خلف الأبواب المغلقة
د. محمد إبراهيم بسيونى
عميد طب المنيا السابق
لعل كتاب الدكتور بطرس بطرس
غالي (١٩٢٢-٢٠١٦) "طريق مصر إلى القدس" وزير الشئون الخارجية المصري
السابق هو واحد من الكتب العربية القليلة التي يروي فيها جوانب من مشاهداته عن تلك
العوالم المجهولة الخاصة بحيوات الوزراء والقادة في الدول التي زاروها خلال المهام
الرسمية التي كلفوا من قِبل دولهم بتأديتها، وواحدة من تلك المواقف الغريبة التي
دوّنها الدكتور غالي في كتابه ما توصل إليه بعض أعضاء الوفد المصري الذي كان
مرافقاً للرئيس السادات في زيارته الشهيرة للقدس، والذي كان هو نفسه من ضمنهم، من
خطة لتسكير وزير الدفاع الأسرائيلي حينذاك عزرا وايزمان في سهرة معاقرة للخمرة
لانتزاع منه قدر من التنازلات المبدئية تقدمها إسرائيل لمصر بحكم قربه الشديد من
رئيس الوزراء مناحيم بيغن، فراحوا يتحرون عن أي صنف من الويسكي يفضله فعلموا
بصنفين يفضلهما ألا هما "جوني ووكر" و"بلاك ليبل" وطلبوا عدة
زجاجات من هذين الصنفين لاستضافته، ولكن لا أحد يعلم عن مدى نجاح خطتهم الخائبة
الغبية في انتزاع تنازلات منه في ظل ذهاب مصر لاسرائيل مجردة من كل أوراق الضغط
ومستجديةً منها سلاماً بتسوية غير عادلة مازالت تعاني القضية الفلسطينية ومصر
والعرب من تبعاتها المُدمرة منذ ٤٩ عاماً بالتمام والكمال.
لكن يظل ما هو أغرب من كل هذه
الحكايات ما رواه الدكتور بطرس غالي في كتابه وفي الحوارات التلفزيونية التي تمت
معه في سني حياته الأخيرة عن حكاية التقائه مع دكتاتور أوغندا عيدي أمين في أحد
منتجعاته في جزيرة جميلة ببحيرة فكتوريا، وهذا الدكتاتور عُرف بغرابة أطواره
المُذهلة حتى اختلطت الحكايات عنها الأسطورة بالواقع، ومن أشهرها إثارة ً ومدعاة
للتقزز تفضيله أكل لحوم البشر بعد ذبح ضحاياها، وكان الدكتور غالي قد اُبتعث من
قِبل الرئيس السادات إلى أوغندا حاملاً رسالة رسمية منه إلى رئيسها عيدي أمين الذي
استضافه بأخذه معه الى احدى استراحاته الجميلة في تلك الجزيرة وأدخله في غرفة نومه
وجلس على سريره فيما جلس غالي على كرسي مواجهاً للسرير فطلب منه الرئيس أن ينهض
ويجلس بجواره على السرير لكن غالي رفض هذا الطلب الغريب بلباقة وهو يهابه من قامته
الفريدة وجسمه الضخم، ثم سأله عما إذا عنده أبناء فأجاب الدكتور غالي بالنفي فأبدى
الرئيس أمين استغرابه الشديد لاسيما ان لديه من الأبناء ما يربو على ال ٥٠ إبناً،
وعرض عليه للتخلص من هذه المشكلة أن يظل في هذه الاستراحة لمدة إسبوعين وسيخصص له
رهطاً من الراقصات يعرفن كيف يمددنه بالقوة اللازمة للإنجاب وكان جاداً لا يمزح في
عرضه، والاغرب من هذه الحكاية نفسها ان هذا العرض الاقتراح، كما رواه الدكتور
غالي، اُذيع رسمياً في نشرات اخبار التلفزة والاذاعة الرسمية ضمن أخبار نشاطات
الرئيس اليومية وعرضه الفذ لحل مشكلة عدم الإنجاب عند ضيف البلاد الدكتور بطرس
غالي لكنه عرف كيف يتخلّص بذكائه الدبلوماسي من مأزق رفضه لعرض الرئيس. وليس
الغريب في كيفية تمكّن جنرال عسكري في الجيش من ان يقوم بإنقلاب عسكري ليحكم
البلاد حكماً فردياً دكتاتورياً بالحديد والنار ويتحكم في رقاب ومصير شعب بأكمله ينوف
سكانه على الثلاثين مليون نسمة كما فعل عيدي أمين العام ١٩٧١، فقد شهد العالم
الثالث العشرات من أمثاله ممن نجحوا في ذلك، بل والأغرب كيف تمكن رجل بهذه العقلية
غير السوية والطباع الغريبة من نيل هذه الرتبة العسكرية العليا في الجيش دون أن
يشعر رؤساؤه بذرة تنبئ بها تصرفاته ومسلكياته اليومية طوال حياته العسكرية والذي
قضى شطراً منها في خدمة المستعمرين الانجليز.
0 تعليقات