المختار الثقفي السيرة والمسيرة (4)
على فخري العابدي
( المختار الثقفي أول من بايع
سفير الإمام الحسين مسلم بن عقيل وأعلن النصرة وأكرمه في داره )..
اختار الإمام الحسين عليه
السلام ثقته وابن عمه مسلم ابن عقيل ليكون سفيره إلى الكوفة لأخذ البيعة منهم والإعلان
عن نهضته الكبرى على الحكم الأموي الفاسد والظالم المتمثل بيزيد بن معاوية وكان
اختيار الإمام لمسلم لما يمتلكه من مؤهلات معروفة في المجتمع الكوفي بصورة خاصة
ورسالة الإمام إلى أهل الكوفة شاهد على مكانة مسلم
( وأنا باعث إليكم بأخي وابن
عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم ابن عقيل) (1 )
ويمكن هنا أن نطرح سؤال؟ لماذا
نزل مسلم في دار المختار الثقفي عندما اقبل إلى الكوفة ولم ينزل في بيوتات عرفت
بالولاء المطلق للأمام الحسين وهل نزوله بدار المختار بعلم وتوجيه من الإمام الحسين؟
في النظرة المنطقية والموضوعية
بل والشرعية توجب على مسلم الطاعة والإخلاص لإمامه الحسين في أي حركة وخطوة يخطيها
خاصة إذا كانت في بداياتها وأعتقد أن إقبال مسلم إلى الكوفة ونزوله في دار المختار
هو بأمر من الإمام ويمكن ان نستنتج عدة أمور منها:
-
ان الإمام الحسين قد رسم خارطة
طريق دقيقة لحركة مسلم في الكوفة وهو سلام الله عليه الإمام العارف بأحوال الناس
وتقلباتهم عبر الأحداث التي عاش محنتها مع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ومحنته
مع أخيه الإمام الحسن وما عانوه من المرجفين المشككين تارة ومن المنافقين تارة
أخرى إلا القلة القليلة التي عصمها الله من الرياء والنفاق والتوفيق لطاعة أمامهم
المفترض الطاعة .
-
ويمكن القول ان الإمام قد أعطى
صلاحيات لسفيره مسلم لاي أمر طارئ يحدث لأنه الأعلم بالمجتمع الكوفي المنقسم إلى فئات
منهم الأموي الهوى ومنهم الخوارج ومنهم المرجفين من الشيعة وقلة من الثابتين
واختيار الإمام لمسلم ان ينزل في دار المختار ويطلب منه البيعة والنصرة لها دلالات
منها إيمان المختار بولايته لأهل البيت وطاعته والتسليم لأمر الإمام مضافا لشجاعته
وإخلاصه وهمته في طلب النهضة والثورة الحسينية والوقوف بثبات مع أمامه.
خرج مسلم مع ثلاثة من وجوه
الشيعة وأبطالهم إلى الكوفة وهم: قيس بن مسهر الصيداوي, وعمارة بن عبد الله
السلولي, وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي, وكانوا قد جاءوا بالرسائل إلى الإمام
الحسين فعادوا مع مسلم ولما وصل مسلم إلى الكوفة نزل في دار المختار بن أبي عبيد
الثقفي حسب وصية الإمام حيث كان من كبار الشيعة ومن أوثق الشخصيات في الكوفة
فتوافد عليه الناس فقرأ عليهم كتاب الإمام الحسين فكان أول المبايعين هو و عابس بن
شبيب الشاكري الذي تقدم الناس ووقف بين يدي مسلم وقال:
(إني لا أخبرك عن الناس ولا
أعلم ما في نفوسهم وما أغرك منهم ووالله إني أحدثك عما أنا موطن نفسي عليه والله
لأجيبنكم إذا دعوتم ولأقاتلن معكم عدوكم ولأضربن بسيفي دونكم حتى ألقى الله لا
أريد بذلك إلا ما عند الله)
كان عابس من رجال الشيعة
الكبار وقد اجتمعت فيه خصال نادرة وصفات عظيمة قلما تجتمع عند رجل. كان رئيساً
شجاعاً ناسكاً متهجداً وكان من رجال البيعة للإمام الحسين ومن رجال ثورته العظيمة
وكانت فراسته ووعيه ينبئانه بتلك النفوس الخائنة التي انقلبت على مسلم بن عقيل
بمجرد دخول ابن زياد واستعماله معها أساليب الترهيب والترغيب فقال لمسلم هذا القول
معرباً عن نيته وولائه الخالص لأهل البيت (عليهم السلام) ولمّح بهذا القول الموجز
عن نوايا القوم الدنيئة بالغدر، كما فسّر موقفه الصريح من نصرته للحسين.(2)
ويعرف عن المختار انه من كبار
الشيعة وحارب السلطة الأموية منذ مطلعها على يد معاوية وسلك طريقاً شاقاً محفوفاً
بالمخاطر والأهوال في حربه لها، وكان من أشد المعارضين لسياستها الظالمة وتسلطها
على رقاب المسلمين كما كان من الدعاة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) في الكوفة،
وقد نزل مسلم بن عقيل في داره عند قدومه إلى الكوفة، وكان المختار يدعو لمسلم ووقف
إلى جانبه ودعا الناس إلى الالتحاق بالحسين ونصرته، وتعرض بسبب مواقفه هذه إلى
السجون والتعذيب.
