آخر الأخبار

القناة جرح غائر ..






القناة جرح غائر ..

سامح جمال

يقودنا الحديث عن قناة السويس إلى ذكر سيرة الدكتور مصطفى الحفناوي، وهو صاحب المؤلف المهم الذي يقع في أربعة أجزاء عن قناة السويس ويعد أوفي المؤلفات وأدقها وأكثرها شمولا، وحسن فعلت كل من هيئة قصور الثقافة (ذاكرة الكتابة) والهيئة العامة للكتاب في سلسلة (مكتبة الأسرة) حين أعادا إصدار كتاب «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة» للدكتور مصطفي الحفناوي فالكتاب من الأهمية بمكان حيث يعد المصدر الرئيسي والشامل عن قصة قناة السويس ومامرت به من مراحل والمشاكل القانونية التي أحاطت بالمشروع منذ ضربة أول معول إلى ماقبل التأميم وتوابعه.
وفي الكتاب نجد المعلومات الدقيقة في مواجهة المعلومات المغلوطة التي روجت لها الدعاية البريطانية كما رصد قناة السويس منذ كانت حلما والمحاولات السابقة عليها وتطلع العالم لهذه القناة كما يعرض للمحاولات الفرنسية المبكرة لحفر القناة والتنافس بين انجلترا وفرنسا على امتلاك مصر ويستعرض سيرة ومساعي ديليسيبس في هذا السياق وأول فرمان أصدره سعيد باشا ليعطى ديلسيبس امتياز بدء الحفر في قناة السويس، والمعركة الدبلوماسية بين بريطانيا وفرنسا على مشروع القناة، التي كادت تنذر للحرب بينهما، وقصة فرمان 5 يناير الذي كان أشد وطأة على مصر وأتى بقيود جديدة على القناة.

ويعرض الفصل الحادى عشر لتنفيذ المشروع في عهد إسماعيل بعد تسوية الخلافات مع الباب العالى، وأعمال الحفر والانشاء، وافتتاح القناة ومظاهر الأبهة، ويختتم الحفناوى كتابه بذكر خسائر مصر السياسية والمالية بعد بيع حصتها في أرباح القناة غير أنه منذ وفاة هذا الرجل في 1980 لم يتذكره أحد رغم أن جمال عبدالناصر قرأ كتابه عن القناة قبل التأميم بسنوات بل وقبل الثورة أيضا.

وتقول سيرة الحفناوي، إنه ولد في محافظة الشرقية والتحق بكلية الحقوق عام 1935 وكان قد انتمى إلى الحزب الوطني الذي أسسه الزعيم مصطفي كامل الذي كان مأخوذا به كرمز وطني وحين وقعت حكومة مصر معاهدة 36 أصدر كتاباً في تفنيد المعاهدة ثم انشغل بالعمل السياسي كما عمل بالصحافة وبالمحاماة، وواصل دراساته العليا بكلية الحقوق وجعل قضية قناة السويس ووضعها القانوني هما رئيسيا في دراساته وعرف أن كل وثائق القناة كانت في مقر الشركة بباريس، كماكانت هناك رسائل علمية عن القناة أعدها مصريون كانت في فرنسا، مثل رسالة د. حسين حسني التي أجيزت من جامعة مونبيليه عن القناة عام 1933.

ولم تكن إمكانات الحفناوي تسمح له بالسفر لباريس للبحث فلجأ إلى وزير خارجية مصر في حكومة الوفد الأخيرة د. محمد صلاح الدين الذي أرسله إلى باريس ليكون مستشاراً صحفياً بالسفارة المصرية هناك ومكنه ذلك من ان يدخل مقر الشركة العالمية لقناة السويس ويطلع على وثائقها وفي يوليو 1951 انتهى من إعداد رسالته ونوقشت في جامعة باريس، وانتهى في هذه الرسالة إلى أن وظيفة القناة عالمية، تمر بها السفن من كافة أنحاء العالم، وطبقاً لاتفاقية القسطنطينية في عام 1888 فإن القناة يجب أن تكون محايدة ويرتبط بهذه العالمية أن القناة مصرية، على أرض مصرية.

