آخر الأخبار

الإخوان والسلفيين وتطبيق الشريعة








الإخوان والسلفيين وتطبيق الشريعة


د. محمد ابراهيم بسيوني
عميد طب المنيا السابق



بعد أن تبوأت بعض الحركات الإسلاميين كراسي الحكم، في كل من مصر وتونس، ثارت مناقشات حول إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية، ومدى جديتهم في إنجاز ذلك وتطبيقه، وكان طرفي الحوار والسجال هما الاتجاهات الإخوانية وغالب اتجاهات السلفيين. الاتجاهات الإخوانية ترتكز في مسألة تطبيق الشريعة على مبدأ التدرج، حيث ترى أنّ المجتمعات الإسلامية المعاصرة، ليست مهيأة بالكامل لتطبيق الشريعة، بعد أن حُكمت عقود متوالية بأنظمة علمانية أقصت الشريعة عن واقع الحياة والناس، فلابد من العمل وفق خطط مدروسة لإيجاد البيئات الضامنة لإنجاح ذلك التوجه وترسيخه في المجتمعات، مع العمل الممنهج لمعالجة الموانع التي تعترض إنجاز تلك المهمة الجليلة.

الرؤية الإخوانية ترى أنّ تطبيق الشريعة يتم بناء على ما «تقدر، عليه الدولة بحسب ظروفها وإمكاناتها في الوقت الذي تعمل فيه على إزالة العوائق أمام الأحكام التي يتعذر عليها تطبيقه في الحال»، مخالفة بذلك رؤى من يخالفونهم من السلفيين والتي تتمثّل في وجوب «فرض الشريعة الإسلامية بالكامل من خلال القوانين التي تصدرها المجالس البرلمانية، التي كانت يشكّل الإسلاميون فيها الأغلبية، وتعمل الحكومة على فرض الالتزام بها بقوة القانون إجبار السلطة التنفيذية».

المناهضون للرؤية الإخوانية لا يوافقونهم على مبدأ التدرج ابتداء، ويرون أنّ تطبيق الأحكام الشرعية واجب على الفور في حال القدرة والاستطاعة، والشريعة بمجموع أحكامها واجبة التطبيق لمن كان قادرا ومستطيعا على تطبيقها وإنفاذها، ولا يرون مشروعية التدرج في تطبيق الشريعة، ولهم ردود ومناقشات ومساجلات يفندون فيها أدلة القائلين بمشروعية التدرج في تطبيق الشريعة.


المراقب لهؤلاء يجد أن مطالباتهم بتطبيق الشريعة الإسلامية تتلخص في الحقيقة في الفصل بين الرجال والنساء وتطبيق الحدود والجوانب العقابية، والحقيقة التي تتطلب توضيح مثل هذه المطالبات هي مدى الوعي بمعنى تطبيق الشريعة الإسلامية من حيث التدرج والواقعية الذي هو أكبر سمات التشريع الإسلامي.


إن تحقيق المفهوم الشمولي للشريعة لا تتجلى مقاصده إلا عبر تطبيق الشريعة الإسلامية كمنظومة شاملة ومتكاملة في شتى معانيها ومضامينها الواسعة والشاملة، ومنها دائرة الإيمان بالله ودائرة الأخلاق الكريمة والحسنة ودائرة مساعدة الآخرين ودائرة دفع الأذى عن الآخرين، وليس تطبيق الشريعة ينحصر عبر اجتزاء الجانب العقابي منها وجعله رمزا لتطبيق الشريعة في ظل تغييب وتعطيل مقاصدها الكبرى، فالحدود والعقوبات لا يتم تطبيقها إلا ضمن تطبيق منظومة الشريعة الإسلامية الشاملة والمتكاملة، أي في سياق المبادئ والمقاصد والقيم الشرعية الكبرى التي تحققت وتجسدت واقعيا وأصبحت جزءا من حياة الناس في المجتمع .بينما لو تم تطبيق الحدود، أو بعض الأحكام الجزئية السلوكية، في ظل تعطيل القواعد والمقاصد الشرعية الكبرى؛ فإن ذلك لا يعني على الإطلاق أن شريعة الله قد تحققت، بل ربما قد تشوهت وانحرفت وظهرت في صورة لا تحقق مراد الله من تطبيقها.

