العاصمة الإدارية
د. محمد إبراهيم بسيوني
عميد طب المنيا السابق
العاصمة الإدارية هو مشروع
واسع النطاق أعلنته الحكومة المصرية في مارس 2015 تقع بين إقليم القاهرة الكبرى
وإقليم قناة السويس بالقرب من الطريق الدائري الإقليمي وطريق القاهرة لكي تكون
المنطقة مقراً للبرلمان والرئاسة والوزارات الرئيسية، وكذلك السفارات الأجنبية، ويتضمن
المشروع أيضاً متنزه رئيسي ومطار دولي.
ويقام المشروع على مساحة إجمالية 170 ألف فدان
ويفترض أن تدب الحياة فيها تدريجيا اعتبارا من العام 2020 وأن يقيم فيها مع مرور
الوقت ستة ملايين شخص. وتعتبر الحكومة المصرية أن العاصمة الجديدة هي محاولة
للابتعاد عن القاهرة القديمة المزدحمة والمكتظة بالسكان. فبحسب الأرقام الرسمية،
فإن القاهرة الكبرى يقطنها الآن 18 مليون نسمة ويفترض أن يصل عدد سكانها إلى 40
مليونا في العام 2050. ستكون المدينة الجديدة ذكية تستخدم التكنولوجيا الحديثة
لتوفير كل الخدمات بها.
العواصم والمدن شأنها شأن
الناس تشيخ وتهرم مع مرور الوقت وتتكالب الأمراض عليها، خصوصا إذا أهملت مشكلاتها
ولم تتم معالجتها اول بأول. ومشكلات العواصم وأمراضها التي تنغص حياة سكانها وتوتر
أعصابهم وبالتالي تقلل إنتاجيتهم، بل تدفع المستثمرين إلى الهروب منها تتلخص في
الكثافة السكانية العالية والازدحام المروري الخانق والتلوث البيئي المستفحل
ومخاطر التعرض للكوارث الطبيعية مثل الحرائق.
كحل لهذه المعضلات عمد بعض
الدول إلى نقل عواصمها الإدارية إلى مواقع جديدة أكثر أمنا وهدوءا وأقل أضرارا،
على نحو ما فعلته البرازيل "برازيليا بدلا من ريو دي جانيرو" ونيجيريا
"أبوجا بدلا من لاجوس" وماليزيا "بوتراجايا بدلا من
كوالالمبور" وميانمار "بايبيداو بدلا من رانجون"، وعلى نحو ما تخطط
له مصر حاليا. آخر الدول التي تفكر الآن في اختيار عاصمة بديلة هي إندونيسيا التي
أصبحت عاصمتها "جاكرتا" مدينة لا تطاق على الرغم من كل ما تحتضنه من
مباهج ووسائل ترفيه وراحة وتسوق.
فهذه المدينة فكر أحمد سوكارنو
الرئيس الإندونيسي الأسبق في التخلي عنها قبل نصف قرن، يوم أن كانت مشكلاتها
محدودة للغاية، لا تنحصر أمراضها في كثافتها السكانية الرهيبة البالغة عشرة ملايين
نسمة إضافة إلى نحو 30 مليون نسمة يترددون عليها يوميا من الضواحي والمدن والبلدات
المجاورة، ولا في العدد الهائل من المركبات والدراجات النارية التي تجوب شوارعها
المترهلة التي تتسب في خسائر قدرت بنحو خمسة مليارات دولار سنويا، ولا في التلوث
البيئي الخانق الناجم عن عوادم المركبات وأدخنة المصانع والمعامل. وإنما يضاف إلى
عللها احتمال تعرضها إلى فيضانات مدمرة أو أمواج مد عاتية أو هزات أرضية مزلزلة،
واحتمال تعرض ثلث مساحتها "ولا سيما الأجزاء الساحلية منها" إلى الغرق
والاختفاء تحت سطح البحر بحلول عام 2050 إذا ما استمرت أعمال استخراج المياه
الجوفية بالمعدلات الحالية.
وبناء على هذه المعطيات أعلن
الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في خطاب متلفز له أخيرا عزم حكومته بناء عاصمة
جديدة قائلا إنه اختار موقعا إلى الشرق من جزيرة بورنيو مكانا للعاصمة الجديدة
التي سيكلف بناؤها نحو 466 تريليون روبية أو ما يعادل 33 مليار دولار أمريكي.
0 تعليقات