آخر الأخبار

فقدان الروح









فقدان الروح

د. محمد إبراهيم بسيوني

‏مع كل الأحداث من حولنا نحن مجرد انفعال لا تفاعل. والاعتياد الفعلي للأحداث الغير اعتيادية مؤشر خطر علي فقدان الروح لطريق خلاصها.

هذه الصدمات المتتالية لخطة الإصلاح الاقتصادي كانت كفيلة بتهديد استقرار النظام مهما كانت شعبيته والثقة فيه والالتفاف حوله. لو اجتمع عباقرة صناع الألعاب السياسية فى العالم لن يتمكنوا من صناعة لعبة تشبه "لعبة الحياة اليوم في مصر". نفوس البشر عندنا وحدها من يمكنها صناعة تلك اللعبة بل والإبداع فيها. قانون واحد هو ما يحكم اللعبة "إما الحياة أو الموت الزؤام" والبقاء للأقوى فقط، لكن أوراق اللعبة مختلفة تماما.

لن تصبح الأقوى بعدد الأهداف التي أحرزتها، ولا بعدد الشهادات العلمية التى حصلت عليها، ولا بعدد الخدمات التى قدمتها. ولأن خيوط اللعبة يديرها فقط "ثيران السياسة" و"حيتان السوق" و"قرود الإعلام" فسيكون الأقوى بالفعل مختلف، حينها ليس من يمتلك مالًا ونفوذًا فقط ولكن من يمكنه عزف سمفونية الحياة على الطبلة، من يضيف لحنًا ترقص عليه الشياطين ليصبح عالم الموسيقى مقتصرًا فقط عليهم. فى الحرب كل شىء مباح والحرب خدعة، والخادع من أبدع فنونا جديدة فى الخداع، فالفنون القديمة لن تجدى مفعولًا مع ذلك القانون، والمفعول لابد ان يُظهر تأثيره من الجرعة الأولى، ليس هناك المزيد من الوقت، الثانية فارقة، والأقوى من يحكم قبضته ويده فقط من تحرك عرائس الماريونيت كيفما تشاء. وفى معركة الصعود دائما هناك من يُقَدمون للتضحية "خرفان العيد" لكن عذرًا هؤلاء ليسوا خرفان العيد فالعيد يأتى مرتين فى العام بل هؤلاء "خرفان اليوم" وغدا وكل يوم، فالسلالة لن تنتهى طالما ظلوا خرافًا.

 أما عن حلبة الصراع فحدث ولا حرج، فمقاتلى الحلبة غير متكافئين والحرب غير عادلة، كيف لمن يأكل البقايا أن يكون فى بنية من يأكل اللحوم، وكيف نضع من يمتلك تلك العضلات المفتولة امام ذلك الزاحف على بطنه، أو ذلك الذى لا تحمله قدماه. أما عن مشاهدى الحلبة، فالكاميرا دائما ما ترصد زاوية حادة لا يسعها أن تكون منفرجة ابدًا كثيرا ما تساءلت عن السبب. لكن أدركت ان الزاوية كلما كبرت كلما كبرت الدائرة، وبالتالي أصبحت الرؤية أكثر وضوحًا، فى الزاوية الحادة يمكننا رصد هؤلاء الذين تسد صوت ضحكاتهم الآذان. ولن ترصد صاحبى الأعين المذعورة حد الشفقة. كش ملك، مات الملك، أسدل الستار والنهاية مفتوحة، ملك الحق، ملك الظلم، ملك الخير، ملك الشر، فى النهاية أصبح الصراخ كصراخ النمل لم ولن يسمع.


جاء تقرير الإنجازات في نفس اليوم الاحتفال بثورة ٣٠ يونيو، وهو نفس التوقيت الذي اختارته الحكومة الرشيدة لتعلن رفع الأسعار رغم تصريح رئيس مجلس النواب يوم الاثنين ١٩ يونيو الحالي أنه لا حقيقة للشائعات زيادة أسعار الوقود بداية من شهر يوليو القادم، وهو دليل جديد على دولة تتخبط بين حكومة ومجلس نواب.

 إحنا رفعنا سعر البنزين، فنرفع التضخم، فنزود العجز، فنرفع الدين، ونفضل هكذا. هناك زيادة مفزعة في الدين الداخلي، وزيادة في الاقتراض الخارجي، وانخفاض في قيمة الجنيه، وارتفاع في نسبة التضخم، وتضاعف في أسعار كل ما يباع في مصر، ورفع جزء من الدعم علي المحروقات والكهرباء والغاز والماء، وزيادة أسعار كل الخدمات المقدمة من الجهات الحكومية للجمهور، وزيادة الغضب الشعبي بعد التصديق على اتفاقية تيران وصنافير، وزيادة الانقسام والشقاق المجتمعي، وهناك ملف أفريقيا وماء النيل وسياسة مصر الخارجية وهل هي تابعة أم مستقلة.

غالبية الشعب، لا يفهم كثيرا في الأرقام ولكن العبرة عنده بالنتائج، الرئيس الناجح هو من يحقق لنا حياة أفضل مما كنا نحياها على جميع المستويات، والحقيقة أن معظم الشعب يعيش حياة لا يمكن وصفها بأنها حياة كريمة، حتي لو كانت آمنة ومستقرة.

 الارتفاع غير المسبوق في تكاليف المعيشة والذي يئن بسببه الفقراء وتشكوا منه الطبقة الوسطى التي كانت وحتى وقت قريب مستورة ومستغنية. أما بقية الشعب فهو البائس حائر بين أحكام القضاء التي لا تُحتَرم، والبرلمان الذي لا يدافع عن حقوقه، والسلطة التنفيذية التي لا تجد من يوقف جموحها، وتستغل قانون الطوارئ. لكن من يستحق الإشادة به، فهو صاحب الإنجاز في أنه مازال يحيا، عاشقا لتراب وطنه رغم كل هذه الصعوبات، وهو صاحب الفضل على كل حاكم ومسؤول، وهو مخزن العزيمة والأمل.


عميد طب المنيا السابق




إرسال تعليق

0 تعليقات