الحوثييون فى اليمن
اللواء محمد رشاد
وكيل المخابرات العامة الأسبق
كل
من تنظيم القاعدة والحوثيين من صناعة الدولة اليمنية، فلقد ساهم نظام الرئيس
السابق على عبدالله صالح في بناء هذين التنظيمين، وبعد أن كانت اليمن منذ نصف قرن
دولة زيدية من الناحية السياسية، وزيدية شافعية من الناحية الدينية وأن المذهبين
يتقاسمان اليمن دون أية مذاهب أخرى.
غير
أن التغيرات السياسية التي حدثت بالمنطقة غيرت في البنية الأساسية للمجتمع اليمني،
وأدت الى تقليص الزيدية الى حد كبير واندثرت الشافعية بعد ثورة اليمن سنة 1962
انطلاقاً من أن التوجه السياسي للدولة هو القضاء على الزيدية لأنها تقوم على مبادئ
لا تتفق مع طبيعة الحاكم، فالفكر الزيدي يؤمن بالخروج على الحاكم الظالم ويحدد
شروط الحاكم بما لا يتفق مع نظام الحكم، بالاضافة الى أن المجتمع القبلي اليمني
يؤمن بفكرة التشيع لأهل البيت وضرورة الحفاظ على خصائص المجتمع الدينية من خلال
الاتجاه الى التعليم الديني بشكل يتدخل في تشكيل القناعة السياسية للقبائل
اليمنية.
الحركات
السياسية في اليمن
أولاً:
الحوثيون
تمثل
حركة الشباب المؤمن نواة الحوثيين في اليمن والتي بدأت من خلال تأسيس المعاهد
الدينية العلمية والتي كانت الدراسة فيها دمجاً بين المذهبين الزيدي والامامي،
وأدى استمرارها وجدية القائمين عليها الى تطويرها بهدف إحياء الفكر الزيدي الحديث
بعيداً عن الصراعات الدينية، وفي هذا التوقيت عاد حسين بدر الدين الحوثي من
السودان التي كان يدرس بها وأنشأ تنظيم الشباب المؤمن في صعدة سنة 1994، وتولى
قيادته وتحول منذ ذلك الوقت الى تنظيم شبابي متكامل خصصت له رئاسة الجمهورية
اليمنية «400» ألف دينار يمني شهرياً نكاية في حزب الاصلاح الاسلامي التابع لجماعة
الاخوان المسلمين في اليمن وحزب الحق الديني "الزيدى".
واتسعت
مجالات نشاط تنظيم الشباب المؤمن وتنامى وتحول خطابه السياسي والديني من المهادنة
للنظام الى النقد الشديد، وفي المقابل هادن نظام الحكم تنظيم الشباب المؤمن حتى
عام 2003 عندما منع الرئيس السابق علي عبدالله صالح من القاء خطابه في جامع الامام
الهادي في صعدة بعد عودته من اداء مناسك الحج براً، الامر الذي ادى الى قيام
السلطة باستدعاء رئيس الحزب حسين بدر الدين الحوثي الى صنعاء الا أنه رفض، مما ادى
الى الصدام بين الطرفين حتى وصل الى حد المواجهات العسكرية لاستعادة هيبة الدولة
واندلعت الحرب بين الطرفين سنة 2004 وأدت في النهاية الى مقتل رئيس التنظيم حسين
الحوثي، وتولى والده بدر الدين الحوثي قيادة التنظيم للانتقام.
توسعت
دائرة المتعاطفين مع الحوثيين واندلعت الحرب الثانية واستمرت الحروب بينهما حتى
بلغت في الفترة من سنة 2004 الى سنة 2008 خمس حروب اثبتت ان الحوثيين لديهم القدرة
علي التخطيط والتنظيم ولديهم امكانيات مادية ومعنوية وأحرج السلطة محاولة الحوثيين
تدويل القضية وتدخلت ايران لدعم الحوثيين، وتدخلت كل من السعودية وليبيا نكاية في
السعودية في الصراع ومحاولة قطر التدخل كوسيط بين الطرفين بعد انتهاء الحرب
الخامسة بينهما سنة 2008 دون التوصل الى اتفاق بينما مع استعدادها للمشاركة في
اعمار منطقة صعدة على نفقتها، ومع استمرار الصراع بينهما تجددت المواجهة السادسة
سنة 2010 والتي انتهت بموافقة الحوثيين
على الصلح مع النظام لاستخدامه القبائل ضدهم واستعراض النظام لقوته العسكرية
مستنداً في ذلك الى دعم الولايات المتحدة في هذا المجال واحكام السعودية حدودها مع
اليمن مما أثر على خطوط امدادها عبر الاراضي السعودية من ايران.
