آخر الأخبار

التجربة الصينية




التجربة الصينية

د. محمد ابراهيم بسيوني
عميد طب المنيا السابق


ليس هناك مستحيل أمام اي دولة او شعب لكى ينهض ويتقدم. فقد علمتنا التجربة الصينية التى يمضى عليها واحد وأربعين عاماً على بداية هذه التجربة العظيمة.

 فالصين البلد الأكثر فى الكثافة السكانية فى العالم وبلد الحزب الواحد والفكر الشيوعى الذى انتهى فى العالم لم يمنعها كل هذا فى أن تأخذ القرار بالسعى نحو الإصلاح والانفتاح على العالم.. فقط اجتمعت الرغبة لدى قيادات الحزب الشيوعى الحاكم عقب مناقشات طويلة بقيادة الزعيم الصينى الراحل دينج شياو بينج فى أنه قد آن الأوان ليخرج التنين الصينى على العالم بأفكار واستراتيجيات جديدة تعظم خطوات الإصلاح وتشجع الابتكار وتحفز الصينين على العمل والإنتاج.. فتحرك الجميع فى الصين نحو تطبيق السياسات الإصلاحية وأصبح التقييم لكافة المناطق والمقاطعات على ما تم تنفيذه إصلاحات وأدرك الشعب الصينى أن هناك تحولاً هاماً يحدث فى البلاد وأن أبواب الصين المغلقة بدأت تفتح أبوابها على العالم ليدخل الاستثمار الأجنبى ويجد طريقه داخل البلاد ويرى الصينيون العالم الخارجى الذى كانوا يسمعون عنه الآن هو بينهم وهم يتجولون بسهولة فى إرجاء هذا العالم دون أية صعوبات وانتهت الأساطير حول التخوف من هذا العالم الخارجى، نعم لم يكن المشوار سهلاً أمام الصينيين فى تطبيق هذه الإصلاحات كان هناك من يقاومها من أباطرة الفساد الذين كانوا يستفيدون من سياسات الانغلاق ولكن قيادات الصين المؤمنة بالإصلاحات لم تترك الفرصة للفساد والمفسدين أن يقفوا أمام هذه السياسات الجديدة، بل كانوا يضربون بيد من حديد..

فى المقابل كان هناك تضحيات من الشعب الصينى لنجاح هذه الإصلاحات فى تحمله لسياسات جديدة وجريئة لم يعتد عليها ولكنه تقبلها لأنه وجد أنها فى صالحه وقد تأكد له هذا بمرور السنين فى تطبيق هذه الإصلاحات.. فهذا الشعب الذى كان دخل الفرد فيه نحو 165 دولاراً فى السنة عام 1978 الآن أصبح متوسط دخله 8 آلاف دولار فى السنة.

ونجحت هذه الإصلاحات فى أن تخرج نحو 700 مليون مواطن من الفقر المدقع وانخفضت الأمية من 30% إلى 3% ووصلت نسبة البطالة فى الحضر 4% ويتمتع نحو 95% من السكان بالتأمين الصحى وارتفع عدد المتعلمين تعليماً عالياً من 0.5% إلى 25% من قوة العمل.. لقد تحققت غاية الإصلاح وهو رخاء الشعب الصينى وأصبحت الصين ثانى أكبر اقتصاد فى العالم وأول دولة من يث احتياطى العملات الأجنبية فى العالم وارتفع حجم الناتج المحلى من 15 مليار دولار عام 1978 إلى أكثر من 11 تريليون دولار عام 2016 – 2017.

ولم يكن بالصين أية استثمارات أجنبية مباشرة قبل أربعة عقود الآن حجم هذه الاستمثارات تجاوز الـ130 مليار دولار وأصبحنا نرى سياسات صينية ووحدات وماكينات صينية فى كل المجالات وموبايلات صينية.. لقد أصبحت الصين كما يطلق عليها مصنع العالم تنتج كل شىء ومنتجاتها تغزو كل أسواق العالم.

