آخر الأخبار

الفتوة في القرآن (8)






الفتوة في القرآن (8)
دراسة مقارنة لمفردة الفتى ومشتقاتها


صبيح البخاتي



قال تعالى (( اذ آوى الفتية الى الكهف فقالوا .. )) الكهف / ١٠
 وقال تعالى (( نحن نقص عليك نبأهم بالحق أنهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى )) الكهف / ١٣


ثلثي سورة الكهف قصصي والمتبقي منه هو اما تعقيب لقصة او ذكر الغرض منها والغرض لجميع القصص هو العبرة والاعتبار كما لا يخفى وتميزت الكهف بغرض مركز في قصصها هو تصحيح المفاهيم والأفكار وتصحيح القيم والعقائد
وجميع آياتها ١١٠ اية ٨٠ منها قصص تقريبا
والمهم هنا دراستنا لمفردة (الفتية) التي تكررت مرتين في قصة الكهف
والفتية : جمع فتى وقد جمعت بالفتيان كما ذكرنا في الحلقة السابقة حسب ما يناسب المقام والسياق القرآني ولها مدلولات آخر تتبين في طيات البحث للمتأمل اللبيب .
وقد ذكر مكارم الشيرازي في تفسيره ما نصه : جملة ( آوى الفتية ) آوى : من مادة مأوى وتعني المكان الآمن وهو إشارة الى ان هؤلاء الفتية الهاربين من بيئتهم الفاسدة والمنحرفة قد أحسوا بالأمان عندما وصلوا الى الغار .
والفتية : جمع فتى وهو الشاب الحدث ولكنها تطلق أحيانا على الأشخاص المسنين والكبار الذين يملكون روحية شابة ، وقد ذكرت هنا مع نوع من الإشادة والمدح لأصحاب الكهف بسبب صفات الفتوة والشهامة والتسليم .
والشاهد على ذلك رواية الإمام الصادق ( ع) ونقلت بطريقتين مع تصرف او تحرك في ألفاظها ولكن المضمون واحد وقد ذكرت في عدة تفاسير كالعياشي ونور الثقلين والبرهان وغيرهم وهي : ((عن محمد بن يعقوب قال ابو عبد الله عليه السلام لرجل عنده : ما الفتى عندكم ؟ فقال له : الشاب .
فقال عليه السلام : لا ، الفتى : المؤمن ، ان أصحاب الكهف كانوا كلهم كهولا فسماهم الله عز وجل فتية بإيمانهم ))
ثم أضاف الإمام قوله : (من آمن بالله واتقى فهو الفتى )
ويضيف الشيرازي في موضع أخر
كما قلنا ان الفتية جمع فتى وتعني الشاب الحدث وبما ان الجسم يكون قويا في مرحلة الشباب فهو على استعداد لقبول نور الحق ومنبع للحب والسخاء والعفة والكرم ولذا كثيرا ما تستخدم كلمة الفتى والفتوة للدلالة على هذه الصفات حتى لو كان أصحابها من المسنين .
تتزامن روح التوحيد دائما مع سلسلة الصفات الإنسانية القيمية العالية فهي تنبع فيها وتؤثر
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ما تزين الإنسان بزينة أجمل من الفتوة
وفي مثل هذا الغار المظلم الذي يتضمن خطور الحيوانات المؤذية هنالك عالم أخر من النور والإخلاص والتوحيد والمعاني السامية لهؤلاء الفتية اللذين تركوا الدنيا الملوثة الواسعة وإغرائها والتي كانت سجنا لأرواحهم وذهبوا الى غار مظلم جاف
ولعمري ان فعلهم هذا يشبه فعل النبي يوسف عليه السلام حينما أصروا عليه ان يستسلم لشهوة امرأة العزيز الجميلة وإلا فالسجن الموحش المظلم بانتظاره ولكن هذا زاد من صموده وقال متوجها الى (( رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه ))
ونسجل استغرابنا لعدم تعرض سيد قطب لمعنى الفتية بالرغم انها تكررت في قصة أصحاب الكهف ولم نجد اهتماما منه سوى هذا النص الرائع :
وألقى هنا يبدو موقف الفتية واضحا حاسما لا تردد فيه ولا تلعثم انهم فتية أشداء في أجسامهم ، أشداء في إيمانهم ، أشداء في استنكار ما عليه قومهم .
بينما يرى السيوطي في تفسير الجلالين :
الفتية : من الفتى وهو الشاب الكامل وليس الشاب الحدث كما عليه أكثر المفسرين
وهؤلاء خائفين من قومهم الكفار
اما قوله (( اذ قاموا فقالوا )) والقيام حركة تدل على العزم والثبات .
ثم ان الجدير بالذكر إنهم كانوا وزراء عند الحاكم والملك ( ديقيانوس ) ولفترة من الزمن ليست قليلة مما لا يعقل كونهم شباب او بمرحلة مبكرة من أعمارهم
وهذا دليلا لمن لا يريد الاعتماد على الرواية الآنفة الذكر بل ما كشفته الدلالة السياقية والمقامية تعزيزا لما نستدل عليه من معنى الفتوة .
كما يكمل السياق القرآني مشاهد القصة ويصل الى مشهد عجيب وهم يتقلبون من جنب الى جنب في نومتهم الطويلة فيحسبهم الرائي إيقاظ وهم رقود وكلبهم على عادة الكلاب باسط ذراعيه بالفناء وكأنه يحرسهم وهم يثيرون الرعب في قلب من يطلع عليهم وذلك من تدبير الله تعالى كي لا يعبث بهم عابث حتى يحين الوقت المعلوم .
وأما الجدل حول عددهم فلا طائل وراءه وغير ضروري للجدل الطويل حول العدد ولان العبرة في أمرهم حاصلة بالقليل أو الكثير وهو وقوله تعالى
((سيقولون ثلاثة ..
وان القصة على غرابتها ليست بأعجب من آيات الله وصنائع خلقه وهنالك ما يفوقها بل وأكثر منها غرابة واعجاب وهو قوله تعالى (( ام حسبت ان أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا )) الكهف / ٩


انتظروني في حلقة قادمة



إرسال تعليق

0 تعليقات