الإمام زين العابدين القائد الفكري لخط الوعي الجديد
(1)
علاء الموسوي الوسطى
بعد أن حصلت الانتكاسة المريعة
في الضمير الإنساني للبشرية وأقدمت على أفظع جريمة يمكن ان ترتكبها في لحظة انعدام
القيم والمبادئ وهتك حجب الشرف والغيرة ونشوب حميات الجاهلية وسلطنة الهوى
والشهوات تسنم الإمام زين العابدين عهد الله وميثاقه الذي وكده وهو إمامة الأمة
وخلافة النبي فكان لزاماً عليه في هذه الفترة الحرجة من التاريخ ان يعيد الأمة
لوعيها ويوقظها من سباتها ويعيد بريق الإسلام الناصع الذي عمل بنو أمية جهدهم في
تحطيمه وإطفاء جذوته فتمحور عمله في محاور:
أوّلا : مجال القرآن والحديث
امتدت فترة إمامة الإمام
السجاد عليه السلام من سنة ( ٦١ ـ ٩٥ ) مدّة الثلث الأخير من القرن الأول والقرن
الأول بالذات هو فترة المنع الحكومي من رواية الحديث ونقله وكتابته وتدوينه ، قبل
أن يرفع هذا المنع بقرار من قبل الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز في السنة الأخيرة
من القرن الأول أو الأولى من الثاني أي أن المنع دام حوالي 85 حتى أن الخليفة
الثاني كان أكثر تشدداً على من كتب شيئا من الحديث أو نقله ورواه ، بحيث استعمل كل
أساليب القمع من أجل الوقوف دون تسرّب شيء منه ، فحبس جمعا من الصحابة من أجل
روايتهم الحديث ، وهدّد آخرين بالضرب والنفي ، وأحرق مجموعة من الكتب التي جمعت
حديث رسول (الله صلى الله عليه وآله وسلم) وقال مشناة كمشناة أهل الكتاب,
والتزم الحكّام بعده سياسته في منع تدوين الحديث وروايته وخصوصاً بني أمية الذي
صرح كبيرهم أبو سفيان وبعده ابنه معاوية ابن أكلة الأكباد بقوله:(دفناً دفنا)
وظلّت هذه السياسة سارية المفعول ، ولقد قاوم أئمة أهل البيت عليهم السلام
وأتباعهم هذه السياسة المخرّبة ضدّ أهمّ مصادر الفكر الإسلامي ، فكانوا الى جانب
كتابتهم للحديث ، وإيداعه المؤلّفات يبادرون بحزم الى رواية الحديث ونشره وبثّه،
على طول تلك الفترة فكان يطبق السنة ويدعو الى تطبيقها ويندد بمن يستهزئ بالحديث
وقد رويت عن الإمام السجاد عليه السلام مجموعة كبيرة من الأحاديث وفيها ما يسترشد
به المسلم ، ويعرف من خلاله مصالحه ، ويحدّد واجباته ، ويدفع عنه اليأس ، مثل
روايته عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:« انتظار الفرج عبادة ».
وأما بخصوص القرآن: فهو الوحي
الإلهي المباشر ، والمصدر الأساسي المقدّس والذي اتفقت كلمة المسلمين على حجيته
فهو الحجّة عند الجميع لا يخالف احد في ذلك ولذلك كانت دعوة أهل البيت عليهم
السلام إلى الالتزام به ، والاسترشاد به وقراءته والحفاظ عليه ، دعوة صريحة خصوصاً
في فترة الحكم الأموي الذي أتى على بنيان الإسلام بقتل العلماء والمفسرين والصحابة
مثل سعيد بن جبير ، ويحيى بن أم الطويل ، وميثم التمار ، وغيرهم من الشهداء
ليقوضوا بناء الإسلام وقد قام الإمام زين العابدين عليه السلام بجهود كبيرة في
هذا المجال فورد عنه أنه قال : عليك القرآن ، فإن الله خلق الجنة بيده ، لبنة من
ذهب ولبنة من فضّة ، وجعل ملاطها المسك ، وترابها الزعفران ، وحصاها اللؤلؤ ، وجعل
درجاتها على قدر آيات القرآن ، فمن قرأ منها قال له: اقرأ وارق ومن دخل الجنة لم
يكن في الجنة أعلى درجة منه ، ما خلا النبيين والصديقين.
وعن الزهري قال : سمعت علي بن
الحسين عليه السلام يقول : آيات القرآن خزائن العلم. فكلما فتحت خزانة ينبغي لك
أن تنظر ما فيها وقال عليه السلام : من ختم القرآن بمكّة لم يمت حتّى يرى رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ويرى منزله في الجنة. وكان يعبّر عن كفاية
القرآن ، بتعاليمه الروحانية القيّمة ، بكونه مؤنسا للإنسان المسلم ، يعني : أنّ
الوحشة إنّما هي بالابتعاد عن هذه التعاليم حتى لو عاش الإنسان بين الناس ، فكان
يقول : لو مات مَنْ ما بين المشرق والمغرب ما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي.
تتبعها الحلقة الثانية.
0 تعليقات