الإمام علي صوت العدالة الإنسانية
بقلم /صالح حسب الله
في الأدب الوفير المدون حول
الأمام علي كرم الله وجهه الممتد وغير المنقطع من الأزمنة القديمة والحديثة، يبرز
في هذا الأدب ويتميز كتاب الأديب اللبناني المسيحي جورج جرداق (1913-2014 م ) الموسوم بعنوان
(الإمام علي صوت العدالة الإنسانية)، المكون من خمسة أجزاء الصادر بين أواخر
الخمسينيات ومطلع ستينيات القرن العشرين، وضم لهذا المؤلف لاحقا كتاباً عدَّد
جزاءاً سادسا بعنوان ( روائع البلاغة).
ومن المؤكد لو صدرت هذه
الموسوعة من مسلم شيعي لكان الأمر عادياً وطبيعياً، وحصل هذا الأمر وما زال
يحدث!وكذا الحال لو صدرت هذه الموسوعة من مسلم سني! لكن أن تصدر من مسيحي بهذا
المستوي الكمي والكيفي فهذا الأمر لابد أن يكون وراءه سر، ويبرز هذا الكتاب يتميز
من جهات عدة، يأتي في مقدمتها أن مؤلفه طرق أبوابا جديدة لم يسبقه إليها أحد
تقريبا لا قبله ولا بعده، خارجا بذلك عن النسق المألوف، متخطياً ما كان سائداً،
فلم يسبقه أحد آنذاك في الحديث عن قضايا من قبيل العلاقة بين الأمام وحقوق
الإنسان، والعلاقة بين الأمام والثورة الفرنسية، وكذلك العلاقة مع الفيلسوف
اليوناني الشهير سقراط .
ويبرز هذا الكتاب ويتميز كذلك،
كونه قدم الإسهام الأبرز في دفع مكانة الإمام شخصاً وفكراً وعدلاً وأخلاقا إلي
الجهة الإنسانية، وقد جرداق علي الخطوة منطلقاً من قناعة راسخة أن الأمام ليس
للشيعية فحسب ولا للمسلمين أو المسحيين، إنما هو للإنسانية كافة، وليس لعصر من
العصور الإنسانية فحسب وإنما لكل العصور الممتدة من الأزمنة القديمة إلي هذه
الأزمنة الحديثة وما بعدها .
فالإمام عند جرداق هو عملاق
الضمير الإنساني، وعده من العبقريات الكبرى في التاريخ، ومن آباء الإنسانية
الكبرى، وصوت العدالة الإنسانية التسمية القوية التي اختارها عنواناً لكتابه
الكبير.
وقد قال الكاتب المصري إحسان
توفيق قائلاً إن " في هذا الكتاب تبدوا شخصية علي بن أبي طالب غير الشخصية
التي ألفنا معرفتها عن طريق جميع الذين درسوا عليّاً من القدماء والمعاصرين"
وأحب جرداق الإمام علي حباً
سكن قلبه ولازم عقله، مكوّناً معرفة واسعة عنه، شملت سيرته ومناقبه وأدبه ونصوصه،
وقال في الإمام علي كرم الله وجهه قول العارف والمحب والعاشق فهو القائل : "
وليس في سيرة العظماء واحدة كسيرة ابن أبي طالب تحرك المشاعر، وتوقظ الأحاسيس
الحية، في كيان من يتعرض لها بدرس أو بحث"
وبعد أن تتبع جرداق المبادئ
السبعة عشر لوثيقة حقوق الإنسان الفرنسية متبوعة كل منها بما أعطاه الإمام من أصول
توافها في المعني، وفي نصوص ترادفها أو تماشيها في الغاية، بعد هذا التتبع خلص
جرداق إلي نتيجة مهمة قررها قائلا: " واخالك قد أدركت ووعيت أن هذه المبادئ
التي عاشها أدباء الإنسانية، ولم تأخذ صيغتها القريبة من الكمال إلا في عقول أدباء
الثورة الكبرى وفي قلوبهم، إنما هي مبادئ فكر بها منذ أربعة عشر قرنا، عملاق العقل
العربي علي بن أبي طالب، وصاغها صريحة تعلن عن ذاتها جوهرا في كل حين، ونصا وجوهرا
في أكثر الأحيان! وأن في هذا الواقع ما يبرز لنا قيمة ابن أبي طالب بمقاييس العظمة
الحقيقية، عظمة الإنسان الذي يفكر عميقاً، ويعمل صادقاً، ويحيا خيراً، ويموت
شهيداً، في كل حالاته آثاراً إن أجريتها علي محك العقل شمخت وتعاليت، وإن أجريت
عليها مقاييس الحنان الإنساني انتفضت وعاشت".
فالوثيقة الدولية لإعلان حقوق
الإنسان وضعها ألوف المفكرين ينتمون لمعظم دول الأرض أو لها جميعاً، فيما وضع
الدستور العلوي عبقري واحد هو علي بن أبي طالب. بل أن الأمام علي يسبق واضعي هذه
الوثيقة ببضعة عشر قرناً. وأن واضعي هذه الوثيقة أو جامعي شرطها قد ملئوا الدنيا
عجيجا فارغا حول ما صنعوا وما يصنعونه، وأكثروا من الدعوة لأنفسهم علي صورة ينفر
منها الصدق والذوق، وأزعجوا الإنسانية بمظاهر غرورهم، فيما تواضع الأمام علي للناس
و رب العالمين فلم يستعلي ولم يستكبر بل رجا الله والناس أن يغفروا له مت عمل وما
لم يعمل.وأخيرا إن معظم هذه الدول المتحدة التي أسهمت في وضع وثيقة حقوق الإنسان،
واعترفت بها، هي التي تسلب الإنسان حقوقه، فينشر جنودها في كل ميدان تمزيقا لهذه
الوثيقة وهدراً لهذه الحقوق، فيما مزق الأمام علي بن أبي طالب صور الاستبداد
والاستئثار حيث حطّت قدمه، وحيث سُمع له قول، ثم قضي شهيد الدفاع عن حقوق الأفراد
والجماعات بعد أن استشهد في حياته ألف مرة.
0 تعليقات