المختار الثقفي السيرة والمسيرة (6) الحلقة الأخيرة
على فخري العابدي
( إشارات وقرائن على شرعية
قيام المختار)
يمكن الاستدلال على مشروعية
قيام المختار على السلطة اليزيدية الأموية بعدة إشارات وقرائن تدعم موقف المختار في
ثورته المباركة وقد ذكرنا جملة منها بالتفصيل في الحلقات السابقة وسنقوم بربط هذه
الإشارات لتتضح الصورة ولا يمكن النظر الى موقف المختار من زاوية واحدة بل من عدة
زوايا بدئا من سيرة حياته مرورا بمواقفه من السلطة الأموية ومن ثم السلطة الزبيرية
وموقفه من أهل البيت
ومن مجموعة القرائن التي تؤيد
الشرعية للمختار
القرينة الأولى
: مدح الإمام علي عليه السلام للمختار ووصفه بالكياسة فالمختار كيس بقول الإمام
وهذا وسام لا يناله إلا ذو حظ وأيضا علم الإمام بثورة المختار وقتله قتلة الإمام
الحسين وهذا ما اخبر به صحابيه ميثم التمار الذي تعلم من الإمام شئ من علم المنايا
والخفايا وعندما أدرك المختار في السجن اخبره بما قال الإمام من الأخذ بثار الإمام
الحسين على يد المختار
ويمكن القول أن أول شرعية
اكتسبها المختار هي من الإمام علي عليه السلام....
التفت المختار كيس.......
الإمام يعلم بثورة المختار وانه الأخذ بثأر الحسين....
وفي رواية بحار الأنوار للمجلسي
وكان المختار في صباه يحظى
برعاية أمير المؤمنين (عليه السلام) لما كان يعلمه أنّه الآخذ بثأر ولده الحسين
(عليه السلام) ، فعن الاصبغ قال: رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين وهو يمسح
رأسه ويقول : «ياكيّس ياكيّس
القرينة الثانية : الإمام زين
العابدين علي السجاد يعلم بقيام المختار ويحدث بها أصحابه
وهذا أيضا دليل أخر على
مشروعية قيام المختار وان لم يعطي الإمام الأذن للمختار صراحة وعلنا بالقيام و ظرف
الإمام وانقلاب الأمة على على أبيه الحسين جعلته يسعى للهدف الأسمى هو حماية
المشروع الإلهي المتمثل بالإمامة وإعطاء الأمة الفرصة لتقرر مصيرها بعد ابتعادها
عن قياداتها الصالحة بل وقتلها وحتى لو افترضنا انتصر المختار واخذ الخلافة من الأمويين
والزبيريين وسلمها للأمام لا يوافق الإمام بحال من الأحوال لعلمه ان الأمة لم تصل
إلى مرحلة من الوعي الديني والأخلاقي حيث كانت أمة متفرقة ومتشرذمة فالإمام يعمل
بتكليفه الإلهي والأمة تقرر مصيرها وهذه الأمة المتشرذمة على نفسها تحتاج إلى هزات
تنبهها من غفلتها
وفي رواية بحار الأنوار
وكان المختار يعلم أنّه الآخذ
بثأر الحسين (عليه السلام)، فكان يصرّح بذلك ويتحدّث به أمام الناس بعد مقتل
الحسين (عليه السلام) ، حتى وصل خبره إلى مسامع الحجّاج والي الاُمويين على العراق
فأخذه وحبسه وحاول قتله مراراً ولكنه لم يستطع لذلك سبيلاً. وكان الإمام السجّاد
يتحدّث بذلك لخواصّه. فسألوه مرّة: يا ابن رسول الله إنّ أمير المؤمنين (عليه
السلام) ذكر من أمر المختار ولم يقل متى يكون قتله لمن يقتل؟ فقال علي بن الحسين
(عليه السلام) : «صدق أمير المؤمنين أولا اُخبركم متى يكون؟» قالوا: بلى. قال:
«يوم كذا إلى ثلاث سنين من قولي هذا. وسيؤتى برأس عبيد الله بن زياد وشمر بن ذي
الجوشن في يوم كذا وكذا وسنأكل وهما بين أيدينا ننظر إليهما.