وقد أحدثت الرسالة رد فعل قوي في باريس والقاهرة وكان مصطفي النحاس في مفاوضات معاهدة عام 36 وحاول النحاس فتح ملف القناة واستعادتها، لكن الانجليز رفضوا، وازداد القلق المصري بعد الوثائق التي كشفها الحفناوي وتثبت تخطيط الشركة لعدم تسليم القناة للمصريين بعد انتهاء الامتياز في عام 1968 بدعوى ان القناة دولية ولا يجب أن تترك للمصريين وفي فبراير 1952 بدأ الحفناوي نشر رسالته بالعربية، وصدر الجزء الأول منها بمباركة الملك فاروق شخصياً ومساندة الديوان الملكي، خاصة وأن د. حسين حسني كان السكرتير الخاص للملك وفي أغسطس 1952 بعد الثورة بشهر دعا البكباشى جمال عبدالناصر د. الحفناوي إلى مكتبه ودار بينهما نقاش طويل حول القناة، وفي نوفمبرمن نفس العام دعاعبدالناصر الحفناوي إلى نادي ضباط القوات المسلحة بحي الزمالك لالقاء محاضرة حول القناة، وطالب الحفناوي بتشكيل وزارة خاصة بالقناة تعمل على استعادتها من «الشركة العالمية» ثم تشكل مكتب خاص بالقناة في مجلس الشيوخ، ويتبع رئاسة مجلس الوزراء مباشرة.

وكان هو أبرز العاملين به، وكان المكتب يدرس كل ما يتعلق بالقناة، وفي نوفمبر عام 54 صدر قرار جمهوري بإعادة تشكيل مكتب القناة برئاسة د. حامد سلطان وعضوية محمد الغتيت ومصطفى الحفناوي وكان المكتب يتبع رئاسة الجمهورية ومهمته ''دراسة أوضاع القناة واحتمال تأميمها'' ثم كلف عبدالناصر ضابط المخابرات المسؤول عن منطقة القناة بجمع المعلومات عن شركة القناة وما يدور فيها،ودخلت مصر مفاوضات مع الشركة العالمية لزيادة دخل مصر من القناة ولزيادة عدد المصريين الذين يعملون مرشدين ورفضت الشركة وكان دخل القناة 35 مليون جنيه سنوياً نصيب مصر منها 3 ملايين وكان بالقناة 250 مرشداً بينهم 40 مصرياً فقط، وكان كل المسؤولين والمدراء بالقناة من الفرنسيين وهكذا اختمرت فكرةالتأميم في ذهن عبدالناصرلكنه كان ينتظرالتوقيت،وفي 24 يوليو 56 استقبل عبدالناصر د. الحفناوي وصارحه بأنه قرر تأميم القناة وطلب الحفناوي تأجيل القرار عدة شهور لحين تهيئة الرأي العام لتلك الخطوة، وعهد عبدالناصر إلى مكتب القناة بإعداد قرار التأميم، وطلب ناصر من الحفناوي ألا يتصل بأحد مطلقاً واحضر له مجموعة من الأشخاص في مجلس قيادة الثورة كي يشرح لهم قصة القناة بالكامل وكان من بينهم عبدالحكيم عامر، وفي اليوم التالي استدعاه عبدالناصر إلى مكتبه بمجلس القيادة وطلب منه ان يكتب الخطاب الذي سيلقيه مساء 26 يوليو، وأن يقوم بالصياغة النهائية لقرار التأميم وحين تشكل مجلس إدارة الهيئة عند اتمام عملية التأميم كان الحفناوي عضواً به ومستشاراً قانونياً للشركة المصرية وتولى كافة القضايا التي رفعت على مصر بعد التأميم في أوروبا..


الصدفة كانت وراء عشق (د. مصطفى الحفناوى) واهتمامه بموضوع قناة السويس، ففى عام 1946 وكان وقتها هو محامى (شركة قناطر إسنا) ودعته لزيارة لندن بالباخرة وكان هو المصرى الوحيد بين الركاب، وتصادف أن شاهد مواطنا إنجليزيا يتصدر المائدة في الصباح ويقص على المسافرين أمورا عن قناة السويس بلغة جارحة لمصر والمصريين وغضب الحفناوى وقال للرجل بهدوء: إن امتياز الشركة سينتهى في عام 1968 وبعدها تسترد مصر قناتها، وثار الرجل وشاركه في هياجه الأجانب الذين كانوا ينصتون لحديثه، وانسحب من المائدة من فرط الإهانة التي لحقت به حتى وصل إلى لندن !

و يقول الحفناوى: طلبت من أحد مرافقى أن يصحبنى إلى إكسفورد لمشترى الكتب، ولما سألنى أي لون من الكتب أريد؟ قلت: أريد أن اشترى كتابا عن قناة السويس! فإذا بالرجل يصطحبنى إلى دار من دور المحفوظات التاريخية كان موظفا فيها وهى خاصة بمحفوظات قديمة عن قناة السويس ويتردد عليها الباحثون، فما أن تصفحت أول ملف إلا وقد القى في قلبى أن الله تعالى هو الذي رتب كل هذا، وقررت فورا أن التحق بجامعة أوروبية لدراسة القانون الدولى دراسة متخصص يعد رسالة علمية عن قناة السويس ويدافع فيها عن بلاده.


