آخر الأخبار

الإسلاميون بين المعارضة والحكم.. حماس نموذجا







الإسلاميون بين المعارضة والحكم.. حماس نموذجا

صالح عوض

لقد أبلى الإسلاميون بلاء عظيما عندما كانوا في موقع المعارضة وتعرضوا للسجون والقتل والنفي وكانوا رجالا في تصديهم للظلم وابرزوا مواقف عزيزة تذكرنا بصدر الإسلام والرجال العظام..

واثبتوا قدرة فائقة في التنظيم والقدرة على الوصول الى المواقع المتقدمة في النقابات والانتخابات.

ومما لاشك فيه أنهم تصدوا لموجات التغريب والتبعية الفكرية والانحلال الأخلاقي ودافعوا باستماتة عن ثوابت الأمة وهويتها ..إلا أنهم لم يستطيعوا قط أن ينجحوا بعد الوصول إلى درجات متقدمة في إدارة الانتصار وحركة الناس والعلاقات والمواقف فبمجرد وصولهم إلى اعلي درجة في المنحنى يتأرجحون ويشطون ذات اليمين وذات الشمال ويفقدون توازنهم ويصبحون في موقع تلقي الضربات ولا يعرفون كيف يمكنهم إشغال الناس بمعركة تفيدهم وخارج دائرة الفتنة..ثم يكون سقوطهم الرهيب في مواقف ومواقع تكبلهم ويفقدون معها كثيرا من تعاطف الناس معهم ..إنها تجربة تتكرر معهم في كل مكان ولم يحن بعد الوقت لديهم في خروج رجال يحدثون القطيعة مع نمطية تفكير وممارسة الى حالة تتضح فيها معالم النضج السياسي والممارسة المسئولة.

نطرح نموذج حماس الفلسطينية للنقاش.. انه من الصعب تناول حماس بالنقد لاشتباك ماهو مطلوب ومرحب به في سلوكها وماهو معترض عليه وغير مقبول أبدا في سلوكها. فحماس تصنف على محورين محور مقاومة ومحور الحكم..

 فعلى محور المقاومة من حيث المبدأ تجد الترحيب وان كان هذا يحتاج نقاشا أعمق واستراتيجيا لكي يكون فعلا في خدمة عجلة الكفاح الفلسطيني بشكل أكثر جدوى إلا انه لا اعتراض عليه من حيث المبدأ.. وأما الحكم والإدارة فهي كارثة حلت بالشعب الفلسطيني.

يقول القيادي الكبير في حركة حماس الدكتور احمد يوسف: "إن تجربة حركة حماس في الحكم والسياسة ليس فيها ما يمكن البكاء عليه لو غابت عن الساحة.
 قد يكون هذا الكلام قاسياً، إنها الحقيقة الموجعة دائماً إذا ما أردت – فعلاً- أن تنطق بالحق ولا تجامل فيه أحداً."

لقد سبق ان كتبت كتابا عن الطريقة الإسلامية والمقصود حماس في معالجة الملف الفلسطيني بعنوان المعالجة الإسلامية للملف الفلسطيني عام 2007 ولطالما نصحت وكتبت وفي كل مرة كنت اكتب منشورا او مقالا يواجهني المستلبين لأحزابهم الفاقدين لقدرة التفكير والتأمل بالتهجم والتشنيع.. ولم أتردد في النصح لقيادات حماس من التقيتهم في غزة وخارجها بأنهم غير مؤهلين للحكم وإدارة الشأن العام وذلك لفقدانهم الوعي السياسي والإحساس بالمواطنة ويكفيهم ان يظلوا في المعارضة القوية والمقاومة المحترمة حتى يحدث لديهم التطور المطلوب فيمتلئوا إحساسا بالوطنية والوعي السياسي للقضية الفلسطينية فيصبحوا أصحاب مشروع فلسطيني لا كما يقول الزهار وسواه حول المشروع العالمي..

ولكن أكثر من هذا الكلام عندما يأتي من قبل قيادات وازنة في الإخوان وفي حماس لا يناقشونه ويكظمون غيظهم فلقد طالب الدكتور عبدالله النفيسي المفكر الإسلامي المتميز بان لاتدخل حماس السلطة لأسباب عديدة وكما ان الأستاذ خالد مشعل سبق وان انتقد بقوة تجربة حكومة حماس وتكرر الأمر من قبل الدكتور غازي حمد والدكتور احمد يوسف..

