آخر الأخبار

السلفيون في مصر






السلفيون في مصر

د. محمد ابراهيم بسيوني

شجرة الإخوان المسلمين زرعها الملك عبد العزيز آل سعود فى مصر عن طريق عملائه فى مصر. بدا بالسلفية وأبرز زعمائها رشيد رضا، ثم أنصار السنة والشبان المسلمين ثم أخيرا الإخوان المسلمون عام ١٩٢٨. وذلك بعد أن قضى الملك عبد العزيز على الإخوان النجديين التابعين له والذين أنشأ بهم ملكه.

وإثناء الصراع بينه وبين الإخوان النجديين، وبمجرد الاستيلاء على الحجاز ومكة وشعيرة الحج استقطب له أنصارا من مصر، وعمل مبكرا فى وجود الإخوان النجديين على إقامة إخوان آخرين فى مصر، فتحولت الجمعية الشرعية المصرية الى الوهابية عن طريق شيخها الشيخ السبكى، وأنشأ عملاء الملك عبد العزيز له أنصار السّنة والشبان المسلمين لنشر الوهابية في مصر. ثم اختير حسن البنا من داخل الشبان المسلمين لتولى تأسيس الإخوان المسلمين. ليعوّض بهم رفاقه المشاكسين الإخوان النجديين، وليستغلهم فى الوصول لحكم مصر لتصير مصر عمقا تابعا له ولأسرته.
مع إتحاد الإخوان والسلفيين فى الدين الوهابى إلا إن الهدف الأول للإخوان هو الوصول للحكم، وما يستلزمه هذا من صراع ونفاق وإزدواجية الخطاب.

على العكس من ذلك يمتاز معظم السلفيين الدعاة بالصراحة فى التعبير عن معتقداتهم الوهابية فى أنهم الممثلون لله جل وعلا والمحتكرون وحدهم للإسلام، وبالصراحة فى رفض المختلف معهم دينيا ومذهبيا وسياسيا وفى اعتبار الديمقراطية كفرا. وحين عملوا مؤخرا بالسياسة كانت محاولة كبح جماح صراحتهم وتعليمهم التقية والنفاق وإخفاء أنيابهم مرحليا حتى الوصول للسلطة، ومع ذلك فإنه لا تزال فلتات لسانهم تفضح حقيقة توجهاتهم السياسية والدينية.

وحتى الآن فالإخوان المسلمون ورثوا وتعلموا من رائدهم حسن البنا أصول النفاق وتميزوا بهذا عن السلفيين المصرين.

 السلفيون المصريون فى معظمهم عاشوا وتعايشوا على حفظ رسائل ابن عبد الوهاب وابن تيمية وابن القيّم فى انفصال تام عن الحاضر.
أما فى عصر الرئيس حسني مبارك، أتيح لهم التوسع والانتشار واخترقهم امن الدولة واستغلهم فى أعماله. لم يعملوا بالسياسة ولم يتعلموا حنكة الإخوان ودهاءهم ونفاقهم. وبعد أن تحرروا من سيطرة أمن الدولة بتنحي الرئيس حسني مبارك ظهروا مرة واحدة فى المشهد السياسى المصرى وبعضهم تعلم الإرهاب.

 فى سياسته فى التجميع

كان السلفيون أهم مجموعة يبدأ بها حسن البنا، خصوصا وقد بدأ بهم أول اتصالاته، وكسب ثقة رشيد رضا وتولى بعده رئاسة المنار، وأكتسب ثقة محب الدين الخطيب، وبعد وفاته قال عنه محب الدين الخطيب "إن الأستاذ حسن البنا أمة وحده وقوة كنت أنشدها في نفس مؤمن فلم أجدها إلا يوم عرفته. وكنت ابن صنعة يوم اكتشفت بيني وبين نفسي حاجة الإسلام إلى هذا الداعية القوي الصابر المثابر، الذي يعطي الدعوة من ذات نفسه ما هي في حاجة إليه من قوة ومرونة ولين وجلد وصبر وثبات إلى النهاية. وكثيرًا ما كنت أفكر في هذا الجيش اللجب من الإخوان المسلمين ومالهم من مئات الشُّعَب وكيف استطاع رجل واحد أن يحقق ذلك بعد أن كان أملاً بعيدًا لكل غيور على الإسلام".
أتيح لحسن البنا أن يقود فصيلا من السلفيين من خلال إشرافه على مجلة المنار بعد وفاة رشيد رضا، وأستطاع ان يجتذب كثيرا منهم الى جماعته الاخوان.

