آخر الأخبار

مصر وآل البيت (5)







مصر وآل البيت (5)

محمود جابر

: لماذا حاول هؤلاء أن يثبتوا ان مصر تم غزوها او فتحها عنوة ولم يدخلها المسلمين صلحا ؟
**

نقول إذا عرف السبب بطل ... العجب
فمن الظاهر ان أحاديث معارك فتح مصر ، اختُرعت فيما بعد ، لإثبات أنها فتحت عُنْوَةً لا صلحاً ، وذلك لسببين:
الأول: أن المدن والأراضي المفتوحة صلحاً يجب أن يتقيد الوالي فيها بالجزية السنوية التي نص عليها عقد الصلح ، التي تشبه الضريبة لحماية السكان ، وهي عادة دينار ذهبي أو ديناران عن كل بالغ ، عدا الصغار والنساء والشيوخ ، ولا يجوز للوالي أن يزيد عليها .
أما المفتوحة عُنْوَةً ، أي بالقوة والحرب ، فتكون أراضيها وعقاراتها ملكاً للمسلمين أي للدولة ، ويجوز للوالي رفع الجزية على أهلها ، لأنهم مستأجرون غير مالكين . لذلك حاول الولاة إثبات أن فتح هذه المنطقة أو تلك كان عُنْوَةً ، ليحق لهم رفع الجزية كما يحبون !


والسبب الثاني: ادعاء البطولات المكذوبة لزيد وعمرو ، باختراع المعارك الوهمية وتضخيم قوة العدو ومقاومته ! فصرت تجد في فتح مصر بطولات عمرو العاص الأسطورية ، ومغامراته البوليسية ! وهي تفترض مقابله قوات للعدوحاربها أو احتال عليها فانتصر ، فيجعلونها قوات رومية تارة ، مع أنه لم يبق جندي رومي في مصر ، وتارة قوات للمقوقس ، مع أنه أعلن المصالحة ورفض الحرب !
وجعلوها تارة عشرة آلاف جندي مرافقين للملكة أرمانوسة بنت المقوقس ، يزفونها الى ابن هرقل ، مع أن هذا الزواج لا أصل له !
واليك هذه الرواية التي تتضمن معارك مزعومة وتكذيبها معاً !
هذه الروايات تجدها فى قال الطبري ومن الواضح أن هذا تلاعب وادعاء ، لا يقبله العقل .
وقد أثبتنا في كتابنا أن الإسكندرية فتحت صلحاً بلا قتال، وأن عَمْرو العاص ادعى بعد خمس سنين أن أهلها نقضوا الصلح ، فغزاهم وسبى منهم ، فكذَّبه الخليفة عثمان ، وأمره برد السبي والأموال التي أخذها ، فعمرو العاص هو الذي نقض عهد الصلح ، وليس المصريين !
**


كيف تعاملوا مع الوالى من قبل الخلفاء ومع الخلفاء انفسهم ؟

**
سجل التاريخ أن المصريين ، وهم الذين سكنوا في مصر من العرب أو أسلموا من الأقباط ، كانوا أول من طالب الخليفة عمر بتطبيق القرآن ، وهذا يدل على أنهم عكفوا على قراءة القرآن والتدبر فيه ، وقايسوا أوامره ونواهيه بسياسة عمر وعماله ، فرأوا أن أكثر القرآن لا يطبق ، فذهبوا اليه يطالبونه بتطبيقه ، لكن عمر أحبط مسعاهم ، وهددهم!

فقد روى السيوطي في الدر المنثور (2/145) والطبري في تفسيره (5/63) وابن كثير في تفسيره (4/497) وكنز العمال (2/330 ): « عن الحسن ، أن ناساً لقوا عبد الله بن عمرو بمصر ، فقالوا: نرى أشياء من كتاب الله أمَر أن يُعمل بها ، لا يُعمل بها ! فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك .
فقدم وقدموا معه ، فلقي عمر فقال: أن ناساً لقوني بمصرفقالوا إنا نرى أشياء من كتاب الله أمر أن يعمل بها لا يعمل بها، فأحبوا أن يلقوك في ذلك..فقال: متى قدمت؟ قال: منذ كذا وكذا . قال: أبإذن قدمت؟ قال: فلا أدري كيف رد عليه ! فقال: يا أمير المؤمنين إن ناساً لقوني بمصر فقالوا إنا نرى أشياء من كتاب الله تبارك وتعالى أمر أن يعمل بها لا يعمل بها ، فأحبوا أن يلقوك في ذلك . فقال: إجمعهم لي .


قال فجمعتهم له ، قال ابن عون أظنه قال في نهر ، فأخذ أدناهم رجُلاً فقال: أنشدك بالله وبحق الإسلام عليك ، أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم. قال: فهل أحصيته في نفسك؟ قال:اللهم لا. قال ولو قال نعم لخصمه . قال: فهل أحصيته في بصرك، هل أحصيته في لفظك، هل أحصيته في أثرك؟ قال: ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم فقال:ثكلت عمر أمه أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ! قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات ، قال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا .
هل عَلِم أهل المدينة ، أو قال هل علم أحدٌ ، بما قدمتم ؟ قالوا: لا .
قال: لو علموا لوعظت بكم » !
ومعناه أن هؤلاء المصريين جاؤوا وفداً ليسألوا الخليفة عن آيات من القرآن فيها أوامر إلهية في الأمور الإدارية والسياسية والمالية والإجتماعية ، ولا يرون تطبيقها في دولته ! فلم يعطهم الخليفة « العادل» فرصةً للكلام ، وهاجمهم بالجواب بأنهم مخطئون يطلبون منه تطبيق القرآن على نفسه وولاته ، والقرآن عظيم لايمكن لأحد أن يطبقه!

واستدل عمر على عدم إمكان تطبيق القرآن ، بأنه لايمكن لأحد أن يحصي كلماته وحروفه فيراها كلها دفعة واحدة ، أو يستحضرها في ذهنه دفعة واحدة . وكل دستور لايرى الحاكم مواده وسطوره وكلماته وحروفه دفعة واحدة ، يسقط عنه تطبيقه !

ثم استدل بأن القرآن عظيم ، لايمكن لأحد أن يطبقه كله ، فيكفي أن يطبق منه جزءاً يسيراً ، والله يعفو عن الباقي .

وهذا الجزء موكول الى الخليفة نفسه ، فقد يكون أخذ الزكوات وتأديب الناس بالسوط ! واستدل على ذلك بأن الله وعد من اجتنب كبائر المحرمات أن يغفر له ، فيكفي للخليفة أن يطبق كبائر الواجبات !
ثم قال لهم إنكم مفسدون في الأرض! فقد جئتم تحركون المسلمين عليَّ للمطالبة بتطبيق القرآن ، لكني أحضرتكم قبل أن يعرف أهل المدينة بكم ، ولو عرفوا لجعلتكم عبرة لمن اعتبر ، وأقمت عليكم الحد ! الذي قد يصل الى ضرب أعناقكم ، فاحمدوا الله واسلموا بجلدكم ، وارضوا بما ترونه يخالف القرآن مني ومن عمالي ، ولا تثيروا علينا المشاكل!


وأمام هذه الإستدلال العمري العجيب ، والتهديد الأعجب ! جمع الوفد المصري متاعهم ، وغادروا الى مصر ، ليستعيدوا هدوءهم من صدمتهم !

وللحديث بقية 




إرسال تعليق

0 تعليقات