آخر الأخبار

الفقه الإسلامي فى عهد الصحابة (الحلقة الرابعة)







الفقه الإسلامي فى عهد الصحابة (الحلقة الرابعة)

محمود جابر




مدرسة أهل الحديث ومدرسة أهل الرأي:


وكانت هذه الطريقة, أعني المنع من الأخذ بالرأي هي التي اتبعتها مدرسة أهل الحديث وتسمى بمدرسة المدينة وبمدرسة الحجاز وكان ممن أخذ بهذه الطريقة سعيد بن المسيب المتوفى سنة 93هـ وتلقى منه هذه الطريقة الكثير من فقهاء الحجاز وغيرهم.


من أخذ هذه الطريقة وحرم الإفتاء بالرأي:


وممن أخذ بهذه النزعة سالم بن عمر فانه كان يرفض الإفتاء بالرأي فإذا سئل عن حكم واقعة لم يسمع فيها شيئاً قال لا ادري, لعلي إذا أفتيت لك برأي ثم تذهب فأرى بعد ذلك رأياً غيره فلا أجدك فماذا يكون مصيري ، وممن اتبع هذه المدرسة زيد بن ثابت، ولم تكن مدرسة الحديث, أعني من اتخذ هذه الطريقة هم خصوص فقهاء الحجاز بل الكثير منهم من أقطار أخرى كعامر الشعبي التابعي فانه من فقهاء الكوفة، وسفيان الثوري من تابع التابعين أحد أعلام الكوفة في الفقه، ويزيد بن أبي حبيب المصري والأوزاعي الشامي , وكانوا في طرق استنباطهم للأحكام الشرعية لا يعتمدون إلا على العلم أو العلمي, بمعنى ان الحكم الشرعي إما ان يقوم عليه الدليل العقلي الذي يوجب العلم والقطع به كالدليل العقلي على حسن رد الأمانة فان الدليل العقلي المفيد للقطع حجة بنفسه, وليست الأحكام الشرعية الفرعية أعظم شأناً من الأحكام الشرعية الاعتقادية, والدليل العقلي المفيد للقطع حجة فيها, فبالطريق الأولى في الأحكام الشرعية الفرعية، وإما ان يقوم على الحكم الشرعي الفرعي الدليل الذي قام الدليل القطعي على حجيته كالخبر الصحيح الذي عمل به المشهور فان الدليل المفيد للقطع قام على حجيته وهكذا ظواهر القرآن, ولذا لم يعتبروا القياس والاستحسان نهما أدلة لا تفيد القطع بالحكم ولم يقم دليل يفيد القطع بحجيتها.


وينسب لبعضهم بأن مدرسة الحديث لم يكتب لها البقاء حيث اختفت بوفاة الإمام الظاهري سنة 270هـ ولعله أراد عند بعض طوائف الإسلام وإلا فمدرسة الحديث لا تزال باقية ما بقي الإسلام، وقد خالف عمر بن الخطاب في ذلك حيث استعمل الرأي بصورة واضحة في استخراج الأحكام الشرعية, وهو أول من أمر بالعمل بالقياس وبذر بذرته ففي كتابه لأبي موسى الأشعري اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور في ذلك على نظائرها وكانت طريقته هي التي اتبعتها مدرسة أهل الرأي في العراق وتسمى بمدرسة الكوفة حيث قد تأثر أكثر أهل العراق بفقه ابن مسعود في الكوفة، وابن مسعود يسير على طريقة عمر، فكانوا لا يحجمون عن الفتوى برأيهم فيما لم يجدوا نصاً بل يتبعون في فتواهم العلل التي يستخرجونها من النصوص وان خالفت ظواهر النصوص ويبنون الأحكام على العلل وان خالفت ظواهر الأدلة, فمدرسة الرأي تعتمد على الأدلة التي تفيـد الـظن وان لـم يقـم الـدليـل القـطعي على حجيتهـا فاعتمـدوا على مـثل القياس والاستحسانات مع انه لم يقم الدليل القطعي على حجيتها. ولم تكن مدرسة الرأي اعني, من اتخذ هذه الطريقة هم خصوص فقهاء أهل الكوفة بل الكثير منهم من أقطار أخرى ، فان في المدينة نفسها كان ربيعة بن عبد الرحمن المتوفى سنة 136 أحد كبار التابعين من أهل هذه المدرسة ولذا سمي بربيعة الرأي.


