ما بين الحروب والسياسة هناك أرواح ضائعة
ستار النعماني
كلمة لأحد رؤساء فرنسا قرأتها
ذات مرة ربما كان فرانسوا ميتران ( أنا آخر رئيس لفرنسا ومن يأتي بعدي مجرد ماسكي
دفاتر حسابات) هكذا أتذكرها ورغم التحفظ الموجود عندي على اغلب شخصيات السياسة الأوربية
فكان في خلجات صدري بعض الكلمات لماذا هو آخر رئيس وما أسباب اختياره لنفسه بأنه آخر
رؤساء فرنسا ؟
يعتقد هذا الرئيس وحسب ما افهم
وكل شخص لا يعدو حدود فهمه بان امتداد الرئاسة يجب أن تمتد بموازاة تاريخ شعبها
وجغرافية أرضها وان أي قانون يجب معه الأخذ بعين الاعتبار روح وثقافة وسلوك مجتمعه
بناءا على ماضيه وحاضره ومستقبله وان أي تشريع يجب أن يكون في إطار الثقافة
الفرنسية وان لا تتخطى سلوك البيت الباريسي فهذه العاصمة (باريس) هي عاصمة الأدب
والثقافة والفكر وهي مدرسة علم الاجتماع الحديث نعم هكذا ينظر الرئيس فالدولة
قائمة على ارث حضاري وهناك روح للمجتمع الفرنسي لا يسمح معه لنظريات الدولة أن
تكون حساباتها بين الربح والخسارة والإنتاج فقط على حساب ما تمتلكه فرنسا من تاريخ
وربما يمتلك الرئيس الكثير من الأسباب .
والآن نعرج بقطار التساؤلات
نحو العراق وعلى سكة جمهورياته المتعددة بداية من الجمهورية الأولى بزعامة قاسم إلى
جمهوريته الحالية هل كانت مسؤولية رجال السياسة بحجم العراق وتاريخه وهل اهتمت
بروح المواطن ومشاعره قبل اهتمامها بالقوانين والسياسة وهل كانت هناك قوانين ونظم
سياسية تحاكي روح وهوية وثقافة ومشاعر المواطن ,هناك كثير من الأمم والدول اهتمت
لتاريخها وثقافتها قبل الاهتمام بالدولة فما الدولة إلا نتيجة لجغرافية أو تاريخ أو
معتقد . بل أنشئت أمم ودول على عقيدة حاكت أرواح الكثير وامنوا بها خذ مثلا كنعان
الجديدة (الولايات المتحدة) فحسب ما يقول الكاتب منير العكش فهي عقيدة (ضحت بأكثر
من 112 مليون إنسان و400 ثقافة وأمة مطرودين من اللغات والألسنة والذكريات ورفوف
المكتبات محرومين من فردوس الموت الإنساني مسلوخين من أسمائهم وأرواحهم ).
إن روح الفرد مرتبطة بشكل عضوي بأرضه وتاريخه
وعقيدته وهذا الارتباط بشكل أو بأخر ساهم بالحفاظ على الكثير من الشعوب والأمم
وخصوصا الأمم السائرة في ركب الحضارة وربما يتصور البعض أن التعامل الدولي يكون
بحجم قوة الاقتصاد والقوة العسكرية وعلى هكذا مقاسات يتم تقييم الأمم بعيد عن
التاريخ والعقيدة ويصلح هذا التصور بان يكون جوابا فكل الدول القوية كانت قوتها
نابعة من تاريخها أو ما تؤمن به عقيدة .
إن المواطن كائن بشري لديه من
قوة الشعور ما يكفي لمواجهة التحديات وعليه يجب مراعاة الذوق الإنساني في كل قرار
وقانون فالمشاعر الإنسانية ثابتة نعم ممكن إن تتطور بتطور العقل البشري لكنها لا
تحيد عن الفطرة الإنسانية التي أودعها الله سبحانه وتعالى وبخلاف هذا يعتبر شذوذ
عالجته قوانين السماء قبل قوانين الأرض رغم محاولة الكثيرين الذين حاولوا تغييب
هذا الجانب وذلك بأبعاد المجتمع عن تراثه وفصله عنه بأي طريقة كانت وان سرقة
التاريخ كانت ولا زالت إحدى هذه الطرق الرائجة ينقل مؤلف كتاب محو العراق خطة متكاملة
عن أستاذ علم أثار بلاد النهرين في جامعة شيكاغو ماكغواير غيبسون أن آلاف القطع تم
استخراجها بطرق غير شرعية وتهريب أفضل القطع إلى أوربا وبيعها علنا في ألمانيا
وهولندا أما باقي القطع فتم تهريبها إلى بعض الدول العربية ويضيف المؤلف أن هناك
(72 )موقعا الكترونيا عرضت قطعا أثرية للبيع منها لوحات سومرية وأختاما اسطوانية
ويضيف صاحب الكتاب تعليقا عن الحروب التي حدثت في رواند والبوسنة والشيشان والشرق الأوسط
نقلا عن داوت (لا يتم تدمير البيوت فحسب بل هيبة المنزل ولا يتم قتل النساء والأطفال
وحسب بل أيضا المدينة نفسها مع طقوسها ومناهج حياتها ولا تتم مهاجمة مجموعة من
الناس وبنياتها السفلى وحسب بل تاريخها الاجتماعي وذاكرتها الجماعية ).
ويوجد كثير من الشواهد على ذلك وقد يتوهم البعض
ممن لا يمتلك أي رؤية تاريخية بان هذه العمليات هي للكسب المادي وتحقيق الانتصارات
فقط غير أن التاريخ يقول غير هذا الشيء .
0 تعليقات