القواعد العشر لفهم الصراع في جنوب اليمن
الحسن الذاري
من الأهمية بمكان عند محاولة فهم
وقراءة وتحليل أي تطورات أو ظواهر أو أحداث سياسية أو اجتماعية أو أمنية أو
اقتصادية أو عسكرية...الخ، إدراك الخلفيات والقواعد الأساسية لمصدر ومكان وزمان
وفاعلي الأحداث وتأثيراتها وأبعادها و تداعياتها المختلفة على المستوى المحلي
والخارجي.
وفي ظل تطور الصراع الخطير الذي تشهده
اليوم ساحة جنوب اليمن، والتي تهدد وحدة وسلامة ومستقبل اليمن بكله، نساهم في وضع
عدد من القواعد التي نرى من المهم إستيعابها ومراعاتها عند الإقدام على قراءة وتحليل
مجريات هذه التطورات والأحداث وهي كالتالي:-
1-الموقع الجغرافي المهم والاستراتيجي
لليمن بشكل عام وللجنوب بشكل خاص واطلالته على بحر العرب وخليج عدن، وامتلاكه جزر
هامه، وثروات نفطية كبيرة، ما يجعله ساحة صراع محلي واقليمي ودولي، ويجعل من الطرف
المسيطر عليه لاعباً أساسياً في المنطقة،ومتحكماً في أهم ممر مائي "مضيق باب
المندب" في العالم.
2- السعودية لا تقبل بأن يكون لها شريك
اقليمي في النفوذ على اليمن بإعتبارها (حديقتها الخلفية).
3-الهدف الاستراتيجي للسعودية
والامارات هو اضعاف اليمن واخضاعه لتحكمهما ونفوذهما وسيطرتهما، فلكل منهما أهدافه
الخاصة، فالسعودية تركز بشكل أساسي للسيطرة على حضرموت والمهرة لتحقيق حلمها
التاريخي للخروج من خانقة المضائق ووضع قدم على البحار المفتوحة من خلال مد أنبوب
نفط من داخل أراضيها إلى السواحل اليمنية في بحر العرب خاصة أن السعودية دولة
توسعية، بينما الإمارات تهدف للإستيلاء على ميناء عدن والجزر الاستراتيجية ومنابع
الثروة النفطية، وكليهما ينفذ أجندة مشغليهم من القوى الدولية الاستعمارية الكبرى
وعلى رأسها أمريكا و بريطانيا.
4- دخول قوى أخرى حلبة الصراع في اليمن
اقليمية (إيران ، تركيا) تسعى لقيادة المنطقة، ودولية (روسيا، الاتحاد الأوربي)
فروسيا تسعى لاستعادة دورها في قيادة العالم، وهذه القوى وجدت في البيئة اليمنية
المتصارعة فرصتها لتعزيز دورها وحضورها في أزمات المنطقة، وتحقيق مصالحها، فضعف
اليمن وزعزعة استقراره وارتهان قواه للخارج يحقق أهدافها الاستراتيجية.
وعلى سبيل المثال ففي العام
(2010-2015) برز دور إيران الحاضن والداعم للقوى الجنوبية الانفصالية بقيادة
الرئيس الأسبق علي سالم البيض في مختلف المجالات، مما ساعد في تعزيز وترسيخ بيئة
وثقافة الانفصال حتى تحولت إلى وعي جماهيري عام في الجنوب، وبثت خطاب الكراهية
والفرقة بين أبناء اليمن الواحد.
كما لا يفتونا أن أول من دعم مشروع
الانفصال وأسس له هي المملكة العربية السعودية في العام 1994م، ومعها بعض دول
الخليج وقد أدى ذلك إلى (حرب الانفصال) بين شريكي الوحدة نتج عنها شرخ في جدار
الوحدة اليمنية.
ولا شك أن الأساس لهذه التدخلات
الخارجية هي الخلافات والصراعات اليمنية اليمنية والتي ساعدت للوصول إلى هذه
النتيجة، ولكن لسنا بصدد مناقشتها في هذا المقام.