نواة مدرسة الرأي ومدرسة الحديث:


والحاصل ان هذا الاختلاف في معرفة الحكم الشرعي كان نواة وبذرة لوجود مدرستين للفقهاء عرفتا فيما بعد باسم مدرسة الحديث ومدرسة الرأي، وكان أكثر المذاهب عملاً بالقياس الحنفية ولذا صار عندهم دليلا مستقلا في مقابل الرأي وخصوا اسم الرأي بحكم العقل من غير طريق القياس.


من أعمال عمر :
وفي هذا الدور استقضى عمر بن الخطاب شريحاً المتوفى سنة78هـ على الكوفة وأرسل للكوفة عبد الله بن مسعود الصحابي المتوفى سنة 32هـ معلماً ووزيراً وكان يأخذ أهل الكوفة منه الحديث إلى أن صار بينه وبين عثمان كدورة فاستقدمه للمدينة ومات فيها، وبعث عبد الرحمن الأشعري؟ لتفقيه الناس، وهو الذي تفقه على يده التابعون بالشام سنة 78هـ وكان المرجع في كل بلد فتاوى من كان فيه من الصحابة والتابعين.


انتشار الفقهاء في أوائل خلافة عثمان :


وفي هذا الدور عند أوائل خلافة عثمان انتشر الفقهاء في الأمصار الإسلامية واخذ أهل كل قطر يأخذون ممن نزل عليه من الصحابة الفتوى والرواية والعلم والمعرفة بعد أن كان عمر بن الخطاب لا يمكنهم من الخروج من المدينة المنورة إلا للقيام بالأعمال التي تخص الخلافة، فخرج عبد الله بن عباس لمكة المكرمة وتوفي بالطائف سنة 68هـ. وخرج للكوفة علقمة بن قيس النخعي المتوفى سنة 62هـ وسعيد بن جبير الذي قتله الحجاج سنة 95هـ وإبراهيم بن يزيد النخعي المتوفى سنة 96هـ وخرج لمصر عبد الله بن عمرو بن العاص الذي كان يلوم أباه على القيام في الفتنة. وخرج انس بن مالك للبصرة المتوفى سنة 93هـ. وبقي في المدينة المنورة جماعة منهم الإمام علي عليه السلام وزيد بن ثابت الذي كان عثمانياً ولم يشهد مع الإمام علي عليه السلام حروبه والمتوفى سنة 45هـ وعبد الله بن عمر بن الخطاب الذي ندم على تركه القتال لخصوم علي عليه السلام ولحروبه والمتوفى سنة 73هـ وسعيد بن المسيب التابعي المتوفى سنة 94هـ ولقد كان بين سعيد وبين عكرمة مولى ابن عباس منافرة فكان يكذب عكرمة، وعكرمة يخطئه في فتواه.


المرجع في الفتوى في هذا الدور الثاني:


وكان المرجع في الفتوى في هذا الدور هم الصحابة والتابعون وكان المرجع في الفتوى عند التحير فيها من الجميع هو الإمام علي عليه السلام كما تشهد بذلك السير والتاريخ حتى قال فيه عمر لولا علي لهلك عمر، ولا يفتين أحدكم في المسجد وعلي حاضر.


الأسف على إهمال مثل البخاري لأكثر روايات علي عليه السلام:


ويؤسفنا جداً أن يكون مثل الإمام علي عليه السلام الذي تربى في حجر النبوة وهو أكثر الصحابة مصاحبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وباب مدينة علمه وفقهه ان تكون روايته وفقهه قليلة في كتب الروايات كالبخاري ومسلم بحيث لا تتناسب مع المدة التي قضاها مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبعده.


وللحديث بقية إنشاء الله تعالى
يتابع






إرسال تعليق

0 تعليقات