وأنتشر الإخوان وتشعبوا داخل مصر وخارجها وكان السلفيون الأكثر انتشارا بسبب تخففهم من العمل السياسى وتركيزهم على الدعوة الوهابية باسم الإسلام.

 دخل الإخوان فى صدام مع الدولة المصرية ثم مع مصر جمال عبد الناصر وحتى الآن. بينما كان السلفيون يتغلغلون فى مصر بآلاف الجمعيات ومئات الألوف من المساجد تحت شعار الإسلام والكتاب والسنة. وبينما نشب الخلاف وتم الطلاق بين السعودية والإخوان فإن السلفيين حظوا برعاية السعودية بسبب ولائهم للسلطان القائم وتفرغهم للدعوة، فتقاطر عليهم التمويل من السعودية والخليج ونشطت تجارة إقامة المساجد الوهابية وأصبحت وسيلة هامة فى تكوين الثروات وصارت مساجد استثمارية تتكون من مستشفى ودروس خصوصية ومحلات تجارية.

الرئيس جمال عبد الناصر لم يتعرض للسلفيين حين عصف بالإخوان فى الخمسينيات وفى الستينيات لأنه لم يشعر بالخطر منهم بل ترك تنظيماتهم الدعوية تعمل بنشاط دون تحجيم ولهذا ظلت الجمعية الشرعية وأنصار السُنّة تعمل فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر المعادى للسعودية. ثم دخلت الوهابية فى انقلاب خطير فى عصر الرئيس أنور السادات وتحالفه مع السعودية والإخوان والسلفيين معا.

 أراد أن يركبهم جميعا باعتباره الرئيس المؤمن الذى يتشبه بالخليفة عمر بن عبد الخطاب. وكان مجلس الشعب على وشك إقرار الشريعة الوهابية تحت مسمى الشريعة الإسلامية ومنها حد الردة. وظهر قادة وهابيون جُدُد إشتهروا فى عصر الرئيس السادات كان منهم الشيخ الإخوانى صلاح أبو إسماعيل ١٩٢٧ - ١٩٩٠، الذى سادت شهرته طيلة عصر الرئيس السادات وحتى عصر الرئيس مبارك.

 وفى نضاله ضد الدولة كان ينجح فى الانتخابات رغما عنهم بسبب شعبيته الكبيرة والانتشار الهائل للسلفية الوهابية. وبعد وفاته ورث شهرته ابنه حازم الذى تحالف مع الإخوان وأرتكب أعمالا إرهابية فى فترة الاضطراب التى جاءت بعد تنحي الرئيس مبارك. شهرة صلاح أبو إسماعيل وابنه حازم من بعده تعطى مؤشرا على علو النفوذ السلفى فليس لهما تميز علمى سوى الشهرة فى خطاب العوام. لم يمنع الصدام بين الرئيس السادات والاخوان تراجع النفوذ السلفى بل زاده توسعا بسبب حاجة الرئيس السادات للأزهر والسلفيين حتى يحتفظ بمسحته الدينية فى مواجهة خصومه من اليساريين والماركسيين والقوميين العروبيين.

كان السلفيون ينتشرون بمساجدهم وتنظيماتهم فى العمران المصرى فى كل مدينة وكل قرية وكل حىّ. وأتيح لهم مع الإخوان السيطرة على التعليم والإعلام والأزهر والأوقاف، باعتبارهم أنهم هم الإسلام.