ونقول كما يقول أي عاقل ألا
يكفي دليلاً على إيمان المختار وولائه لأهل البيت أن يستقبل سفير الحسين مسلم بن
عقيل في ذلك الجو الحالك وشيوع سياسة القتل والبطش والتنكيل والسجون والتعذيب
بالشيعة، وحتى بمن يُتهم بالتشيّع.
في تلك الأجواء المرعبة كانت
دار المختار مفتوحة لمسلم بن عقيل وللشيعة الذين تقاطروا عليه يبايعونه، وكان
المختار يدعو الناس إلى بيعة الحسين يقول السيد هاشم معروف الحسني في كتابه
(الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ) (ص448): (إن الدافع الرئيسي لنزول مسلم بن عقيل
ضيفاً على المختار هو ولاؤه الأكيد، وعمله الدؤوب الصامت في سبيل انتقال السلطة
إليهم، بالإضافة إلى ما اشتهر به من الكياسة وبعد النظر والمقدرة الفائقة على شؤون
الثورة بحزم وروية).
وأصبحت دار المختار في ذلك
الوقت المشحون بالإرهاب الأموي مقراً للمعارضة الأموية وملجأ لشيعة أهل البيت، ومضت
الوفود تتوالى على دار المختار في الكوفة لمبايعة رسول الحسين على الثورة مما أثار
حفيظة بعض الأمويين فكتبوا إلى يزيد لإيقاف هذا المد الشيعي، وحينما تولى ابن زياد
الكوفة اعتقل المختار ولم يخرج من السجن إلا بعد أن استشهد الإمام الحسين (عليه
السلام)، قال اليعقوبي في الجزء الثاني من تاريخه: (إن المختار قد جمع جماعة من
الشيعة واتجه بهم قاصداً نصرة الحسين فأخذته الشرطة التي كلفها ابن زياد بملاحقة
الخارجين لنصرة الحسين فاعتقلته الشرطة، وحينما أدخلوه على ابن مرجانة تناول
قضيباً وانهال به يضربه على وجهه ورأسه فأصاب عينه وشترها، ثم ألقاه في السجن مع
من اعتقلهم من الشيعة).
وبقي المختار في السجن لفترة
من الزمن، ولما علمت أخته صفية زوجة عبد الله بن عمر بخبره طلبت من زوجها أن يتدخل
ويطلب من يزيد إطلاق سراحه، فكتب إلى يزيد في ذلك فاستجاب يزيد لطلبه فكتب لابن
زياد بإطلاق سراحه، فأطلقه على مضض وأمره بأن يغادر العراق خلال ثلاثة أيام وإن
وجده بعدها ضرب عنقه.
فهل يستطيع أحد أن ينكر هذه
المواقف المشرفة العظيمة لكن العجيب ممن يضع كل هذه المواقف جانباً ويبني من موقف
واحد مشكوك فيه على المختار يتّخذه ذريعة للطعن فيه والمؤاخذة عليه فقد أخذ عنه
البعض موقفه السلبي مع الإمام الحسن (عليه السلام) حينما صالح معاوية وقالوا بأنه
خاطبه بكلام فيه بعض القسوة ولو افترضنا صحة الرواية في ذلك فإن ذلك ليس مما يؤاخذ
عليه إلى درجة الطعن فيه، فقد وقف هذا الموقف كبار رجال الشيعة أمثال حجر بن عدي
الكندي، وسليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجية ورفاعة بن شداد وأمثالهم وهذه
المواقف لا تتعارض مع تشيّعهم وولائهم لأهل البيت وموقف المختار كان مثل موقفهم
وقد صدر من محب أسرف في العتاب وهو ليس بمعصوم .
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
-----
الهوامش
1_ الكامل في التاريخ ابن
الاثير ج4 ص46
2_ تاريخ الطبري ج 4 ص 275
0 تعليقات