 ولنأخذ هنا مثالا واضحا وهو حد السرقة وقطع يد السارق، فبعد تحقق كل الشروط والأوصاف، فإن المقرر فقهيا عند المحققين أن السارق لا يطبق عليه الحد إذا لم يتوافر الحد المعقول وليس الحد الأدنى من الحياة المعيشية الطيبة والكرامة الإنسانية. وهذا ما فعله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام المجاعة، حيث رأى أن شروط تطبيق حد السرقة ليست متوافرة، وأنه ليس من العدل أمام شدة الحاجة وظروف المجاعة أن يحاسب إنسانٌ اضطر لمد يده إلى مال غيره ليطعم نفسه أو أسرته. وحين سرق غلمان لحاطب بن أبي بلتعة ناقة لرجل من مزينة، فأتي بهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلم يقطع أيديهم، وقال لسيدهم: ''والله إني لأراك تستعملهم ثم تجيعهم وتسيء إليهم حتى لو وجدوا ما حرم الله عليهم لحل لهم''.

 ثم قال لصاحب البعير: كم كنت تعطي لبعيرك؟

 قال: أربع مئة درهم، قال لسيدهم: قم، فاغرم لهم ثماني مئة درهم.

 من هنا حدد الفقهاء الحقوق الأساسية المعيشية للإنسان في المجتمع المسلم وضربوا لها أمثلة ينبغي أن تتوافر له قبل تطبيق الحدود.

 وهذا الشرط الحقوقي الأساس هو ما يعرفه العلماء بحد الغنى، ومفاده إقامة مجتمع مسلم متكامل في شتى نواحي الحياة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، بحيث يشعر الفرد في ظل مجتمعه الإسلامي بالأمن والاستقرار، ما يوفر له حياة كريمة، فلا يضطر إلى السرقة بسبب الفقر، ولا يضطر إلى الزنا بسبب عدم مقدرته على الزواج، ولا تضطر المرأة إلى الانحراف كي تعول نفسها وأسرتها. بل يذكر بعض الفقهاء أن من صور عدم تطبيق حد الزنا على المرأة أن تكون مكرهة، علما أن صور الإكراه والأسباب التي تلجئ الإنسان إلى اقتراف هذه المعصية ليست محصورة، وللأسف شاهدنا بعض الممارسات من المنتسبين للفكر المتشدد الذي يمارس قشور التطبيق فيبحث عن الأخطاء ويحاسبها دون أن يبحث عن الظروف التي أدت إلى هذه الأخطاء وهل من شريعة الإسلام معالجة الآثار دون الأسباب وهل يسوغ أن يحاسب الناس على أخطائهم التي مارسوها ليس بسبب الانحراف الأخلاقي وإنما الحاجة والفقر في ظل عدم استقرار المجتمع بسبب الحروب والتشريد وتجد هؤلاء الغلاة أصحاب العقل الضيق يسعون حثيثا للدعاية الرمزية بتطبيق الحدود بينما هم صنعوا بأفعالهم كل الممارسات التي أدت إلى انتشار الأخطاء وهذا يمنع تطبيق الحدود، وغاب عنهم المنظومة الشاملة المتكاملة للشريعة الإسلامية التي يتم فيها تطبيق الحدود.

يجب علينا أولا أن نخوض الإصلاح الشامل في شتى المجالات وبناء مجتمع قائم على العلم والمعرفة وانتشار العدالة الاجتماعية والأمن والصحة والرحمة وسيادة القانون السليم وحفظ حقوق الإنسان.

إن تعزيز المعاني الأساسية يطور المفاهيم الشرعية وفق المعاني الصحيحة للأدلة الشرعية التي تكاد تضمر وتختفي في ظل معركة شعار تطبيق الشريعة سواء من المطالبين أو من الممانعين في بعض الدول وبهذه المفاهيم يتم التوازن الحياتي المنشود في قيام الدولة الحديثة التي تحفظ سائر الحقوق للفرد والمجتمع.




إرسال تعليق

0 تعليقات