واستمرت
أطماع الحوثيين اطلاقا من منطقة صعدة وتمدده الى مناطق تجمع الزيدية الاخرى في
منطقة عمران والذين يشكلون 30٪ من سكان اليمن ونصفهم أهل السنة مع الامامية الاثنى
عشرية في منزلة واحدة في نفس الوقت فإن بؤرة الحوثيين في اليمن تشكل هدفاً
ايرانياً تعمل على احيائه لكيان مستقل لتعزيز دورها الاقليمي في منطقة الشرق
الأوسط من خلال انشاء كيانات شيعية ايرانية في المنطقة العربية ظاهرها العمل ضد
اسرائيل وهي في الحقيقة للضغط على الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي
لمسايرتها في انهاء ملفها النووي بما يتفق مع مصلحتها بالاضافة الى نشر المعتقدات
الشيعية الايرانية في المنطقة العربية.
ولم
يتوقف تحرش الحوثيين بالنظام في منطقة صعدة والمنطقة المحيطة بها حتى منطقة عمران
وأدى استمرار وتزايد الصراع بينهما الى توسيع دائرة الاهتمام الشعبي لادعاء
الحوثيين بأن النظام يعمل على هدم المذهب الزيدي، واتهام النظام لهم بسب الصحابة
والعمالة لايران حتى قامت ثورة اليمن في فبراير سنة 2011 وتخلى الرئيس السابق علي
عبدالله صالح عن الحكم، فوجدها الحوثيون فرصة سانحة للتمدد خارج صعدة والاستيلاء
على مدينة عمران في مايو سنة 2014 والتمركز بها كنقطة انطلاق للاستيلاء على
المناطق بينها وبين صنعاء حتى اقتحمتها يوم 21 سبتمبر سنة 2014 وسيطرت عليها سيطرة
كاملة ومارست سلطاتها على جميع مراكز الدولة في صنعاء وأجبرت الرئيس اليمني ومعها
تنظيم الحراك الجنوبي على توقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية في نفس الوقت الذي
هادن فيه حزب التجمع اليمني للاصلاح التابع للاخوان المسلمين أطماع الحوثيين والحراك
الجنوبي بينما انتقدها بشدة الحزب الاشتراكي الذي طالب باعادة الأوضاع الأمنية
وتمكين الأجهزة الأمنية من القيام بأعمالها بينما اعتبرها تنظيم القاعدة في اليمن
عملية قرصنة للاستيلاء علي الدولة ولقد تضمن اتفاق السلم والشراكة الوطنية بين
نظام الحكم والحوثيين والحراك الجنوبي التالي:
-
تشكيل حكومة كفاءات خلال مدة أقصاها شهر.
-
مشاركة الحوثيين والحراك الجنوبي في الحوار الوطني وضمان تمثيل هذه المكونات في
السلطة المركزية والمحلية.
-
توسيع مجلس الشورى ويتم تمثيل المكونات غير الممثلة بالمجلس.
-
الاعتراف بحق الحوثيين في بسط سلطتهم على اقليم أزال الذي يمتد من العاصمة صنعاء
الى الحدود السعودية.
-
إعادة النظر في تشكيل هيئة الرقابة علي مخرجات الحوار وسلطة الرقابة علي أداء
الحكومة والمصادقة علي تشكيلها.
-
استيعاب عشرين ألف مسلح من أنصارهم في الجيش والأجهزة الأمنية والشرطة «عرضت عليهم
اللجنة العليا للأمن إمكانية استيعاب عشرة آلاف مسلح».