قال: فلمّا كان اليوم الذي
أخبرهم أنّه يكون فيه القتل من المختار لأصحاب بني اُمية كان علي بن الحسين (عليه
السلام) مع أصحابه على مائدة إذ قال لهم: «معاشر إخواننا طيبوا أنفسكم ، فإنّكم
تأكلون وظلمة بني اُمية يُحصدون.
قالوا: أين؟ قال: في موضع كذا
يقتلهم المختار، وسيؤتى برأسين يوم كذا وكذا.
فلمّا كان في ذلك اليوم اُتي
بالرأسين لمّا أراد أن يقعد للأكل، وقد فرغ من صلاته. فلمّا رآهما سجد وقال:
«الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني». فجعل يأكل وينظر إليهما. فلمّا كان في وقت
الحلوى لم يأت بالحلوى لأنّهم كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين. فقال
ندماؤه: ولم يُعمل اليوم الحلوى؟ فقال علي بن الحسين (عليه السلام): «لا نريد حلوى
أحلى من نظرنا إلى هذين الرأسين
القرينة الثالثة
: الروايات المادحة للمختار عند الأئمة وقد ذكرناها في الحلقات السابقة وهي روايات
كثيرة
القرينة الرابعة
: المختار عند علماء الإمامية
ذهب أكثر علماء الإمامية إلى
القول بأن المختار كان سليم الطريقة مشكور الموقف والعمل، نعم ورد عن بعض الأعلام
منهم التوقف في حقه كالعلامة المجلسي وقد ذكرنا جملة من جهابذة العلماء الذين
بينوا صدق عقيدة المختار في الحلقات السابقة أبرزهم السيد الشهيد محمد محمد صادق
الصدر والسيد المحقق الخوئي
القرينة الخامسة
:جمهور المسلمين أتفق على مدح المختار قبل قيامه بالثأر للأمام الحسين
التفتوا قبل القيام بالثورة
والأخذ بالثأر للأمام الحسين كان ممدوح وبعد القيام أصبح مذموم
قال ابن نما الحلي (645هـ) من
أصحابنا: كان مولده في عام الهجرة، وحضر مع أبيه وقعة قُسِّ النّاطِف ([1]) وهو
ابن ثلاث عشرة سنة، وكان يتفلّت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمّه؛ فنشأ مقداماً
شجاعاً لا يتّقي شيئاً، وتعاطى معالي الأمور.
وكان ذا عقل وافر، وجواب حاظر،
وخلال مأثورة، ونفس بالسخاء موفورة، وفطنة تدرك الأشياء بفراستها، وهمة تعلو على
الفراقد بنفاستها، وحدس مصيب، وكف في الحروب مجيب، وقد مارس التجارب فحنكته، ولامس
الخطوب فهذبته ([2]).
قال ابن عبد البر القرطبي
(463هـ) من أهل السنّة في الاستيعاب: المختار معدود في أهل الفضل والدين، إلى أنْ
طلب الإمارة، وادّعى أنّه رسول محمد بن الحنفية في طلب دم الحسين ([3]).
وقال الذهبي (748هـ) في السير:
نشأ المختار، فكان من كبراء ثقيف، وذوي الرأي، والفصاحة، والشجاعة، والدهاء، وقلّة
الدين([4]).
وقال أيضاً لما ملك المختار
الكوفة: وأخذ المختار في العدل، وحسن السيرة ([5]).
وقال ابن حجر (852هـ) في
الإصابة: المختار بن أبي عبيد الثقفي، غلب على الكوفة في أول خلافة بن الزبير،
فأظهر محبة أهل البيت، ودعا النّاس إلى طلب قتلة الحسين، فتبعهم فقتل كثيراً ممّن
باشر ذلك أو أعان عليه، فأحبّه النّاس، ثمّ إنّه زين له الشيطان أن ادعى النبوة،
وزعم أنّ جبريل يأتيه...([6]).
ما ذكره ابن حجر أنّ المختار
طلب الثأر وحاز على محبّة النّاس دراية، وأمّا أنّه ادعى النبوّة، فرواية والدراية
مقدمة على الرواية لضعفها
وقال ابن حجر في لسان الميزان: والده أبو عبيد، كان من خيار الصحابة، استشهد يوم الجسر في خلافة عمر بن الخطاب، وإليه نسبت الوقعة فيها جسر أبي عبيد، وكان المختار ولد بالهجرة، وبسبب ذلك ذكره ابن عبد البر في الصحابة؛ لأنّه له رؤية في ما يغلب على الظن ([7]).