5-- دور العدو الإسرائيلي الداعم
والمشارك للسعودية والإمارات في عدوانهما على اليمن خاصة تواجده الفعلي من خلال
سفنه الحربية المزودة بالصواريخ في باب المندب، لتحقيق استراتيجيته الاستعمارية
والتوسعية داخل الاقليم، وقد أعلنت اسرائيل عن هذا الدور.
6- الوضع الاجتماعي والسياسي والامني
والعسكري لكل من (الشرعية) و (المجلس الانتقالي) يختلف عن الآخر في كل محافظة
جنوبية .
7- لكل محافظة جنوبية خصوصيتها
وحساسيتها تجاه المحافظة الاخرى.
8-التنوع الفسيفسائي التاريخي للجنوب
المناطقي والسياسي (فقد قسمه الاستعمار البريطاني الى اكثر من 21سلطنة ومشيخة)،
ومن الواضح أنه مازال يعشعش في نفسياتهم.
9-الصراعات الجنوبية المناطقية
التاريخية خاصة "الضالع-يافع-ردفان" وهم المكون الاساسي (للمجلس
الانتقالي ومليشياته)، و"أبين وشبوة" وهؤلاء على رأس (الشرعية) وقد تجلى
هذا الصراع في أحداث يناير 1986م واليوم يعيد نفسه ولكن بعنواين وأجندات مختلفة
خارجية وداخلية .
10- المشاريع متصارعة في جنوب اليمن،
فكل تيار أو مكون لديه مشروع ورؤية مناقضة للآخر فيما يتعلق بالقضية الجنوبية
ومستقبلها أبرزها كالتالي:-
-المجلس الانتقالي يهدف إلى الإنفصال
من خلال (استعادة استقلال الجنوب وبناء دولته الفيدرالية المستقلة كاملة السيادة
على حدود 21 مايو 1990م)، بدعم خارجي "إماراتي".
-الحراك الثوري الجنوبي بقيادة الزعيم
حسن باعوم يسعى للإنفصال من خلال(إستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية،دون
أي تدخل خارجي)، وإن كان هناك من يرى أنه يحظى بدعم إيراني قطري واحتضان عماني
واضح.
-مؤتمر القاهرة برئاسة الرئيس الأسبق
علي ناصر محمد يدعو (لقيام دولة اتحادية من اقليمين لفترة مزمنة يجري بعدها
استفتاء للجنوبيين على حق تقرير المصير في الاستمرار في الوحدة أو الفيدرالية
بإقليمين أو الانفصال).
-الرئيس هادي المنتهية ولايته وشركائه
من الجنوبيين يتبنوا(مشروع اليمن الاتحادي من سته أقاليم).
- العصبة الحضرمية تدعو إلى (تقرير
المصير لأبناء حضرموت واستعادة دولته المستقلة، معتبرة أن حضرموت دولة مستقلة
تعرضت لاحتلالين الأول في عام 1967 من قبل اليمن الجنوبي، والثاني في عام 1990 بعد
الوحدة، وتنظر إليه بأنه "احتلال يمني")، وتجدر الإشارة إلى أن حضرموت
ساحلها وواديها غير متجانس.
فالمحصلة أن الصراع في جنوب اليمن معقد
ومركب نتيجة تراكمات تاريخية من الصراعات المحلية والأطماع والطموحات الخارجية.
وعليه فهذه القواعد تساعد على فهم
وتحليل قراءة الأحداث والتطورات في جنوب اليمن بشكل سليم ومنطقي وعميق يستطيع من
خلالها الباحثين والمهتمين والمعنيين بالشأن اليمني بناء تصور ووعي وفهم وإدراك
حقيقي بطبيعة ما يحدث في جنوب اليمن وتركيبته ودوره ومدى أهميته للمنطقة والعالم.
بعيداُ عن القراءات والتحليلات السطحية المعزولة عن حقائق وخلفيات وأبعاد وأهداف
هذه الأحداث، والمبنيه غالباً وفق الأهواء الشخصية والمصالح الخاصة، والحسابات
الخاطئة.
0 تعليقات