آخر الأخبار

الممر .... سينما بجد (2)








الممر .... سينما بجد (2)

محمود جابر

لم تكن السطور الأولى حول فيلم " الممر" سوى مفتتح ومدخل، وأنا هنا لن أتحدث عن الأبعاد القيمية والوطنية للعمل ولكن الحديث سيكون خالصا عن موضوع الفيلم فنيا، باعتباره سينما، وباعتباره إبداعا وإمتاعا ...

تبدأ أحداث الفيلم بعد النكسة مباشرة، الفترة التي تعرف باسم "حرب الاستنزاف" التي تمثل البداية الحقيقية لنصر أكتوبر، وتدور أحداث الفيلم، التي تستمر لساعتين ونصف الساعة، حول مهمة ضرب معسكر للعدو في سيناء، يضم احتياطي كبير لسلاح العدو، ويتم تكليف الضابط "نور" أحمد عز بهذه المهمة، ولإضفاء المزيد من الصعوبة على العملية، نعرف أن هذا المعسكر يضم مجموعة من الأسرى المصريين.

وحينما نتناول قضية الإنتاج فنجد أن المبلغ المرصود لإنتاج فيلما سينمائيا توثيقيا لبطولات الجيش المصرى والتى تم رصد مبلغ 100 مليون جنية مبلغ أقل من البسيط، ولكن جهود الشئون المعنوية للقوات المسلحة وما قدمته من تسهيلات وملابس وعربات وطائرات جعلت المهمة ممكنة لعبور مانع تقديم الفيلم .

واستطاع كاتب القصة ومخرجها المحترم شريف عرفة بالمشاركة مع الشاعر أمير طعيمة في أولى تجاربه في الكتابة للسينما، من خلال تركيبة الشخصيات التي قدم الفيلم من خلالها عدة رسائل سياسية/اجتماعية، فلأول مرة في الأفلام التي تناولت الحرب نجد تمثيلا لكل مكونات المجتمع المصري، من النوبة، للصعيدي، للقاهرة، لوجه بحرى، وأخيرا البدوي، الذي كثيرا ما تعرض للظلم لدرجة وصمه في بعض الأحيان بالخيانة، كل مكونات المجتمع المصري التي اكتوت بنيران الهزيمة، كانت حاضرة فى العناصر المكونة للحدث فى صياغة فنية اجتماعية سياسية ممتعة.


الخط الدرامي الصاعد للفيلم لم يشهد أية قطع أو ارتداد للماضي، باستثناء عدة مشاهد تسجيلية دعم بها المخرج محاولات إشعار المشاهد بمعايشته الأحداث في وقتها الحقيقي، وكما استعرض المخرج الحالة النفسية السيئة للمصريين بعد الهزيمة، أظهر كيف أن هذه الحالة لم تدم طويلا وتحولت إلى رغبة محمومة في الانتقام واستعادة الأرض، وهو ما شاهدناه في موقف محمد الشرنوبي الذي قرر ترك حبيبته لعدم معرفته متى وكيف ستنتهي الحرب، فالحقيقة أنه في مثل هذه الأوقات لا حب يعلو على حب الوطن، وهذه نظرية كان هلال السوهاجى الصعيد يقف على نقيضها مع فرحة البدوية .

ولم يكن مشهد الشرنوبي وخطيبته، أو مشهد "القائد نور" أحمد عز وزوجته هند صبري، آخر عهدنا بالرومانسية في الفيلم، لكن ظهرت الرومانسية بشكل آخر خلال المعركة والتحضير لها بين "هلال" الجندي القناص الصعيدي الذي يقوم به الفنان محمد فراج، وبين "فرحة" البدوية التي تقع في حبه وتقدمها أسماء أبو اليزيد.



أمسك شريف عرفة بخطوط السرد التي توزعت بين شخصيات الفيلم، وحركها بحرفية شديدة، وتنقل بين الخط الشخصي لكل منها وبين الخط العام ودوره في المعركة، انتقالا ناعما أدخل المشاهد في تفاصيل الشخصيات بشكل تدريجي أفاد الدراما، حتى لو كان الثمن طول مدة الفيلم.




تقديم فيلم حربي لا يعني أن نشاهد معارك وتفجيرات وقتلا وانتقاما فقط، فرغم أن هذه المشاهد تم تقديمها على مدار الفيلم بشكل جيد، فإن الأقوى منها في إيصال صعوبة الحرب وقسوتها على كل الأطراف، تقديم نفسيات الشخصيات التي عاشت هذه الحرب، حتى لو لم تكن شخصيات عسكرية مثل شخصية "المصور الصحفي" المصاحب للعملية الذي قدمها أحمد رزق، الذي شكل ثنائي كوميدي مع الجندي "إسماعيل عامر" الذي قدمه الفنان محمود حافظ.
وكانت تفاصيل الشخصيات أكثر بروزا مع رزق تفاصيل لم تتناول فقط حياته الاجتماعية قبل الالتحاق بالمهمة أو بعدها، ولكن تفاصيل تناولت ملابس الستينات بكل حرفية فى الملابس والإكسسوار .

أداء الفنان إياد نصار، ضابط الجيش الإسرائيلي كان رائعا، قدم الدور بشكل غير تقليدي، وشاهدنا شخصية الإسرائيلي بشكل مختلف عن الشكل النمطي الذي تتمسك به الأعمال الفنية العربية كلها، ودخل في مباراة تمثيلية قوية مع أحمد عز قادها شريف عرفة بحرفية عالية، وادخل فيها صناعة الاكشن وحركة الكاميرا وتغيرات نمط الإضاءة واستطاع أن يلتقط الانفعالات عبر الكاميرة بشكل ساحر يجعل المشاهد طرفا فى المعركة .

كما تفوق الفنان أحمد فلوكس في تقديم شخصية الأسير المصري، الذى يعتز بنفسه وجنديته، ويقدم باقى الجنود فى الأسر كأبطال وليسوا فئران مذعورة يطيعون أوامر قائدهم حتى فى أحلك الظروف، الضابط محمود أو فلوكس الذي يدخل في جدل مع الجندي الإسرائيلي "إياد نصار"، والذي لم يفقد إيمانه بمعركته وقوته وقناعاته، وثقته في النصر واستعادة الأرض، رغم موقفه الذي لا يحسد عليه.

الممر يعيد ثقة المشاهد والمنتج فى صناعة سينما يمكن للأسرة أن تتابعها وتقتطع من وقتها من أجل الذهاب الى دور السينما من أجل قضاء وقتا ممتعا دون خدش حياء الأسرة أو أحداث مملة وعنف مفتعل ..
وللحديث بقية مع  حلقة جديدة من فيلم الممر






إرسال تعليق

0 تعليقات