وقال الذهبي (748هـ) في العبر:
سنة أربع عشرة، وفيها كانت وقعة جسر أبي عبيد، واستشهد يومئذ طائفة منهم: أبو عبيد
بن مسعود الثقفي، وهو الذي نسب إليه الجسر، وهو والد المختار الكذّاب، وكان من
سادة الصحابة ([8]).
يكاد لا يختلف جمهور المسلمين
ناهيك عن الشيعة أنّ المختار قبل قيامه بالثأر للحسين- كان من أهل العقل والرأي
والفصاحة والشجاعة والجهاد والدين؛ فلقد سلّ سيفه ليجاهد الكفار وهو بعمر ثلاثة
عشرة سنة في وقعة جسر أبي عبيد، كذا ذكرت جلّ مصادرهم، وإنّما طعن فيه بعد أنْ طلب
الثأر وقارع الظالمين، زبيريين ومروانيين.
ومن هنا يمكن القول ان مدح المختار دراية، وذمّه رواية والدراية مقدّمة على الرواية، سيما إذا كانت الرواية ضعيفة الإسناد أو الدلالة أو كليهما.
و عن ابن عبّاس يمتدح المختار
بعد موته
أخرج ابن سعد (230هـ) في كتاب
الطبقات قال: أخبرنا المعلّى بن أسد، قال: حدثنا عبد العزيز بن المختار قال: حدثنا
خالد، قال: حدثني أبو العريان المجاشعي، قال: بعثنا المختار في ألفي فارس إلى محمد
بن الحنفيةـ قال فكنّا عنده.
قال (أبو العريان): فكان ابن
عباس (68هـ) يذكر المختار(67هـ) فيقول: «أدركَ ثأرنا، وقضى ديوننا، وأنفق
علينا»([9]).
والنّص ظاهرٌ جدّاً أنّه صدر
عن حبر الأمّة ابن عبّاس (68هـ) بعد مقتل المختار (67هـ) ومحالٌ عادةً أن يمتدح
حبر الأمّة كذّاباً أشراً مدعيّاً للنبوّة؛ وإلاّ ساغ أن يمتدح مسيلمة الكذّاب
أيضاً، وبطلانه ظاهر.
وفي هذا دلالة أنّ فريّة
ادّعاء المختار النبوّة أكذوبة حدثت بعد وفاة ابن عباس
وقال البلاذري وابن الأثير
جازمين: وقال عبد الله بن الزبير لابن عباس: ألم يبلغك قتل الكذاب؟!
قال ابن عبّاس: ومن الكذاب؟!
قال ابن الزبير: ابن أبي عبيد.
فقال ابن عبّاس: قد بلغني قتل
المختار.
قال ابن الزبير: كأنّك تكره
تسميته كذاباً وتتوجّع له؟!
فقال ابن عبّاس: «ذلك رجل قتل
قتلتنا، وطلب بدمائنا، وشفى غليل صدورنا، وليس جزاؤه منّا الشتم والشماتة» ([10]).
واضح أنّ دعوى كون المختار
كذاباً، كما يظهر من نصّ البلاذري، فرية زبيريّة أوّل من ألصقها بالمختار آل
الزبير ثمّ بني أمية كونه موالياً لأهل البيت عليهم السلام، وقد تواتر في التاريخ
أنّ عبد الله بن الزبير كان من خصومهم، بل أعدائهم، لا يحبّهم ولا يطيقهم، حتى
أنّه ترك الصلاة على محمد وآل محمد من العبادات حسداً لهم.
و محال عادةً أن يمتدح ابن
عبّاس وهو حبر الأمّة، كذّاباً كافراً مدعيّاً للنبوّة؛ فتعيّنَ كونها فرية
وأكذوبة وافتراء.
ومجموع ذلك يفيد أنّ له رؤية
وصحبة.
وإذا كان الأمر كذلك،
فالمختار، على مباني أهل السنّة، من الصحابة، وكلّهم عدول إذا ماتوا على الإسلام.
وأمّا فرية أنّه ادّعى النبوّة
وأنّ الوحي جبرائيل ينزل عليه وغير ذلك من الترهات، فهي تخرّصات وافتراءات مجانبة
لكلّ قواعد التحقيق، ومنافية لعامّة قوانين النظر.
