفراغ البري بين أوروبا والصين، حيث يرسخ طريق المريديان ما تسعى بكين دومًا لتأكيده، وهو أن هذه المبادرة معنيّة بالأساس بتحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي وليس فرض الهيمنة الصينية على الدول التي يمر بها طريق الحرير، وهي الرؤية التي يتبناها عدد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالتالي فإن التحليلات التي ترى أن هذا الطريق الجديد هو بمثابة "طريق حرير جديد" مما يجعله متعارضًا مع مبادرة "الحزام والطريق"؛ هي تحليلات تفتقر لما يساندها على أرض الواقع، خاصة في ضوء مشاركة "بوتين" في فعاليات القمة الثانية لمنتدى مبادرة "الحزام والطريق"، حيث أكد أن مبادرة "الحزام والطريق" "ستعزز التعاون البنّاء بين الدول الأوراسية، وستضمن التنمية الاقتصادية المستدامة والنمو الاقتصادي في المنطقة"، مما فسره العديد من المحللين بأنه إعلان لبداية تعاون أقوى بين موسكو وبكين في منطقة آسيا الوسطى، وهو ما ظهر بالفعل بعد أقل من 3 شهور من خلال الموافقة على إنشاء طريق المريديان السريع.

3- دعم "مناطق الصدأ الروسي": من المتوقع أن تحقق روسيا أرباحًا كبيرة من رسوم عبور الشاحنات في هذا الطريق، مما سيوفر دعمًا حيويًّا لمواردها في المستقبل، خاصة في حالة استمرار فرض الغرب لعقوبات اقتصادية على موسكو، بالإضافة إلى أن المشروعات التي ستتم إقامتها على جانبي الطريق ستعمل على توفير فرص العمل، وتساهم في دفع معدلات التنمية في روسيا، مما سينعكس إيجابيًّا على تعزيز وضع الاقتصاد الروسي في العالم. فضلًا عن أن الطريق سيمر عبر بعض المناطق الأكثر فقرًا في روسيا، التي يُطلق عليها "حزام الصدأ الروسي Russia’s Rust Belt"، وسيعمل الطريق على تغذية هذه المناطق بالاستثمارات والتمويل، وتحويلها إلى منتجعات سياحية ومراكز للخدمات اللوجستية، كما أنه من المحتمل أن يُنشئ رواد الأعمال شركات مختلفة على طول طريق ميريديان السريع لاستغلال ممر الاتصال بين الشرق والغرب.

4- إحياء مفهوم "أوراسيا": يؤدي تدشين هذا الطريق إلى إعادة إحياء مفهوم أوراسيا الذي تعد روسيا الوحدة السياسية الأكبر فيه من حيث المساحة، وما يعنيه هذا المفهوم من أهمية دورها المستقبلي كممر للتجارة بين الشرق والغرب بفضل موقعها الجغرافي المتميز، وكذلك التأكيد على أن روسيا لا تزال تتمتع بحضور مهم في آسيا الوسطى، ولا سيما فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، وكذلك في التجارة والاستثمار.

5- دعم مكانة روسيا: من المتوقع أن يعمل طريق ميريديان على تعزيز حركة مرور البضائع من خلال روسيا، وذلك عبر خط سكة حديد يمر عبر سيبيريا وطريق البحر الشمالي المرتقب الذي يمر بالقطب الشمالي، مما يعزز من أهمية روسيا في النظام العالمي أيضًا. ولكن من الجدير بالذكر أن إتمام هذا الطريق سيعني أن حمولات الشحن التي تستخدم قناة السويس ستكون قادرة على استخدام الطريق السريع الجديد بمجرد الانتهاء منه.

6- الصراع على آسيا الوسطى: سيعمل هذا الطريق على تعزيز وتحسين الاتصال -إلى حد كبير- بين أوروبا وجمهوريات آسيا الوسطى في كازاخستان وشرق أوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان، مما يعني إقامة مزيدٍ من المشروعات، ودعم هذه الدول اقتصاديًّا، ولكن على صعيد آخر سيرسخ هذا المشروع حال إتمامه الصراع البارد بين الصين وروسيا حول مزيدٍ من النفوذ في آسيا الوسطى مما قد يقوض الوضع الأمني في هذه الدول حال نشوب أي نزاعٍ أو خلاف بين بكين وموسكو.


عميد طب المنيا السابق



إرسال تعليق

0 تعليقات