وفى عصر الرئيس السادات انبثقت من الوهابية تنظيمات مختلفة وأطياف متنوعة من الجهاد والجماعة الإسلامية وازدهرت حركات مختلفة وحين تصدى لهم قتلوه. بعد اغتيال الإخوان للرئيس السادات ومجىء الرئيس حسني مبارك وضع أمن الدولة عينيه على الجماعات السلفية فهى التى تمثل الإسلام من وجهة نظر المجتمع المصرى، وليس لها طموح سياسي بل هى تعمل فى خدمة أمن الدولة ليتمتع قادتها بالثروة والسلطة فى عصر الفساد الذى تغلغل فى مصر بتغلغل السلفية فيها. وصار ملحوظا هذا التناغم بين انتشار الفساد وانتشار التدين السطحى بفعل الوهابية السلفية واحترافها الدينى.

وبينما حارب الرئيس مبارك الأخوان وما ظهر وما بطن من تنظيماتهم فقد سيطر امن الدولة على الجسم الأكبر للدعوة الوهابية وهو الجمعيات السلفية.

 وبالتمويل السعودي والدعم المصري تمدد وتشعب التيار السلفي الدعوى أكثر وأكثر وانتشرت تنظيماته وتكاثرت مساجده بالآلاف وتسلل إلى الأزهر والتعليم والأعلام والنوادي وبتأثيرهم انتشر الحجاب والنقاب ووقع الاضطهاد على أهل القرآن لمجرد أنهم يواجهون الوهابية من داخل الإسلام بل وتفرغ التيار السلفي لمطاردة المفكرين بمحاكم التفتيش أو الحسبة ومطاردة الأقباط.
 أقترف الرئيس السادات خطايا عُظمى منها التحالف مع الوهابية والسعودية محور الشّر دون أن يدرك خطورة اللعب مع العقرب الوهابى هذا لأنه أراد أن يستمر فى الحكم الى النهاية باعتباره الرئيس المؤمن الذى يحرم عزله. لذا قام بتغيير الدستور ليمنحه أن يظل رئيسا مددا بلا تحديد وأرضى الوهابيين المصريين بالنصّ على مبادىء الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع، وأعطى للرئيس فى الدستور سلطة مطلقة دون مُساءلة.
فى هذا السياق وصل التعاون بين جهاز أمن الدولة فى عهد الرئيس مبارك والسلفيين الى مرحلة خطيرة إذ استغلهم أمن الدولة في إحداث القلاقل التي تبرر تمديد قوانين الطوارئ. وبتسلل امن الدولة إلى جسم الحركة السلفية أمكن إنشاء تنظيمات مختلفة تعمل لصالح الأمن، بل نجح الأمن في عقد صفقة مع زعماء المساجين من الجماعة الإسلامية والجهاد فيما يعرف بالمراجعة الفكرية وبها يتخلون عن العنف والعمل السياسي وطريق الإخوان ويتراجعون إلى المربع الأول أي الدعوة.
تنحي الرئيس مبارك وسقط أمن الدولة وظهر جسم الحركة السلفية متحرراً من سيطرة الأمن، يملك التوسع والانتشار والنفوذ بين العوام والأزهر والأوقاف والتعليم والأعلام، وأهم من ذلك ملايين الأتباع والأنصار في القرى والنجوع والأحياء الشعبية، وظهر تأثيرهم السياسى واضحا يشير إلى طموح سياسي انطلق فجأة يستثمر الوضع القلق بعد الرئيس مبارك وحالة السيولة التي تعيشها مصر وقتها مع انفلات أمنى وهذا فى وقت مفصلى بين غروب دولة بوليسية وملامح فوضى متفرقة ومظاهرات ومطالب فئوية ومجلس عسكري لم يكن أعضاؤه جاهزين لإدارة دولة مدنية.
عميد طب المنيا السابق

إرسال تعليق

0 تعليقات