ان الخلل في تجربة حماس في الحكم هو الخلل نفسه الذي أصاب تجربة الإخوان في مصر وهو الخلل نفسه الذي أصاب تجربة النهضة في تونس والإخوان في كل مكان.. خلل مركب من عدم إعطاء الوعي السياسي فرصته للتقدم للعقل فهم يتحركون وفق روح حزبية وليس وفق وعي سياسي بما هو مطلوب وبما عليه الواقع السياسي ومن المثير للدهشة انهم بعد سنوات المعارضة لأنظمة الحكم على مواقف معينة يصلون الى الحكم فيتنازلون عن تلك المواقف كما حصل للإخوان في مصر عندما كانوا في المعارضة كانوا ضد كامب ديفد وعندما وصلوا الى الحكم التزموا به علنا وفي أكثر من مناسبة وكذلك الإخوان التوانسة الذين كانوا يعتبرون فلسطين جزءا من القران عندما وصلوا الى الحكم اعترضوا على تمرير قانون يجرم التطبيع في البرلمان وكذلك حماس التي كانت تصر وهي في المعارضة انها جناح عسكري من الإخوان المسلمين وإنها لاتقبل الا بكل فلسطين وتدمير إسرائيل وبعد ان وصلت ال الحكم تغير الموقف فتبرات من الارتباط بالإخوان وأصبحت تقبل بدولة فلسطينية على حدود 1967 ..

ثم ان فقدانهم الحس الوطني مسألة خطيرة والحس الوطني يعني النظر للجميع في الوطن بأنهم إخوة بغض النظر عن معتقدهم ومشاربهم الثقافية فكان الحزب عند الإخوان وحماس في المقدمة هو الذي يشكل المشاعر والاهتمامات فهو الشعب وهو الأمة.. الوعي السياسي الذي يقود للتصرف المسئول والوطنية التي تراعي المصلحة العامة وتقدمها على المصلحة الحزبية هاتان نقطتان غابتا عن حماس في إدارة شئون الحكم.

الحديث عن المقاومة ومواجهة العدو لا يمكن لعاقل وذي ضمير ان ينكر بطولات تحققت من قبل مجاهدي حماس في مواجهة اعتي ترسانة عسكرية.. ولقد تميز مجاهدوها بقدرة فائقة على العناد والصمود والاستبسال في المواجهات مع العدو شرفت الشعب الفلسطيني.

ان فشل تجربة حماس في الحكم ليست استثناءا بالنسبة للعمل الإسلامي المعاصر لانه يفتقد الى قاعدة أساسية من اجل ذلك كما انه مدعو لخوض معركة مع ترسبات نفسية وفكرية تحرمه من روح القيادة وروح المسئولية وتغمسه بعمق في روح الحزبية والفرقة الناجية..
حركة حماس مدعوة الى ترك الحكومة وإدارة الناس فان أهل قطاع غزة يملاهم الغيظ من إدارة حماس للشئون العامة وان قطاع غزة اكثر بقعة في فلسطين وفي الوطن العربي تكون النفرة من حماس فيها واضحة.. في قطاع غزة أصبحت مصداقية حماس في الحكم متواضعة محدودة واي انتخابات ستكشف انها لم تعد ذات حظوة في قطاع غزة.. وذلك بسبب فشلها وسوء إدارتها وتشنيعها في حياة الناس..
ان كل يوم يأتي زيادة على وجود حماس في إدارة غزة إنما هو مزيد من الضنك والعناء لشعبنا الفلسطيني فهو كما انه تكريس لواقع الانفصال فهو أيضا بؤس لحياة الناس في غزة.

ان هذا لايعني ان الإدارة من قبل السلطة في رام الله نموذجية ابدا ليس هذا المقصود بل انها من السوء والفساد الى درجة لا يمكن لأبنائها التغطية عليه..
لكن في وجود إدارة واحدة وقوة معارضة من حماس وسواها وضغط مستمر تكون معركة التطهير وليست معركة الانفصال.. إنها تجربة سيئة لابد لوضع آليات الخروج منها.





إرسال تعليق

0 تعليقات