المختار الثقفي وشرعية القيام على السلطة اليزيدية (5)
على فخرى العابدي
انقسم أمر المختار الثقفي في
إعلانه الثورة على السلطة اليزيدية الأموية والطلب بالثائر من قتلة الإمام الحسين
عليه السلام إلى طائفتين والمقصود هنا بطبيعة الحال المفكرين والمحققين في التاريخ
الإسلامي من الإمامية لا الطرف الآخر الذي يؤمن بالقاعدة التي أسس لها النهج
الأموي بعدم الخروج على الحاكم الظالم وان كان فاسقا وفاجرا وظالما للرعية وان بدل
سنة واحل حرام الله وحرم حلال الله وتعدى حدود الله.
فمنهم من ذهب إلى الرأي الذي
يقول بشرعية ثورة المختار وطائفة أخرى ذهبت بعدم الإقرار بشرعية الثورة... وعند
البحث في مقدمات الثورة وأهدافها وشعارها ومخرجاتها والتي سنتناولها في حلقة خاصة
بإذن الله سنجد أنها ثورة مباركة هزت السلطة الأموية وأربكتها وفتحت الباب لثورات
متعاقبة معارضة للنهج الأموي الفاسد والمهم بالموضوع هو الخوض بشرعية ثورة المختار
وهل كانت برضا من الإمام المعصوم السجاد علنا أو سرا أم لا.
يقول جعفر بن نما: رويت عن
والدي أنّ محمد بن الحنفية قال لوفد أهل الكوفة الذين جاءوا يستوثقون منه أنّ
المختار مرضيّ منهم ومبعوث من قبلهم : قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم علي بن الحسين.
فلمّا دخل ودخلوا عليه أخبر خبرهم الذي جاءوا لأجله فقال (عليه السلام): «يا عم لو
أنّ عبداً زنجيّاً تعقب لنا أهل البيت لوجب على الناس مؤازرته، وقد وليّتك هذا الأمر
فاصنع ما شئت». فخرجوا وقد سمعوا كلامه وهم يقولون: أذن لنا زين العابدين ومحمد
ابن الحنفية.
وكان المختار علم بخروجهم إلى
محمد بن الحنفية، وكان يريد النهوض بجماعة الشيعة قبل قدومهم، فلمّا تهيّأ ذلك له
وكان يقول: إنّ نفيراً منكم تحيّروا وارتابوا، فإن هم أصابوا أقبلوا وأنابوا، وإن
هم كبوا وهابوا واعترضوا وانجابوا فقد خسروا وخابوا. فدخل القادمون من عند محمد بن
الحنفية فقال ما وراءكم فقد فتنتم وارتبتم فقالوا: قد اُمرنا بنصرتك. فقال: أنا
أبو إسحاق اجمعوا إليّ الشيعة. فجمع من كان قريباً فقال: يا معشر الشيعة إنّ نفراً
أحبّوا أن يعلموا صدق ما جئت به فخرجوا إلى إمام الهدى والنجيب المرتضى وابن
المصطفى المجتبى - يعني زين العابدين (عليه السلام) - فعرَّفهم أنّي ظهره ورسوله
وأمركم باتّباعي وطاعتي .( بحار الأنوار ج45ص365)
ومن نقاط القوى التي يمتاز بها
المختار والتي تدعم شرعيته من الثورة هو رضا أهل البيت عليه ومدحه في أكثر من
مناسبة فهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كيف وصف المختار بالكياسة
عندما جاء به ابيه ابو عبيدة إلى أمير المؤمنين وهو صغير.
فعن الاصبغ قال: رأيت المختار
على فخذ أمير المؤمنين وهو يمسح رأسه ويقول : «ياكيّس ياكيّس (بحار الأنوار ج 45
ص344).
وهذا الكلام من أمير المؤمنين
بحق المختار بوصفه بالكياسة وهي الحكمة والفطنة والرأي السديد الصائب تبعده من
الخطأ في قيامه بالثورة بدون حجة شرعية ويمكن القول ان حادثة المختار هي من
الغيبيات التي صرح بها أمير المؤمنين لصاحبه الجليل ميثم التمار رضوان الله عليه والثابت
في الرواية.
انه لما قتل مٍسلم القي القبض
على المختار واودع السجن وكان معه في السجن ميثم التمار الذي حدّثه بما سيكون منه
في مستقبل عمره من قتل المجرمين من قتلة الحسين (عليه السلام) والأخذ بثأره وقال
اي ميثم هذا ما علمنيه مولاي أمير المؤمنين وتشفّع عبد الله بن عمر لإخراج المختار
من السجن وكان عبد الله زوجاً لاُخت المختار ، فُقبِلَت شفاعته واُخرج من السجن.