وفى هذه الفترة اكتشف تفاصيل مؤامرة تدويل قناة السويس فيقول :
«فى سنة 1950 كنت مستشارا صحفيا بسفارة مصر في فرنسا، وعينت في هذه الوظيفة خصيصا لغرض واحد كان يعرفه سرا رجل واحد عاوننى في هذه المهمة،وهو الدكتور (محمد صلاح الدين) وزير الخارجية يومئذ الذي دبر معى هذه الحيلة وأنا مشغول بإعداد رسالتى لأتمكن تحت ستار دبلوماسى من الاتصال بشركة قناة السويس كى أنقب في ملفاتها، وفعلا نجح التدبير وفتح لى (شارل رو) رئيس مجلس إدارة الشركة بنفسه محفوظات الشركة في باريس متوهما أنى أعد كتابا عن القناة لمصلحة شركته الاستعمارية، وكشف لى عن أوراقه، وأوقفنى على فكرة التدويل وطلب قيام لجنة دولية تابعة للأمم المتحدة تحل محل الشركة قبل انتهاء أجل الامتياز وأطلعنى على المشروع... وتوجهت من فورى إلى السفارة وفى يدى تقرير بتفصيل ما دار بينى وبينه وعنوانه مؤامرة لتدويل القناة وطلبت من السفارة تحذير الحكومة المصرية وإرسال التقرير بالشفرة فورا إلى رئيس الحكومة وكان وقتها مصطفى النحاس باشا!!»

وقد فوجئ الحفناوى بموظفين من السفارة يستجوبانه: من الذي أذن لك بالتوجه إلى الشركة؟ وقالا إن التقرير سوف يسبب صداعا للسفارة وقد يسئ إلى العلاقات بين مصر وفرنسا.. ومع ذلك أرسل التقرير لكنه نام في ملفات الإهمال بوزارة الخارجية وبعد عامين بالضبط افتتحت شركة قناة السويس مكتبا لها في نيويورك بالقرب من الأمم المتحدة لكى تدرس لمصر في المجال الدولى وتقوم الشركة في صحف فرنسا وغيرها بنشاط فذ في الدعاية لمد امتياز شركة قناة السويس أو تأليف لجنة دولية لإدارة القناة ويكون لمصر فيها نصيب وفي 1954 وحسب ما كتبه الحفناوى في الجزء الرابع من موسوعته «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة» فإنه قد اجتمع بالوزير المفوض في مصر بدار المفوضية الذي أعرب له أن بلاده في مقدمة حكومات الغرب المعنية بالإدارة المشرفة على قناة السويس ومصير هذه الإدارة عند انتهاء أجل الالتزام في 16 نوفمبر سنة 1968 وأن الأربعة عشر عاما المتبقية من أجل الالتزام لا تكفى الحكومة المصرية لإعداد إدارة مصرية تقوم بإدارة الملاحة في القناة مستقبلا!

