آخر الأخبار

العمامة.... والسياسة






العمامة.... والسياسة

عز الدين البغدادي
هل يجوز للمعمم أن يتدخل في السياسة أم أن هذا الأمر سيكون خلطا بين مجالين مختلفين ليس بينهما اشتراك؟

الحقيقة أن هناك اتجاهين متعاكسين، احدهما يرى بأن الدين والسياسة لهما نفس المجال وان التفريق بينهما يعكس جهلا بالطبيعة السياسية للإسلام. بينما يرى الطرف الآخر أن مجرد لبس العمامة يمنع الشخص من أي تدخل سياسي وان عليه أن يقتصر على عمله كواعظ أو مفتي ونحو ذلك.

واعتقد أن كلا الموقفين متطرفان ويعكسان للأسف جهلا بطبيعة الموضوعين: الدين والسياسة.

من يتدخل ويعمل في السياسة يحتاج ان يملك معرفة سياسية وعيا سياسيا ذوقا سياسيا حسا سياسيا، وهذا الوعي لا علاقة له بالملابس، سواء كان الشخص يلبس عمامة أو عقالا أو كان يلبس ملابس عصرية أو غير ذلك، فان كان يمتلك وعيا ورؤية فسوف ينجح ولو كان معمما وان لم يملك ذلك فسوف يفشل بغض النظر عن لباسه.
لكن ينبغي ان نتفهم بأن المنهج الدراسي الفقهي يؤثر سلبا على الرؤية السياسية، ولكي أوضح لك ذلك فيمكن ان اضرب لك مثلا بالمشتغلين بالعلوم الطبيعية فإنهم في الغالب يضعف عندهم قابلية فهم العلوم الإنسانية والتعامل معها، لذا لا تستغرب حينما تجد طبيبا او مهندسا يقع ضحية دجال ديني يستغله باسم المهدوية مثلا أو تطبيق الشريعة أو غير ذلك.

ونفس الشيء يقال عن طبيعية العلوم الدينية وعلاقتها بالسياسة، فهذه تجعل المرء ضعيفا في إدراكه لمسائل السياسة، وهو ما تنبه له منذ زمن بعيد العبقري ابن خلدون حيث قال في مقدمته وهو يتحدّث عن قابليّة الفقهاء للحكم والعمل في السياسة: الفصل الثاني والأربعون: في أن العلماء من بين البشر أبعد عن السياسة ومذاهبها. والسبب في ذلك أنهم معتادون النظر الفكري والغوص على المعاني وانتزاعها من المحسوسات وتجريدها في الذهن أمورا كلية عامة ليحكم عليها بأمر العلوم لا بخصوص مادة ولا شخص ولا جيل ولا أمة ولا صنف من الناس ويطبقون من بعد ذلك الكلي على الخارجيّات وأيضا يقيسون الأمور على أشباهها وأمثالها بما اعتادوه من القياس الفقهي فلا تزال أحكامهم وأنظارهم كلها في ...... فهم متعودون في سائر أنظارهم الأمور الذهنية والأنظار الفكرية لا يعرفون سواها والسياسة يحتاج صاحبها إلى مراعاة ما في الخارج.... الخ.
ويمكن أن أوضح ما قاله ابن خلدون بتعبير آخر فأقول: بأن الفقيه له منهج معروف ومحدد في استنباط الأحكام الشرعية كأحكام العبادات والمعاملات وغيرها، إلا أن استعمال نفس المنهج في الأمور السياسية خاطئ تماما، لأن السياسة علم له منهجه، ومحاوله فهمه أو تقديم رؤية من خلال نفس المنهج لن ينتج شيئا أبدا.

والمشكلة أن الفقيه ينطلق من فكرة ترى بأن لكل مسالة أو واقعة حكما، وبالتأكيد فهو من يستطيع تحديد الحكم باعتباره فقيها، انه لا يعلم بأن منهج الفقه التقليدي لا ينفع في السياسة.

كما ان رجل الدين بطبيعته غير عملي، فهو يتكلم ويعظ ويخوّف الناس من الوقوع في الذنوب، لكنه في الغالب لا ينجح إداريا او عمليا بسبب طبيعة دراسته وخطاب المؤسسة الدينية التي ينتمي إليها.

لكن هل يعني هذا بأن رجل الدين لا يجوز له العمل في السياسة؟ فأقول: لا بالتأكيد، لكنه لن ينجح من حيث الفهم والتعامل إلا إذا انطلق من منطلقات سياسية بحتة، اي فهم السياسة من خلال السياسة وبمنهجها.

تصور لو أن معمما درس الطب مثلا، فإنه في هذه الحالة يمكن ان يكون ناجحا، لكن عليه ان لا يحاول بأي حال الخلط بين علمين يستقل كل منهما في منهجه.

والله المستعان وهو المعين.
( يمكن للقارئ للتوسع في الفكرة مراجعة كتاب في نقد الاسلام السياسي، ومبحث ولاية الفقيه من كتاب "وظيفة المجتهد" )





إرسال تعليق

0 تعليقات