الشّعار... في خطاب الحركة الإسلامية
عز الدين
البغدادي
كانت الشعارات من أهم وسائل
الدعوة والإقناع لدى حركات الإسلام السياسي، وهي مشكلة تكشف عن قصور في الرؤية
الدينية والسياسية معا عند هذه الحركات، وهي تعتقد بأن رفع شعار ما كافٍ لإثبات
صدقها أو حقانيتها.
لقد أنكر أبو ذر على معاوية
حينما قال: هذا المال مال الله،، أدرك أن الرجل يحاول أن يستغل اسم الله ليسرق.
قال له: ما يدعوك إلى أن تسمي مالَ المسلمين مالَ الله؟ فقـال معاوية: ألسنا عباد
الله، والمال ماله والخلقُ خلقه والأمر أمره؟ قال: فلا تقُلْه، قال: فإني لا أقول
أنه ليس لله، ولكن سأقول مال المسلمين.…..
قال له: ليس هذا مال الله بل
مال الشعب، وهو للشعب. وهذا يعني أن أبا ذر فهم المقصود من طرح معاوية فأراد أن
يسدّ باب الكذب والدجل واستخدام اللتعبير الديني لغرض سياسي، وأن ينزّه لفظ
الجلالة عـن مثل هذا الطرح الذي أريد به أن يسلب عن الناس ما يستحقونه، لأنه ليس
ماله بل مال الله، وهو خليفة الله، فيكون هو المتصرف به فقط.
وهذا الطرح يذكر بموقف مماثل،
فقد روي أنه بعد واقعة ألطف سأل ابن زياد علي بن الحسين: من أنت؟ قال: أنا عليّ بن
الحسين، قال: أليس قد قتل الله عليَّ بن الحسين؟ قال: قد كان لـــــي أخ يقال له:
علي بن الحسين قتله الناس. قال: بل الله قتلـه، قال: ( اللهُ يَتَوَفَّى
الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ).
لقد فهم عليّ بن الحسين مقصد
ابن زياد الذي أراد أن يعطي لقتل أهل البيت في يوم الطفّ مشروعية عندما نسب الفعل
الى الله. إلا أن علي بن الحسين كان له بالمرصاد: يجب أن تسمي الأشياء بأسمائها.
كما يمكن هنا أن نقف عند موقف
الإمام علي من قضية رفع المصاحف، فقدسية المصحف كانت -ولا زالت- كبيرة في النفوس
لدرجة أنّ القوم ضغطوا على الإمام لإيقاف الحرب لأن عدم إيقافها يعد إهانة
للمقدس.. كان علي ذكيا فطنا عرف وأراد أن يبين للناس أن ما حصل لم يكن إلا لعبة،
إنها اللعبة القديمة في استغلال رمز مقدّس لتمرير أقذر الألاعيب، وهي اللعبة التي
يمكن أن تنتج أثرها، ولا يمكن لعامّة الناس أن يدركوا الخلل فيها.
إن هذه الكلمات التي سمعناها
ونسمعها لا تعبر عن فكرة سياسية بقدر ما هي محاولة للسطو على الدين. حاول هؤلاء أن
يستغلوا بعض المفردات التي تحمـل القدسية ليزوّق بها الجرائم من خلال تنظير ينطلي
على السذَّج من المتدينين. وربما الشواهد التي ذكرتها يمكن أن تبين كم هم متخلفون
حتى بالقياس الى من عاش قبل 1400 سنة.
وأما من حيث الضعف والتخلّف في
فهم السياسة ووظيفتها، فإن السياسي يضع هدفا وبرنامجا، وعندما نريد أن نحدد درجة
نجاحه أو فشله، فلا بد من وجود شيء يمكن قياسه، ويمكن تبعا لذلك أن نحدد نجاحه أو
فشله بشكل موضوعي لا يخضع لرغبة أو اعتقاد الشخص.
عندما كان النبي (ص) يدعو
الناس لم يكن يعدهم بالجنة فقط، بل كان يعدهم بحياة أفضل من حياتهم التي يعيشونها،
لقد كان يعدهم بعيش أفضل، كان يعدهم بسعة العيش وبالعدل والمساواة، ولم يكن الأمر
مقتصرا على الإيمان والتوحيد وبناء المساجد، ونحو ذلك.
وإلا كيف يمكن أن تفهم ما قاله
النبيّ (ص) لعدي بن حاتم عندما جاءه وعرض عليه الإسلام؟ لقد قال له: يا عدي لعلك
انما يمنعك من الدخول في هذا الدين أن رأيت خصاصة من عندنا، فوالله ليوشكن المال
أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه. ولعلك انما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة
عدوهم وقلة عددهم، فوالله ليوشكنَّ أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها
حتى تزور هذا البيت لا تخاف.
لقد تحدث النبي (ص) وهو يدعو
هذا الرجل إلى حياة أفضل، يتحقّق فيها عيش أفضل، وأمن يصل درجة أن المرأة تقطع
الصحراء لوحدها من الحيرة إلى مكة وهي آمنة ومطمئنة حتى لا تخاف أحدا!!
لا يكفي ان يكون الشعار مقدسا
لكي تكون على حق دينيا، فقد قتل علي تحت شعار "لا حكم الا لله"، وإنه
لشيء جميل فعلا أن تقول: "الحكم لله" فالله هو العدل الذي لا يظلم في
حكمه، إلا أن المشكلة هي أن هذا السلطة أو هذا الحكم سيؤول بالنتيجة إلى شخص أو أشخاص.
لذا فعندما تكون سياسيا، وعندما تكون نواياك جيدة ولا تقصد خداع الناس فعليك أن
تعرف أنك يجب أن تقرأ الأمور كما هي ودون شعارات لا يمكن قياس مدى تطبيقها.
0 تعليقات