إن تجربة الصين وما حققته من نتائج مبهرة تستحق الدراسة لكل الدول التى تسعى للنمو النهوض.. وإذا ما نظرنا إلى أوضاعنا بالمقارنة بما حدث فى الصين.. فحالنا لم يكن بعيداً عن أحوال الصين عام 1978 بداية تطبيق الإصلاحات فوقتها كانت مصر قد انتهت من حرب 1973 بالانتصار وفتحت قناة السويس للملاحة الدولية وتم تعمير مدن القناة وبدأنا فى إنشاء المدن الجديدة وتم إصدار قوانين تشجيع الاستثمار العربى والأجنبى 1974 وتم إعلان سياسة الانفتاح الاقتصادى وعودة الأحزاب لممارسة السياسة.. ولكن لم يكن هناك مشروع قومي واضح للإصلاح على الرغم من استقرار الأوضاع السياسية العسكرية لعقود طويلة باستثناء بعض سنوات الإرهاب عقب اغتيال الرئيس السادات عام 1981 وانشغلت الحكومات فى عهد الرئيس مبارك ما بين سياسات نفتح الباب أم نغلقه.. نطبق الخصصة أم لا نمشى تبع صندوق النقد شوية ونقف شوية ناهيك عن نقاشات نرفع الدعم أم لا والتى استمرت هذه المحاولات والسياسات حول الدعم من 1977 وحتى الآن.. فى الصين لم نسمع عن خصخصة ولا عن رفع دعم سمعنا فقط عن إنشاء مناطق صناعية واقتصادية وتيسير إقامة المشروعات وتيسير الحصول على الأراضى إقامة المصانع كان التركيز أن ناتج العمل والإنتاج هو الذى سيرفع مستوى معيشة المواطن وليس بطاقة التموين فقط يحيا الإنسان.

كم مرة نطلق استراتيجية زيادة الصادرات والتصدير حياة أو موت ومشروع الألف يوم وغيره من المشروعات والمبادرات والناتج لا شىء. نشكو من زيادة السكان وأكثر من 60% منهم شباب فى سن العمل وبدلاً من أن يتحول هؤلاء لجيوش من العاملين تحولوا إلى عاطلين؛ بسبب سياسات تعليم وتوظيف فاشلة صنعنا جيوشاً من المتعلمين وقضينا على العمالة الفنية الماهرة؛ بسبب سياسات التعليم والتوك توك.. لم تشكو الصين من زيادة السكان فى أنهم يلتهموا ثمار التنمية ولكنها رسخت عقيدة أن العمل أساس الحياة ومن لا يعمل لا يستحق أن يعيش. فتحولت البيوت هناك إلى ورش ومصانع صغيرة. ليس هناك كافيهات ومقاهٍ لأنه لا توجد أوقات فراغ هناك خلايا من النحل تعمل فى كل شىء. لم ينتظر الصينيون تطبيق الديمقراطية للمطالبة بالإصلاحات. فقط قيادات مخلصة قادت البلاد نحو هذه النهضة فصنعت دولة قوية اقتصادياً وعسكرياً جعلت أمريكا لا تنام بسبب هذا السباق التجارى والاقتصادى مع الصين. وما حدث فى الصين حدث بعد ذلك فى كوريا الجنوبية وماليزيا وجنوب أفريقيا. الجميع يتقدم وينهض ونحن مازلنا نتكلم وندرس رفع الدعم إزاي نحل أزمة الزيادة السكانية إزاي. أربع عقود مضت على تجربة الصين التى كان ترتيبها الـ120 ما بين الدول فى حجم الاقتصاد الآن هى ثانى اقتصاد فى العالم، أين نحن فى كل المؤشرات غالباً ما نكون فى النصف الأخير من كل المؤشرات إن لم نكن نتذيل بعضها لا يوجد لدينا مشروع قومي فى أى شىء. حتى عندما نطبق بعض السياسات الإصلاحية نطبق جزءًا منها والغرض تخفيف الأعباء على الخزانة العامة، مقابل زيادة الأعباء على المواطن وهو حل دائماً سهل بالنسبة للحكومات دون النظر أن الحل الأفضل إطلاق سياسات تزيد من العمل والإنتاج تشجع المستثمر المحلى والأجنبى على العمل.