والحل أن تشكل قبل نهاية الامتياز لجنة دولية تحل محل شركة قناة السويس ونحن ـــ أي الوزير المفوض ننتظر أن تتقدم مصر بمحض إرادتها واختيارها تدعو الدول إلى اتفاق تعقده لتنظيم هذا الأمر، ورد الحفناوى عليه بأن هذا الكلام ليس جديدا، وأنه سبق «لشارل رو» أن عرضه عليه ووصفه بأنه الحل الوحيد وأضاف إليه اقتراحا أخر هو جلاء القوات البريطانية عن منطقة قناة السويس وحلول قوات دولية محلها تكون خاضعة لإشراف هيئة الأمم ووصف الحفناوى هذا الكلام بالكلام الفارغ وعاد ليشرح للوزير المفوض الرأى القانونى من حيث ملكية مصر للقناة والسيادة عليها وضرورة التفريق بين الملكية والوظيفة، لكن الوزير المفوض قال له: إن كل دولة تتنازل الآن عن قسط من سيادتها لخدمة المصالح العالمية، ونحن تنازلنا عن جانب من سيادتنا، وليس ثمة ما يمنع مصر من أن تتنازل عن قدر من سيادتها على القناة وكان رد د.الحفناوى بعد مناقشات طالت هو قوله: لا نجد إلا حلا واحدا وهو أن تدار القناة بمعرفة الحكومة المصرية ورفع الحفناوى تقريره إلى الحكومة بتاريخ 28 يونيه سنة 1954 الذي يقول فيه واصفا نوايا الغرب أقطع لسيادتكم بأنهم يبيتون شيئا يعدون له من الآن كان رئيس الحكومة وقتها هو «جمال عبدالناصر» الذي تولى رئاسة الوزراء في 17 أبريل 1954 عقب إعفاء اللواء «محمد نجيب» من هذا المنصب وبعد عامين بالضبط جاء قرار تأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956 الذي علق عليه الحفناوي بقوله :«إن هذا الإجراء التاريخى الذي اتخذه الرئيس جمال عبدالناصر لم يكن بالنسبة لى مفاجأة غير متوقعة، فأنا أعلم من سنوات مضت أن سيادته كان دائم البحث والتفكير في أمر شركة قناة السويس السابقة كقيد خطير من القيود التي فرضت على سيادة مصر، وأعلم أنه بعد بحث عميق للمشكلة أعد برنامجه ووضع خطته واختار الوقت الذي رآه مناسبا لتسديد ضربته المباغتة للاستعمار، ولن أنسى قط استدعاءه لى في مساء 23 من يوليو سنة 1956 وكنت في صميم الريف منصرفا للزراعة ليفض إلى نبأ قراره التاريخى، وكان الخبر وقتئذ محوطا بتكتم شديد..!!

مصطفى الحفناوى ..

قرر الحفناوي أن يواصل دراساته العليا بكلية الحقوق وان تكون قناة السويس ووضعها القانوني موضوعاً لدراسته، ولكنه اصطدم بعقبة لأن كل وثائق القناة كانت في مقر الشركة بباريس، أي أن القناة على أرض مصر والعمل داخل مصر، لكن إدارة الشركة وكل الأوراق والوثائق المتعلقة بها تنقل الى باريس والأوامر العليا المتعلقة بتشغيل القناة تصدر من باريس.

ولم يكن غريباً أن الرسائل العلمية عن القناة والتي أعدها مصريون كانت في فرنسا، مثل رسالة د. حسين حسني التي أجيزت من جامعة مونبيليه عن القناة عام 1933 ولم يكن بمقدور الحفناوي اقتصادياً ان يسافر الى باريس للبحث فلجأ الى وزير خارجية مصر في حكومة الوفد الأخيرة د. محمد صلاح الدين الذي أرسله الى باريس ليكون مستشاراً صحفياً بالسفارة المصرية هناك وكلفه بمهمة محددة هي عرض قضية استقلال مصر ومكنه ذلك من ان يدخل مقر الشركة العالمية لقناة السويس ويطالع وثائقها جيداً، واكتشف ان الشركة في عقد تأسيسها عام 1854 طبقاً لفرمان والي مصر محمد سعيد باشا الى ديليسبس هي شركة مساهمة مصرية خالصة وقد أخفت الشركة هذه الوثائق تماماً. وفي يوليو 1951 انتهى من إعداد رسالته ونوقشت في جامعة باريس، وانتهى في هذه الرسالة الى أن وظيفة القناة عالمية، تمر بها السفن من كافة أنحاء العالم، وطبقاً لاتفاقية القسطنطينية في عام 1888 فإن القناة يجب ان تكون محايدة ويرتبط بهذه العالمية أن القناة مصرية، على أرض مصرية، وحفرت بأيد مصرية وتحملت مصر وحدها كافة تكاليف الحفر، والوظيفة لا يترتب عليها تغيير صفة الملكية ولا أن تمس قوانين الدولة التي تقع فيها المنشأة الدولية وإدارة القناة يجب أن تكون مصرية، وقد أحدثت الرسالة رد فعل قوي في باريس وفي القاهرة. في القاهرة كانت القناة تمثل جرحاً غائراً، وفي مفاوضات معاهدة عام 36 حاول مصطفى النحاس فتح ملف القناة واستعادتها، لكن الانجليز رفضوا، وازداد القلق المصري بعد الوثائق التي كشفها الحفناوي وتثبت تخطيط الشركة لعدم تسليم القناة للمصريين بعد انتهاء الامتياز في عام 1968 بدعوى ان القناة دولية ولا يجب أن تترك للمصريين وأن العالم الحر هو المستفيد منها، وكانت الصحف الفرنسية والبريطانية وبعض الكتاب قد أثاروا بقلق مستقبل القناة، منذ أن وقعت مصر اتفاقية إلغاء الامتيازات الأجنبية في عام 1937 وفي فبراير 1952 بدأ الحفناوي نشر رسالته بالعربية، وصدر الجزء الأول منها بمباركة الملك فاروق شخصياً ومساندة الديوان الملكي، خاصة وأن د. حسين حسني كان السكرتير الخاص للملك.