والحقّ فإنّ جماعة من قدماء
أهل النصب، من أعداء أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، تعمّدوا تسقيط شأن المختار
فيما رامه من الحقّ، وتشويه صورته الشريفة في طلب الثأر؛ إرضاءً للشيطان وأعوانه
من طغاة الزمان.
القرينة السادسة : سلوك المختار
سلوك المختار من خلال مواقفه
دليل على صدق عقيدته وثورته فهو اول من بايع الإمام الحسين وناصر سفيره مسلم ابن
عقيل واكرمه في داره وحشد لمسلم الاتباع وتحمل السجن والتعذيب من اجل قضية الامام
ثم قاد. ثورة لطلب الثائر من قتلة الحسين وحارب السلطة الأموية والزبيرية وموقفه
المشرف من انقاذمحمد بن الحنفية
لما قام عبد الله بن الزبير
بمكة واشتدّ أمره فيها، وذلك لمّا هلك يزيد بن معاوية ووقعت الفتن، أقبل محمد بن
الحنفية وعبد الله بن عباس بعد واقعة الحرّة حتى أتيا مكّة فعاذا بها، واعتزلا
الفتنة، فدعاهما عبد الله بن الزبير إلى بيعته، فقال له محمد وعبد الله: إنّا لا
نبايع إلا من اجتمعت عليه الأمّة، فإذا اجتمعت عليك الأمّة بايعناك وكنّا أمّة من
الناس. فأبى عبد الله بن الزبير أن يتركهما حتى يبايعا فأبيا أن يبايعا حتى تجتمع
الأمّة عليه بالبيعة، فأخذهما عبد الله فطرحهما في حجرة زمزم، ثم قال: والله لا
خرجتما حتى تبايعا فأبيا فحلف لئن لم يبايعا إلى ذلك الأجل ليحرقنهما بالنار، فلما
رأى عبد الله بن عباس ومحمد بن الحنفية ذلك كتبا إلى المختار الثقفي المختار بن
أبي عبيد يستغيثان به ويخبرانه بالذي قد نكبهما ابن الزبير.
فأرسل المختار مدداً و مالاً
فدخلوا المسجد الحرام بغتةً لا علم لأحد بهم ينادون يا لثارات الحسين حتى انتهوا
إلى ابن الحنفية وأصحابه قد حسبوا في الحظائر ووكل بهم الحرس يحفظونهم وجمعوا
الكثير من الحطب وأعدَّ لإحراقهم فأشعلوا النار في الحطب وأخرجوا ابن الحنفية
وأصحابه معه إلى شعب علي بن أبي طالب واجتمع عليه أربعة آلاف رجل فبايعوه.(11)
وأخيرا حكمه على العراق كان
على نهج الإمام علي عليه السلام بشكل معتد به
وبناءا على القرائن والإشارات
والسيرة نعتقد صحة وصدق عقيدة المختار
الهوامش:
([1]) منطقة وقعت فيها حرب بين
المسلمين والفرس قرب الحيرة، وتسمى أيضاً: وقعة جسر أبي عبيد
([2]) ذوب النظّار(ت: فارس
حسون كريم): 60. مؤسسة النشر الإسلامي، قم.
([3]) الاستيعاب (ت: علي
البجاوي) 4: 1465. رقم: 2528. دار الجيل بيروت.
([4]) سير أعلام النبلاء 3:
539. رقم: 144. مؤسسة الرسالة، بيروت.
([5]) سير أعلام النبلاء 3
:538. رقم: 144. مؤسسة الرسالة، بيروت.
([6]) فتح الباري (ت: محب
الدين الخطيب) 6: 617. دار المعرفة، بيروت.
([7]) لسان الميزان 6: 6، رقم:
17. دائرة المعارف النظامية، الهند.
([8]) العبر في أخبار من
غبر(ت: أبو هاجر زغلول): 14. دار الكتب العلميّة، بيروت.
([9]) طبقات ابن سعد (ت: محمد
عطا) 5: 78. العلميّة، بيروت.
([10]) أنساب الأشراف (ت: سهيل
زكار) 3: 287. دار الفكر، بيروت.
الكامل في التاريخ (ت: عمر
تدمري) 3: 340. دار الكتاب العربي، بيروت.
(11) المقدسي البدء والتاريخ
0 تعليقات