هكذا تم تدمير العراق
محمود جابر
يستخدم مايكل أوترمان و ريتشارد هيل وبول
ويلسون في كتابهم الشهير ( محو العراق: خطة متكاملة لاقتلاع عراق وزرع آخر )
مصطلح" إبادة المجتمع" الذي استخدمه لأول مرة كيت داوت في كتابه ( فهم
الشر: دروس من البوسنة ) والذي ينطبق على عراق ما بعد عام 2003 وهي الأسس التي
حددها كيت داوت لتحطيم الدولة مستعينا بتجربة يوغسلافيا سابقا التي تحولت الى ست
دول لاحقا ..
إنه السيناريو الذي تم وضعه في مراكز
الأبحاث الغربية بعد دراسة لطبيعة المجتمعات التي يراد تمزيقها وتفتيت الدولة التي
تعيش فيها مجاميع بشرية مختلفة منذ قرون من خلال تفجير الكراهية ، ولا يتم تدمير
البيوت فحسب بل هيبة المنزل أيضا . ولا يتم قتل النساء والأطفال فحسب بل المدينة
أيضا بطقوسها ومناهج حياتها، لا تتم مهاجمة مجموعة من الناس فحسب، بل تاريخها
وذاكرتها الجماعية، لا يتم هدم النظام الاجتماعي فحسب، بل ايضا المجتمع نفسه، يسمى
العنف في الحالة الأولى إبادة المنزل، وفي الثانية إبادة المدينة، وفي الثالثة
الإبادة الجماعية، الا أن من الضروري إدخال تعبير جديد محدث على الحالة الرابعة
وهو إبادة المجتمع في عراق ما بعد 2003: " حيث تم هدم كل قيم التضامن وعلاقات
الجوار والأحياء السكنية والمذاهب وبناء نظام الحواجز المادية والنفسية
والدينية،وسيطرة الارتيابية والخوف من الآخر ، والأخطر انقلاب المقاييس بحيث يصبح
الشاطر الماهر في الانحراف عن القيم ذكيا، والنبيل العفيف غبيا لأنه لا يشارك في
الوليمة العامة والنهب ويصبح اللص سوياً، والشريف منحرفاً .. وغيرها من التناقضات
التي تقلب منظومة القيم الأخلاقية والسياسية السوية لصالح نقيضها . كيف يحدث هذا؟
يقول كيت داوت: ( من خلال خطة منسقة لأعمال مختلفة تهدف الى تدمير الأسس الأساسية
للمجتمع ونتائجها باتجاه الوحشية. تتضمن تدمير: التضامن، الهوية، العائلة،
المؤسسات الاجتماعية، وعي الذات... لكي يصبح الارتياب وسوء النية التوجهين
السائدين لدى الناس). يعلق مؤلفو الكتاب الثلاثة مايكل اوترمان و ريتشارد هيل وبول
ويلسون على فقرات كتاب كيت داوت هذه بالقول : التدمير المقصود للعراق وشعبه الذي
قامت به الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها إبان حرب الخليج وحقبة العقوبات
الدولية وحرب الخليج الثانية وخاصة في ضوء غزو العراق في نيسان 2003 الذي حدث دون
تفويض أممي ، شكل محاولة إبادة اجتماعية ليس للشعب إنما للدولة العراقية رغم
التاريخ الطويل لهذه الدولة وتعايش مكوناتها ، لكن كيف تحقق ذلك خلال 14 عاما من
الحروب والدمار والإرهاب والنهب وتغيير القيم والمفاهيم والمعتقدات وحتى كثير من
سلوك الأفراد التي جعلت نزعات الانفصال لاتثير أي رد فعل غاضب من الحكومة والشعب
،،، ومصرع العشرات سواء بفعل الارهاب ام الحرب ضد القاعدة وداعش أمرا طبيعيا وكذلك
الرشوة والسرقة والاستيلاء غير الشرعي على أملاك الدولة وتدخل الدول الأجنبية
السافر بشؤون العراق واقتطاع أراضيه ومياهه وتشرد الملايين من مناطق النزاع وهجرة
أكثر من ثلاثة ملايين عراقي خارج الحدود كيف تحقق هذا في ظل الديمقراطية الأمريكية
في العراق ؟؟؟؟؟
يجيب الكتاب الثلاثة موضحين عملية تمزيق
الكيان العراقي : .
إن مشاعر الاغتراب واليأس والكآبة والقلق
والمشاعر السلبية هي ظاهرة سائدة بين الناس الذين تنقلب أسس حياتهم بصورة عاصفة،
ويشعر الناس الذين يعرفون بعضهم قبل سنوات انهم في الحقيقة غرباء عن بعض، ليس لأن
هؤلاء خدعوا بعضهم كما يلوح في السطح، بل لأن نظرة الجميع للحياة تغيرت تماما ،
والأسس الاجتماعية والثقافية والصحية والأخلاقية ، وروابط اللغة والتاريخ والقرابة
والصداقة قد حرثت، بل قلبت تماما، ولم يعد للناس ما يحكمون به على بعضهم بل على
أنفسهم الا بالحقد والخوف والنقص والكراهية، وهي أعراض تدمير البنية العضوية
للمجتمع وروابطه، وزعزعة الأساس الداخلي للإنسان ، وتحويله الى جيفة متنقلة، أو
الى مخلوق ساخط يعوي على قمر بعيد، ويتعرى سلوكاً ولغةً في الساحات والمنابر
العامة بوهم أنه تحرر من كل القيود السابقة سوف تنهك قواكم وانتم تتصارعون فيما
بينكم ويتهم كل مكون الآخر بالعمالة لتلك الجهة أو غيرها وتستنزف ثروات العراق ودم
الآلاف من أبنائه في حروب داخلية تمهد في مجملها لتمزيق الدولة والشعب العراقي
وهذا هو جوهر مشروع الشرق الأوسط الجديد..
0 تعليقات