آخر الأخبار

النظرية الإخبارية بين حجيّة الأئمة على القرآن وحجية القرآن على الأمة






النظرية الإخبارية بين حجيّة الأئمة على القرآن
وحجية القرآن على الأمة


عز الدين البغدادي

حجيّة القرآن أمر مفروغ منه عند علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، فهو خارج مجال النظر والجدل. إلا أنّ قوما من الإخباريّة ذهبوا إلى عدم حجيّة ظواهر القرآن، واعتمدوا على الأخبار فقط في تفسير القرآن وبيان معانيه ومقاصده، ورأوا أن أي تفسير لم يروَ عن الإمام فلا قيمه له ولا اعتبار.
وسبب قولهم بعدم حجية ظواهر القرآن هو أنّ كلام الله عز وجل أجلّ من أن يناله عقول البشر؛ لكونه مشتملا على المضامين العالية التي لا تصل إليها إلا أفهام الأوحدي من الناس.
وأيضا لأنّ تفسيره غير ممكن إلا ممن خوطبوا به ونزل في أبياتهم، وهم أهل البيت.
وقد رووا في ذلك أخبارا، منها ما روي عن أبي جعفر الباقر:... يا قتادة، إنّما يعرف القرآن من خوطب به.
وقال: ليس شي‏ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية ينزل أولها في شي‏ء، وأوسطها في شي‏ء، وآخرها في شي‏ء....
وممن اعتمد هذا الرأي السيد هاشم البحراني حيث بين ذلك في مقدمة تفسيره (وهو تفسير "البرهان في تفسير القرآن" وهو تفسير حشو، اعتمد فيه على روايات ندر أن يثبت منها شيء، وليس هذا غريبا فإن مؤلفه هو صاحب كتاب "مدينة المعاجز" وهو كتاب أكاذيب) وقال: فإذا عرفت ذلك فقد رأيت عكوف أهل الزمان على تفسير من لم يرووه عن أهل العصمة (سلام الله عليهم)، الذين نزل التنزيل والتأويل في بيوتهم، وأوتوا من العلم ما لم يؤته غيرهم، بل كان يجب التوقف حتى يأتي تأويله عنهم، لأن علم التنزيل والتأويل في أيديهم، فما جاء عنهم (عليهم السلام) فهو النور والهدى، وما جاء عن غيرهم فهو الظلمة والعمى...... ولا ريب أن محل ذلك من كتاب الله جل جلاله تحتاج معرفة إلى العلم به من أهل التنزيل والتأويل - وهم أهل البيت (عليهم السلام) - الذين علمهم الله سبحانه وتعالى، فلا ينبغي معرفة ذلك إلا منهم، ومن تعاطى معرفته من غيرهم ركب متن عمياء، وخبط خبط عشواء.
وينتج عن هذا الرأي أنّ القرآن لن تبقى له حجيّة، لأنّ حجيّته سترجع إلى حجيّة الأخبار والروايات وحسب.
إلا أنّ هذا الرأي غير صحيح لاعتبارات، هي:
أولا: إنّ الروايات التي ذكروها واعتمدوا فيها على هذه النظرية هي روايات غير صالحة للاستدلال إما من حيث سندها أو من حيث متنها.
ثانيا: إنّ هذا الرأي محجوج ومردود بإجماع الأماميّة أو تسالمهم على حجية ظواهر الكتاب، كما هو واضح من استدلاتهم، فضلا عن السيرة القطعية للمسلمين على اختلاف مذاهبهم في التعامل مع ظواهر القرآن والأخذ بها، وهو أمر بحكم الضروري بينهم.
ثالثا: إنّ آيات الكتاب الكريم، لها ظواهر كسائر الكلام بحيث يمكن أن يفهم وأن يحتج به، وقد قال عز وجل: ( ولَقَدْ يَسّرنا القُرآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر ) وفي الوقت نفسه أمر بالتدبّر، وقال:( أَفلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَمْ عَلى قُلُوب أَقْفالُها) كلّ هذا يعرب عن كون ظواهر الكتاب كسائر الظواهر، يمكن أن تتحقق منها الإفادة والاستفادة والاحتجاج والاستدلال.
رابعا: إنّ الأخذ بهاا يعطّل روايات عرض الأحاديث على القرآن، بحيث يقبل ما خالف منها، حيث روى ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: سألته عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به، قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (ص) وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به.
وقال أيضا: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة.....
لأنّ القرآن لن تكون له علويّة على الحديث، بل هما في عرض واحد، بل يكون أدنى منزلة من الحديث، لأنّ فهم القرآن لا يكون إلا بالحديث!!
ثمّ أنّ الرواية صدرت عن إمام وهي لا يمكن ردّها، بحسب ما هو موجود عندهم من عدم جواز ردّ رواية لاحتمال أن تكون صحيحة كما يصرحون بذلك ويذكرون في ذلك روايات. وبالتالي فلن يكون هناك إمكان لردّ الأحاديث التي تخالف القرآن، وهذا ما يجعل الأحاديث التي تقبل أكبر وأكثر عددا.
وهذا ما يبين لكم ضعف هذه النظرية وخللها، وأنها لا تقوم على أساس متين.




إرسال تعليق

0 تعليقات