وترتب
علي ما سبق أن أصبحت الفوضي هي الظاهرة السائدة حاليا في اليمن خاصة العاصمة صنعاء
في ظل انتشار مسلحي الحوثيين في الشارع اليمني ومؤسسات الدولة وتدخلهم في شئون
وسياسة الوزارات المختلفة خاصة وزارة المالية التي أحكموا سيطرتهم عليها تماما
ومراقبة التصرفات المالية للوزارة والإنفاق الحكومي، بالإضافة الي السيطرة علي
منافذ الدولة والحدود ومحاولة السيطرة علي مناطق إنتاج البترول وتوليد الكهرباء في
مأرب، وتحفز حزب الإصلاح الإسلامي في المنطقة لمنع الحوثيين من السيطرة علي إقليم
مأرب ومن المتوقع استمرار حالة عدم الاستقرار في ظل بدء الصراع بين الحوثيين
والحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة في اليمن، الذي يقاوم سيطرتهم علي مناحي الحياة في
الدولة بالإضافة الي الصراع المرتقب فيها من كل من حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه
الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزب الإصلاح الإسلامي ومجموعته عبدالله الأحمر
وهو ما يشير الي أن اليمن أصبحت علي مشارف الحرب الأهلية في الفترة القادمة.
ومما
لا شك فيه أن الحوثيين حركة شيعية ذات جذور زيدية وتوجهات الاثني عشرية ولها
علاقات وطيدة بإيران والسياسة الإيرانية في المنطقة ، وأن إيران قد لعبت دورا
رئيسيا في دعم الحوثيين ماديا وبالأسلحة والذخائر اللازمة لإدارة معركتهم ضد
النظام منذ مدة الرئاسة السابقة للرئيس السابق علي عبدالله صالح لخلق ثورة شيعية
في صعدة وامتدادها لعمران وهو ما ظهر جليا في قدرتهم علي مواجهة إمكانيات الدولة
خلال 6 حروب مع النظام السابق، ودعما لهذا التوجه فقد أسست إيران المجلس الأعلى
لشيعة اليمن والخليج العربي فيها يتزعمه أحد الشيعة اليمنيين في إيران لدعم
الحوثيين ماديا وإعلاميا وتسليحا.
وانطلاقا
مما سبق فإن بوادر الأزمة اليمنية الحالية وسيطرة الحوثيين والحراك الجنوبي علي
السلطة في اليمن لم يكن وليد الموقف والظروف الحالية بل إن ملامحه كانت واضحة منذ
سنة 2010، ولقد تناولنا هذا الموضوع بالحيثيات والتحليل السياسي بجريدة «الوفد»
بالعدد رقم 7192 بتاريخ 16 مارس 2010، تحت عنوان «حدود أحلام إيران في المنطقة»
تضمن النشاط الإيراني وأهدافه كالتالي:
-
إن بؤرة الحوثيين الشيعية في اليمن تشكل هدفا إيرانيا تعمل علي إحيائه ككيان مستقل
يساعدها علي ذلك تفاقم المشكلة الاقتصادية باليمن واستمرارها وتدني مستوي المعيشة
وسوء إدارة النظام الحاكم لشئون المنطقة الشمالية، بالإضافة الي جذور هذا الكيان
في صعدة بقيادة عائلة الحوثي فيها.
-
إن أطماع الحوثيين لإنشاء الكيان الشيعي في منطقة صعدة لن تتوقف ويمكن أن تتعداها
الي مناطق تجمع الزيدية الأخري، خاصة منطقة عمران وأن حسم هذا النزاع لصالح
الحوثيين مرهون باستمرار الدعم الإيراني ماديا وعسكريا.
-
إنه للحد من تطلعات إيران لإنشاء كيانات شيعية علي حساب العالم العربي يتطلب وحدة
الصف العربي لوضع استراتيجية للتعامل مع النظام الإيراني وإنقاذ الاقتصاد اليمني
من الانهيار والذي يعد من مسئولية الدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي.
0 تعليقات