المصلح ... والإصلاح
عز الدين
البغدادي
من أهم وأخطر الإشكاليات التي وقع فيها
الفكر الشيعي والذي دفع ولا زال يدفع بسببه أثمانا باهظة هو تقوية أهمية الشخص على
حساب الفكرة.. لقد أخذ الإمام في الرؤية الشيعية منزلة أكبر من الفكر الذي يمثله،
وهذا ما كانت له نتئاج خطيرة، حيث اتسع الغلو وتضخم ما دام الأمر يتعلق بالإمام
كشخص، بينما ضعف جدا جانب الفكرة التي يمثلها والتي تشوهت كثيرا دون أن تجد رؤية
تصحيحية تتحقق على الواقع.
في معركة أحد وأثناء انكسار المسلمين
سرت إشاعة تقول بأنّ النبي (ص) قتل، وهذا ما جعل حالة من الضعف والخور تدب فيما
بينهم، بعد المعركة نزلت آيات تتحدث عن المعركة وظروفها ونتائجها، وكان من أبرزها
قوله تعالى: ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم
على أعقابكم ) لقد أراد أن يقول لهم بأن محمدا (ص) ليس سوى نبي، وهذا التعبير فيه
نوع من التوهين كما يبدو، وهل الرسول شيء هين؟! لا طبعا، لكنه عبر بهذا التعبير
الذي فيه نوع من التوهين كما قلت لأنه أقل من الرسالة لأنه أرسل لأجلها، والتي
يبذل الكثير لأجلها، بل ويضحي بنفسه في سبيلها، أي بتعبير آخر: فإن الفكرة يُفترض
أن تكون أكبر من الشخص الذي يحملها مهما كان هذا الإنسان عظيما، لأنه كإنسان لا بد
أن يموت لكن الفكرة والناس الذين لأجلهم جاءت الفكرة سيبقون لزمن أكبر بالتأكيد.
بأي حال، فإن الفكرة أكبر وأهم من
أصحابها، بل ان اعتبارهم وأهميتهم جاءت من أهمية فكرتهم ورؤيتهم.
قبل أيام امتلأت وسائل التواصل
الاجتماعي بإحياء ذكرى فقيهين كبيرين، وكلاهما صاحب مشروع إصلاحي أولهما السيد فضل
الله والثاني هو السيد الشهيد محمد الصدر (رحمهما الله)، وكلاهما قدما شيئا هاما،
وكلاهما اشتغلا على مشروع الإصلاح، لكن إحياء ذكراهما كأفراد يقلل مما قاما به
واقعا، ما ينبغي أن ننظر إليه هو مراجعة أنفسنا فيما حققناه نحن من ندعي أننا نمثل
منهجيهما، وأن نكون قادرين على تطوير رؤيتهما، بل ونقدهما، وجعلهما واقعا عمليا.
الرؤية الإصلاحية تدور بين النجاح
والفشل، تفشل عندما تترجم الى مؤسسات ومناصب، وتنجح عندما تتحول الى واقع بناء،
لذا نحن بحاجة الى ان ننتقل من المصلح الى الإصلاح المتحقق فعلا وواقعا في المجتمع.
نجاح المصلح لا يكون بكثرة الأتباع،
ولا بكثرة الصور المعلقة، ولا بكلمات التمجيد، بل بنجاح من بعده في تحويل الفكرة
الى واقع. وبخلاف ذلك، فسوف يكون تعظيم الشخص مجرد وسيلة للالتفاف على فكره ورؤيته.
0 تعليقات