وكان المختار يعلم منزلة ميثم
التمار من أمير المؤمنين وهو العالم بعلم المنايا بما علمه الإمام فسلم وصدق لميثم
وجعلته يؤمن إيمانا صادقا أنّه الآخذ بثأر الحسين (عليه السلام) فكان يصرّح بذلك
ويتحدّث به أمام الناس بعد مقتل الحسين (عليه السلام) ، حتى وصل خبره إلى مسامع
الحجّاج والي الاُمويين على العراق فأخذه وحبسه وحاول قتله مراراً ولكنه لم يستطع
لذلك سبيلاً. وكان الإمام السجّاد يتحدّث بذلك لخواصّه. فسألوه مرّة: يا ابن رسول
الله إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ذكر من أمر المختار ولم يقل متى يكون قتله
لمن يقتل فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : «صدق أمير المؤمنين أولا اُخبركم متى
يكون قالوا: بلى. قال: «يوم كذا إلى ثلاث سنين من قولي هذا. وسيؤتى برأس عبيد الله
بن زياد وشمر بن ذي الجوشن في يوم كذا وكذا وسنأكل وهما بين أيدينا ننظر إليهما.
قال: فلمّا كان اليوم الذي
أخبرهم أنّه يكون فيه القتل من المختار لأصحاب بني اُمية كان علي بن الحسين (عليه
السلام) مع أصحابه على مائدة إذ قال لهم: «معاشر إخواننا طيبوا أنفسكم ، فإنّكم
تأكلون وظلمة بني اُمية يُحصدون.
قالوا: أين؟ قال: في موضع كذا
يقتلهم المختار وسيؤتى برأسين يوم كذا وكذا.
فلمّا كان في ذلك اليوم اُتي
بالرأسين لمّا أراد أن يقعد للأكل، وقد فرغ من صلاته. فلمّا رآهما سجد وقال:
«الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني». فجعل يأكل وينظر إليهما. فلمّا كان في وقت
الحلوى لم يأت بالحلوى لأنّهم كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين. فقال ندماؤه:
ولم يُعمل اليوم الحلوى؟ فقال علي بن الحسين (عليه السلام): «لا نريد حلوى أحلى من
نظرنا إلى هذين الرأسين ( بحار الأنوار 45/342)
ويمكن التعليق على هذه الرواية
ان الإمام السجاد كان يعلم بما يجري على يد المختار وانه الثائر الذي سيقتص من
قتلة الإمام الحسين وما ترحمه على المختار وفرحه بقتله قتلة الحسين الا دليل رضا
على قضية المختار في الثورة على السلطة اليزيدية وقد يسأل سائل ويقول لماذا لم
يصرح الإمام السجاد تأييده لثورة المختار علنا وللإجابة نقول
لم يكن يسع الإمام السجّاد
(عليه السلام) أن يؤيّد المختار علانيةً وجهاراً وهو في مدينة جدّه أعزل لا حامي
له ولا نصير وقد خذلت الأمة ابيه الإمام الحسين ويمكن الاستدلال أيضا بالإشارات
التي أشار بها الإمام للمختار منها الترحم عليه كما كان الإمام الباقر عليه السلام
يكثر من الترحم على المختار ويمنع سبه.
فعن أبي جعفر الباقر (عليه
السلام) قال: «لا تسبّوا المختار فإنّه قتل قتلتنا، وطلب ثأرنا، وزوّج أراملنا،
وقسّم فينا المال على العسرة». وروي أنّه دخل جماعة على أبي جعفر الباقر (عليه
السلام) وفيهم عبد الله بن شريك، قال: فقعدت بين يديه إذ دخل شيخ من أهل الكوفة
فتناول يده ليقبّلها فمنعه. ثم قال: مَن أنت؟ قال: أنا أبو الحكم بن المختار بن
ابي عبيد الثقفي. وكان متباعداً منه (عليه السلام) فمدَّ يده فأدناه. فقال: أصلحك
الله إنّ الناس قد أكثروا في أبي، والقول والله قولك. قال: وأيّ شيء يقولون قال:
يقولون كذّاب، ولا تأمرني بشيء إلا قبلته. فقال: «سبحان الله! أخبرني أبي أن مهر
اُمّي ممّا بعث به المختار إليه، أو لم يبنِ دورنا، وقتل قاتلنا ، وطلب بثأرنا
فرحم الله أباك - وكرّرها ثلاثاً - ماترك لنا حقّا عند أحد إلا طلبه ( بحار
الأنوار 45 /351).
ويمكن الاستنتاج بحسب مدح الإمام
علي للمختار ووصفه بالكياسة وعلمه بثورته والقصاص من قتلة ولده الإمام الحسين
وتحققها هي تحصيل حاصل لتحققها لا محالة سواء أعطيت لها الأذن او لم يعطى مرورا
بالمدح للمختار من قبل الأئمة.
ومن ثم إعلانه البيعة للأمام
الحسين ونصرته لمسلم بن عقيل الذي نزل في داره وأصبح مقرا النصرة كل هذا يدل على
شرعية قضية المختار الثقفي وثورته المباركة
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
0 تعليقات