ما الذي يدفع دعاة الدين من ١٤٠٠ عاما الى الاكتفاء بالدعوة للجزئيات والهوامش، والحرام والحلال، واقامة الاحتفالات والمسابقات للحفظ والتجويد، بعيدا عن السعي الجاد والأمر بتطبيق أساسيات وفرائض الاسلام الكلية، كما فرضها القرآن الكريم، والمتعلقة بتفاصيل الحياة الكريمة للشعوب من دعوات الى الحرية الانسانية والعلم النافع والعدل والاصلاح والتعاون والوحدة ؟!

فأين هم رجال الدين الداعين الى محاربة الجهل والأمية؟ أين هم من الدعوة الى أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وعليه فان الأمية نقيصة لا يكتمل معها اسلام المرء الذي جاءت اولى تعليماته (اقرأ باسم ربك)، وذلك توجيها بأهمية تحصيل العلم النافع اللازم للمهمة الاساسية للانسان على هذه الأرض، وهي انجاز العمل النافع المرتبط بالأعمار وما يعنيه من اصلاح وخير ونماء. فالعمل بلا علم لا يكون، والله يحب اذا عمل أحدنا عملا أن يتقنه، والايمان هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل.


ين هي الدعوة للعدل المادي والمعنوي بين الناس؟ أين هي الدعوة الى تطبيق نظام الزكاة التي هي احدى أركان الاسلام الخمس الذي لا يكتمل تطبيقه دونها، والذي هو الضامن للقضاء على الفقر لدى أمة الاسلام (الأكثر فقرا بين شعوب الأرض!). فقد تم فرض الزكاة لمنع تراكم الثروة واحتكارها ضمن طبقة بذاتها تطبيقا لقوله تعالى (..كي لا يكون دولة- أي كي لا يكون المال مقتصرا ودائرا في نفس الحلقة – بين الأغنياء منكم..واتقوا الله ان الله شديد العقاب)-الحشر.


أين هي دعوة رجال الدين الناهية عن الاسراف والتبذير الى الحد الذي نصّ فيه الخالق على (ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربّه كفورا)-الاسراء-، مما يجعلنا نتساءل عما اذا كانت قد صدرت أي فتوى حول ما نشهده يوميا من اسراف وصل إلى ترصيع الستائر بالمجوهرات، وصولا الى حذاء بمليوني ونصف مليون دولار! أين هي اشارة الدعاة الى أن الاسلام قد قرن ما بين الترف والكفر في قوله تعالى (وما أرسلنا في قرية من نذير الاّ قال مترفوها : انا بما أرسلتم به كافرون)– سبأ.


اين هي الدعوة لمحاربة الفساد بكل أشكاله، والذي استحق مرتكبوهّ لعنة الله عليهم (..ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)- الرعد-
أين هي الدعوة الى منع الرشوة بكافة صورها والتي اعتبرها الاسلام اثما لما تسفر عنه من ظلم وهضم لحقوق الناس ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون)-البقرة.


أين هي الدعوة الى وحدة المسلمين وتعاونهم وتضامنهم، ونبذ الفرقة والطائفية والنزاعات الجانبية منعا للضعف والهوان (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)–الأنفال، ولهذا نبّه الرسول أمته من الذئب الذي يتمكن من افتراس الغنم القاصية لتفرقها.


لماذا تجاوز رجال الدين ودعاته كل هذه المبادىء الأساسية في ديننا الحنيف، واكتفوا بالتعامل والافتاء حول الأمور الهامشية والتكميلية مجتزئين ما يوافق الأنظمة الحاكمة وأذيالها الاعلامية بكافة أشكالها، ومتجنبين كل ما يثير حفيظة هذه الأنظمة؟! فبات حالهم منطبقا مع قوله تعالى (الذين جعلوا القرآن عضين -أي مجزّأ- فوربّك لنسألنّهم أجمعين* عمّا كانوا يعملون)-الحجر، وهو انذار واضح في شدته بتحريم اجتزاء اساسيات الشريعة، لأنه لا وجود حقيقي للاسلام على أرض الواقع بدون الحرية والعدل والعدالة الاجتماعية والعلم النافع والاصلاح والتعاون.
لماذا لم يتمسك رجال الدين بأهم ما جاء في خطبة وداع المصطفى المختار بالتمسك بالقرآن (كله لا أجزاء منتقاة!)، وبالعمل به (لا بالاكتفاء بحفظه وتلاوته) حتى لا نضلّ أبدا. لماذا؟




إرسال تعليق

0 تعليقات