آخر الأخبار

هل انت مجتهد؟!




هل انت مجتهد؟!








عز الدين البغدادى

ما دفعني لكتابة هذا الموضوع سؤالان طرحا علي: الأول وهو سؤال يتكرر باستمرار من عدد من الإخوة وهو: هل أنت مجتهد؟ لا سيما وانك تكتب عن الاجتهاد فكيف تكتب عنه اذا لم تكن كذلك؟
وثانيا: سؤال عن بعض الشخصيات الحوزوية: هل زيد مجتهد؟ وهل ثبت اجتهاد عمرو؟
أجبت عن السؤال الأول، وقلت: لا أدعي هذا الأمر لكني أيضا لا أنفيه، فأنا اعتقد أنّ إضافة مجتهد الى قائمة الموجودين لا تعني شيئا ولن تزيدني شخصيا، لأني اعتقد بأن هناك ما هو أهم من الاجتهاد بالنمطية الموجودة.
نعم هناك أمور اجتهد فيها، ولي آراء خاصة بي بينتها في كثير من كتبي، لكني لست من هواة الألقاب ( آية، حجة) كما إني أنظر للاجتهاد نظرة مرنة، فهناك أمور أرجع فيها إلى غيري رأسا، وهناك أمور أترك فيها رأيي لرأي غيري اذا رأيته أصوب عملا بقوله تعالى: ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) خلافا للرأي السائد الذي يرى أنّ المجتهد لا يجوز له أن يقلد غيره، وهو ما ناقشته في كتابي عن التقليد.

وعندما استغرب من ذلك بعض الإخوة قلت له: لا تستكثر علي ذلك، فأنا قد كتبت أكثر من عشرين كتابا ومن قرأها يعرف قيمتها، وقد ناقشت فيها وبينت فيها آرائي، ومع ذلك اطمئن فأنا لا أقول شيئا إلا جوابا على سائل يسألني، فأنا لا أريد أن أنافس أحدا بأي حال؟ ولن يزيدني اللقب الذي فقد قيمته لكثرة مدعية شيئا، ولا إجازة اجتهاد التي ليس لها شروط موضوعية والتي صارت من مخلفات الماضي.
لكن أرجع وأقول بأنّ الاجتهاد ليس هو الأهم، وهو أيضا ليس صعبا بالدرجة التي يروج لها البعض. فمنذ أكثر من ألف سنة والفقهاء يناقشون نفس المسائل تقريبا، النصوص التي تمثل الأدلة محدودة والمسائل محدودة، وبالتالي يمكن لطالب العلم أن يصل درجة الاجتهاد مع بذل الجهد المناسب، وعندها سيرجع ليناقش أمورا تمت وتتم مناقشتها منذ مئات السنين، ونسبة التغير فيها قليلة جدا. ولا شيء فيها غير إيراد إشكال، ودفع إشكال.
طبعا لست ممن يرى أن الاجتهاد سهل للدرجة التي وقع فيها بعض طلبة العلم ممن مارس تدريس الكفاية أو المكاسب ثم اعتقد بأنه بلغ درجة الاجتهاد، فالاجتهاد اكبر من ذلك، انه فهم وإحاطة ومعرفة بالقواعد وتأصيل وتفريع، واهم من كل ذلك جودة الذهن، وهذا ما لم يدركه كثير ممن ادعى او يرى نفسه مجتهدا.
وأرجع لأقول: من هذا يتبين جواب السؤال الثاني: ليس المهم هو الاجتهاد، بل المهم هو الفلسفة التي تقف وراء الفقه: هل ستكون قادرا على التمييز بين الأحكام المقيدة بزمن ما وغيرها؟ هل تستطيع ان تتجاوز الطائفية؟ هل تمتلك رؤية في الفقه السياسي يمكن ان ترتكز على المصلحة والقيم لا على مناقشة الروايات؟ هل تستطيع أن تحافظ على قيم الإسلام التي هدرتها الرؤية الفقهية الضيقة؟ هل تمتلك رؤية عن مقاصد الشريعة وأهدافها؟ هل تستطيع ان تتفهم مشاكل المجتمع واحتياجاته؟ هل ستتجاوز القواعد الصناعية للفقه وتؤسس لفقه يلبي احتجاجات الحياة؟ هل تمتلك الجرأة لتشخيص الغلو ونقد الطقوس التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي تزداد باستمرار؟ هل تستطيع ان تقف بوجه الاستبداد والفساد موقفا جدّيا واقعيا منتجا، وليس مجرد انتقاد بارد كما نسمع في خطب الجمعة؟ هل تمتلك رؤية عن تطبيق الشريعة تتجاوز تلك الرؤية الهزيلة التي تقدمها أحزاب الإسلام السياسي؟ هل ستستطيع تقديم رؤية حضارية للإسلام؟
هذا برأيي هو المهم، وأما أسئلة من قبيل: هل إنّ زيدا مجتهد أم ليس بمجتهد؟ وهل لديه إجازة اجتهاد أو ليست له؟ وهل هو حجة أم آية؟ أو هل لديه براني أو ليس له؟ فكلها أمور لا قيمة لها ولا تزيد ولا تنقص.

ملاحظة: قبل سنوات ربما أكثر من عشر سنوات حصل نقاش بين بعض طلبة العلم حول مسألة فقهية، فأعطيتي رأيي فيها، فاستغرب احد المشايخ وهو شخص بسيط جدا عندما قلت بأن هذا رأيي، وقال: خوب افتح براني، قلت له: شيخنا خلافا لما تعتقد لا ملازمة بين الاجتهاد والبراني، فهما يجتمعان ويفترقان.

إرسال تعليق

0 تعليقات