المختار الثقفي فى السيرة والتاريخ (8)
المختار الثقفي في الميزان
الدرائي:
عرضنا ما يمكن عرضه في هذه
السلسلة من التأملات في سيرة المختار وتاريخه السياسي، ولم تكن بالنية عرض
التفصيلات والجزئيات التي رافقت سيرته في الإطاحة بابن مطيع ولا سياسته مع الرعية
والمشاكل التي دخل بها مع دولة آل أمية ودولة آل الزبير التي كانت نهايته على أيديها
لعدم الحاجة، وها نحن نقترب من نهاية هذه التأملات وقد وصلت النوبة إلى البحث
الدرائي...
جرت عادة غير واحد من العلماء
في البحث الروائي وتقييم الروايات ومعرفة صحيحها من سقيمها النظر أولا إلى السند
وعلى وفق الإسناد يتم تقيم الرواة ولهذا المسلك مباني عدة بينهم، ومن ثم الوصول
للبحث المتني وهكذا،
- وهنا سوف اقتصر على البحث
الدرائي المتني ولم انظر للأسانيد بما أمكن إلا اللهم للضرورة فيما لو اقتضت،
- ولسوف ننظر في الروايات
المادحة فان تمت فبها ونعمت وحينذ ننتقل للروايات الذامة،
نعم : إن سقطت روايات المدح من
الاعتبار فلا حاجة بعد في البحث عن ورايات الذم إلا من باب تحصيل الحاصل،
1- الرواية الأولى : وما يمكن أن
يستشهد بها على المدح،
ما ذكره الكشي (59) عن أبي عبد
الله (ع) قال : ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت، حتى بعث إلينا المختار برؤوس
الذين قتلوا الحسين (ع) . وهذه الرواية صحيحة . على منهج المحقق السيد
الخوئي،
وفيه : لا دلالة لهذه الرواية
على المدح بحال من الأحوال فهي رواية إخبارية أو خبرية لما آلت إليه العائلة
العلوية بعد أن تم الاقتصاص من قتلت الإمام الحسين(ع) ولم تدل على أكثر من هذا
المعنى، فلاحظ وتأمل،
2- الرواية الثانية : ما ذكره
الكشي أيضا، عن أبي جعفر ( ع ) قال : لا تسبوا المختار ، فإنه قتل قتلتنا ، وطلب
بثأرنا ، وزوج أراملنا ، وقسم فينا المال على العسرة،
وفيه بصرف النظر عن المشكلة
السندية لهذه الرواية،
فعلى ما يبدو لي لو صح السند أن
قصة سب المختار كان شائعا في تلك الفترة، ولا يعلم ما هو سبب ومنشأ هذا السب وعلى الأكثر
هو من ثقافات الخصوم في التعامل مع أندادهم
وكيفما كان : إن النهي عن السب
لا يلازم المدح وقد ورد في الخبر العامي بأن أمير المؤمنين(ع) نهى جيشه أن يسبوا أهل
الشام وهذا النهي لا يعني مدحهم بحال من الأحوال حسب حدود فهمي ومقتصيات العرف،
وقد يقال إن سبه بالعنوان الأولي
جائز لاعتبارات نوهنا عنها في التأملات ولكن بعد الأخذ بالثأر الذي افرح أهل
البيت(ع) وهو من الأخبار السارة على قلوبهم أكيدا حرم الإمام سبه بالعنوان
الثانوي، خاصة وان الإمام لا يرغب والانسياق خلف ثقافة الخصوم بالسب والله العالم،
- ومما ذكره السيد الخوئي في
ترجمة المختار في كتابه ( معجم رجال الحديث ج : 19 / 102)
وعن عمر بن علي بن الحسين : إن
علي بن الحسين (ع) لما أتي برأس عبيد الله بن زياد، ورأس عمر بن سعد ، قال : فخرّ
ساجداً وقال : الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي ، وجزى الله المختار خيرا،
وفيه : إذا كنا نحن والفهم
العرفي وهذه الرواية التي ورد فيها وجزى الله المختار خيرا؛ فهو دعاء لجميل صنيعة
على أخذ الثار وهي تقال تبعا لوجوب شكر المحسن وبخلافه فهو لا يناسب المروة، ولا
يعني هذا الدعاء أكثر مما ذكرنا،
ولدينا شواهد تاريخية على مثل
هذه الأدعية لإفراد عرفوا بعدم التدين وعدم الورع ولكن لهم مواقف يشكرون عليها
والأمثلة العرفية خير شاهد
بالوجدان،في بعض الروايات مفردة الترحم على المختار وقد يحصل خلط بين الترحم
والرضا نتيجة تقارب المعاني غير انه لا ملازمة في البين،
إذ أن التاريخ والأخبار والأحاديث
ذكرت الثورات العلوية وقادتها من آل الحسن(ع) في عهد المعصوم (ع)
ومعلوم أن جملة معتد بها من آل
الحسن هم زيدية والقدر المتيقن هم ليسوا على طريق المعصوم(ع)
ومع أن ثوراتهم انتهت فجائع من
تحذيرات الأئمة(ع) لقادة هذه الثورات ومآلاتها ونتائجها لم يبخل المعصوم (ع) من إظهار
التعاطف والتأسف بل والترحم عليهم،
وهذا ما لاحظناه بوضوح في قصة
عبد الله المحض مع الإمام الصادق(ع) التي ذكرنها في هذه السلسلة مع انه المحض لم
يكن مسايرا وموافقا لطريقة أهل البيت(ع) وقد وجه للإمام الصادق(ع) كلمة قاسية إلا أن
الإمام نصحه بما لا مزيد تبعا لأخلاقيات النبوة وهدى الكتاب،
بل هناك قصص أخرى تعامل
الحسنيين مع الإمام الصادق(ع) بما لا استطيع تفصيلها هنا وعلى هذه العجالة
كما نص عليها الأصفهاني في
مقاتله ومع أن الرجل واعني به أبو الفرج الأصفهاني عثماني الهوى زيدي الانتماء
ولكنه بالتالي وثق القصص التي لا تناسب مقام المعصوم وكيفية تعامل معه قادة البيت
الحسني !
وكل هذه المسائل وغيرها لم
يترك الإمام الصادق(ع) الترحم على أبناء عمومته وهذا الترحم بالتالي لا يعطي نتيجة
حسن حالهم ولا صحة عقائدهم فتنبه !
0 تعليقات