عن (مقال الحسين ظالما)!
بقلم : أحمد عز الدين
هذا مقال، لا يحمل إلا رسالة
واحدة ، هي رسالة في فضائل الإنحناء المذل ، والرضوخ المنكسر ، وفي استحسان
الاستسلام غير المشروط .
وهذا مقال، لا يوزع على الشعوب
، إلا أسلحة الإذعان ، ونبذ المقاومة ، ويجلي في عيونهم محاسن القبول بالمذلة
والخنوع .
هذا مقال، يقول للناس : يا
أبها الناس ، انحنوا لأعدائكم ، ولامسوا برؤوسكم ، كعوب أقدامهم ، وأسمحوا لأحذية
المحتل والعدو والغاصب ، أن تدوس فوق جباهكم ، وأن تصنع من ظهوركم ، سلالم تصعد
عليها ، إلى شرفة مجد المستعمرين ، والغاصبين بالقوة المسلحة ، فلم تكن إرادة
" الحسين " التي اختارت أن تنحاز إلى مبدأ ( الشهادة ) دفاعا عن الحق
والعدل ، إلا رمزا حيا ، لإرادة عربية ، وإنسانية ، ممتدة ، وباقية ، هي أكبر
بكثير ، وأوسع بكثير ، من واقعة في عمق التاريخ العربي .
هذا مقال ، لا ينفي عقيدة (
النصر أو الشهادة ) ، بتعمقها وتشعبها الفريد ، في التاريخ الوطني والقومي فحسب ،
بل يضع بديلا لها ، أن طلب السلامة الشخصية ، والنجاة بالنفس ، هو أرقى صور
العقلانية .
لكن السؤال ، الذي يفغر فاهه
دهشة ، هو : لماذا نسمح بوضع البنادق في أيدي كتيبة من العميان ، ليغمروا بالنيران
كل رمز مقاتل حي ، عبر فصول هذا التاريخ ، من أحمد عرابي إلى جمال عبد الناصر ،
ومن صلاح الدين الأيوبي إلى الحسين ؟
ما هو المطلوب بالضبط ؟
أن نعيد قراءة التاريخ العربي
، فضلا عن التاريخ الوطني ، بمنهج زرائعي مقلوب ، لنؤكد للناس أن كل الذين قاوموا
وواجهوا ، محتلا أو معتديا أو غاصبا ، قد تنكّبوا الطريق ، وأمسكوا وتمسكوا
بالخيار الخاطئ ، بينما كان الخيار الصحيح ، الذي كان عليهم أن يحاذوه ، هو أن
يدوسوا على مبادئهم ، ويبتلعوا كرامتهم ، أمام سلطان السيف ، وحراب المستعمرين ،
طلبا للسلامة الشخصية ، والنجاة بالنفس ؟ ولمصلحة من ، إذا كانت مصر المحاربة ما
تزال تقاتل ، وتقدم دما ذكيا طاهرا ، إنحاز إلى الشهادة ، وهو يصد عنها ، وعن
أمتها ، هذا الجراد الصحراوي ، الذي لا يريد منها غير أن تنكسر إرادتها ، وتتحطم
روحها المعنوية ، كسفينة يائسة بين أمواج الدم ، وعواصف البارود .
إذا اقتنعنا بهذا المنهج
الزرائعي المقلوب ، في قراءة التاريخ ، فإن علينا أن نقنع أنفسنا ، بأن الخيار
الصحيح الذي رفضه عرابي هو أن يذهب وجيشه وينحنوا ويقبّلوا يد الحضرة الخديوية .
وإذا اقتنعنا بهذا المنهج
الزرائعي المقلوب ، فقد كان على عبد الناصر ورفاقه أن يستجيبوا لنصيحة صلاح سالم ،
وأن يذهبوا ويسلموا أنفسهم ، إلى السفارة البريطانية بالقاهرة ، عشية الإنذار
بالعدوان الثلاثي على مصر .
وإذا اقتنعنا بهذا المنهج
الزرائعي المقلوب ، فربما كان على الشعب المصري أن يجد خيارا آخر ، في مواجهة سلطة
الإخوان ، غير هذا الخروج الثوري العظيم ، في الثلاثين من يونيو ، وربما كان عليه
، أن يؤجل ثورته ، ريثما يصلح الزمن بنفسه ما أعوج ، ويجبر بذاته ما انكسر .
أي عقل مأزوم ذلك الذي يريد أن
يرمي جمرا ، في أرواح الشهداء ، وهي ترفرف فوق رؤوسنا ، بأنهم تنكّبوا الطريق ،
وأن مبدأ الشهادة دفاعا عن الوطن والحق والعدل ، كان من الممكن ، ومازال من الممكن
، أن تكون له خيارات أخرى .
عندما تهتز قدسية الشهادة ، في
وجدان الناس ، فإن الثمرة الوحيدة له ، أن تهتز البنادق في أيدي المقاتلين ، أما
أولئك الذين يمكن أن يسمحوا لمثل هذا الرخص ، والعبث الفكري ، بأن يمر آمنا إلى
عقول الناس ، فإنهم لا ينظرون إلا من زاوية مأزومة ، لأنها بالغة الضيق ، شديدة
الإنغلاق .
أرفعوا هذه الأحجار عن صدورنا
، نريد أن نتنفس !
0 تعليقات