وفي أغسطس عام ،1952 أي بعد أقل من شهر على خلع الملك فاروق دعا البكباشى جمال عبدالناصر د. الحفناوي الى مكتبه ودار بينهما نقاش طويل حول القناة، وفي نوفمبر من نفس العام دعا عبدالناصر الحفناوي الى نادي ضباط القوات المسلحة بحي الزمالك لالقاء محاضرة حول القناة، حضرها عدد من ضباط الحركة المباركة التي سيصبح اسمها فيما بعد ثورة يوليو وتحدث الحفناوي عما توصل اليه وطالب بتشكيل وزارة خاصة بالقناة تعمل على استعادتها من الشركة العالمية ثم تشكل مكتب خاص بالقناة في مجلس الشيوخ، ويتبع رئاسة مجلس الوزراء مباشرة.

وكان د. الحفناوي أبرز العاملين به، وكان المكتب يدرس كل ما يتعلق بالقناة، وفي نوفمبر عام 54 صدر قرار جمهوري بإعادة تشكيل مكتب القناة برئاسة د. حامد سلطان وعضوية محمد الغتيت ومصطفى الحفناوي وكان المكتب يتبع رئاسة الجمهورية ومهمته دراسة أوضاع القناة واحتمال تأميمها ثم كلف عبدالناصر ضابط المخابرات المسؤول عن منطقة القناة بجمع المعلومات عن شركة القناة وما يدور فيها، ودخلت مصر مفاوضات مع الشركة العالمية لزيادة دخل مصر من القناة ولزيادة عدد المصريين الذين يعملون مرشدين ورفضت الشركة بإصرار، وكان دخل القناة 35 مليون جنيه سنوياً نصيب مصر منها 3 ملايين وكان بالقناة 250 مرشداً بينهم 40 مصرياً فقط، وكان كل المسؤولين والمدراء بالقناة من الفرنسيين. وهكذا اختمرت فكرة التأميم في ذهن عبدالناصر، لكنه كان ينتظر التوقيت، وفي 24 يوليو 56 استقبل عبدالناصر د. الحفناوي وصارحه بأنه قرر تأميم القناة وطلب الحفناوي تأجيل القرار عدة شهور لحين تهيئة الرأي العام لتلك الخطوة، وعهد عبدالناصر الى مكتب القناة بإعداد قرار التأميم، ولأن أستاذ القانون ورئيس المكتب د. حلمي بهجت بدوي كان متغيباً في الخارج فقد تولى الأعضاء وضعه ومن أبرزهم الحفناوي نفسه ومحمد علي الغتيت والمستشار بدوي حمودة ممثلاً لمجلس الدولة والمستشار حسن نور الدين بوزارة الداخلية.

وطلب ناصر من الحفناوي ألا يتصل بأحد مطلقاً واحضر له مجموعة من الأشخاص في مجلس قيادة الثورة كي يشرح لهم قصة القناة بالكامل وكان من بينهم عبدالحكيم عامر، وفي اليوم التالي استدعاه عبدالناصر الى مكتبه بمجلس القيادة وطلب منه ان يكتب الخطاب الذي سيلقيه مساء 26 يوليو، وكان عبدالناصر يتفاءل بذلك اليوم ويلقي فيه خطاباً بالاسكندرية، باعتبار انه اليوم الذي غادر فيه الملك الأسكندرية، وطلب منه ايضاً ان يقوم بالصياغة النهائية لقرار التأميم.

وحين تشكل مجلس إدارة الهيئة عند اتمام عملية التأميم كان الحفناوي عضواً به ومستشاراً قانونياً للشركة المصرية وتولى كافة القضايا التي رفعت على مصر بعد التأميم في أوروبا، وكان قانونياً ومحامياً بارعاً، وارتبط اسمه بالقناة، وفي عام 1957 أصدرت هيئة القناة طبعة أنيقة من موسوعته عن القناة في خمسة مجلدات، ومن يومها لم تطبع ثانية حتى هذه اللحظة، ورغم أن له مجموعة أخرى من المؤلفات ولم يتوقف عن الكتابة ورغم تاريخه مع الحزب الوطني فإنه يذكر بكتابة عن القناة، ونسى الجميع كل إنجازاته سوى دوره في تأميم قناة السويس وأنه أول من نادى بهذه الفكرة...!!






إرسال تعليق

0 تعليقات