آخر الأخبار

الممر ... سينما بجد"3"




الممر ... سينما بجد"3"

محمود جابر

بعد أن انتهينا فى الحلقتين الماضيتين عن الصناعة السينمائية فى فيلم الممر، ولو أنى ما زلت لم أوفى الفيلم حقه من الحديث عن التصوير والسيناريو والحوار والملابس والصوت والخدع السينمائية ووو وغيرها من العناصر المختلفة التى تساعد على صناعة الصورة وتحريكها ( فن السينما) من الناحية التقنية البحتة والى أجزم واقطع بأنها من أروع ما أنتجته السينما المصرية على مستوى تكنيك الصناعة وجودتها .

الممر قيميا ....
إنّ السينما وما تعرضه من أفلام ليست وسيلة ترفيه وحسب، وليست عاملًا لقضاء الوقت وتضييعه، وإنّما هي وسيلة تنتمي جنبًا إلى جنب مع الدين والفلسفة والفكر في الحياة، وهي وسيلة تجعل الفرد أكثر حكمةً ونضجًا وتساعده على النمو والمعرفة. وقد اقترح أرسطو قديمًا أنّ مشاهدة العروض المسرحية التراجيدية تلعب دورًا هامًا في خلق هزات داخلية عند الفرد، وإرشاده للمعرفة الذاتية؛ فرؤية البطل وهو يخطئ ويعاني نتائج خطئه يمكن لها أن تحفّز الخوف والرثاء عند المشاهدين، وتتركهم مع أسئلةٍ حقيقية عن النفس والضمير، والأخلاق والدين، والمجتمع وغيرها الكثير.
هذا وتساعدنا الأفلام في تشكيل دليل داخلي ومرجع سلس يمكننا اللجوء إليه لفهم أنفسنا، كما تعطينا نماذجَ يُحتذى بها في الأخلاق والاجتماعيات والأديان والإنسانية والجوانب الشخصية البحتة، من خلال طرح الأمثلة التي تنشّط العقل والضمير، وتخلق له مهمة التفكير والبحث عن الإجابات لفهمٍ أشمل وأعمق للذات والنفس والآخرين بل والحياة.


وقد شاهدنا فى حياتنا كيف أن السينما كان لها تأثير مباشر على سلوك الجمهور ، ويمكن فى هذا الخصوص ذكر المئات من النماذج السلبية فى السينما والمسرح والدراما ، وكيف كان تأثير مسرحية " مدرسة المشاغبين " على سلوك الطلاب فى المدارس المصرية ولا أغالى أن قلت أن نموذج المقدم فى تلك المسرحية تعدى من المجتمع المصري إلى المجتمع العربى .

وكيف وجدنا أن العديد من أفلام العنف كـ " الالمانى " مثلا كان لها الأثر السيئ فى التأثير على النشىء وحوارات الشباب بعضهم مع بعض .

ولكن فى المقابل نجد أن أفلام مثل الطريق إلى إيلات وإعدام ميت و يوم الكرامة وناصر 56 كيف كان تأثيرها على الجمهور من غرس قيم الوطنية والانتماء ومعرفة مدى التضحية التى قدمها أبطال تلك الأعمال فى سبيل رفعة هذا الوطن ..
فان عدنا الى التاريخ نرى السينما كانت تعتمد على شباك التذاكر الذي هو يقرر نجاح الفيلم من عدمه ليقرر بعد ذلك تسويقه و توزيعه و السبب في ذلك هو السيناريو الذي كان يكتب بأيدي مبدعين و عباقرة، ولكن فى السنوات الأخيرة  وجدنا سبات بسبب السيناريوهات التي أصبحت فقط لاستهلاك المحلي و غابت عنها لغة الإبداع تماما و أصبحت فقط للمشاهدة مرة واحدة فقط، ووجدنا فى السنوات الأخيرة صعود بولييود في الهند التي تفوق مبيعاتها سنويا من الأفلام بأضعاف كل الأفلام العربية بسبب تنوع السيناريوهات و الإنتاج و الإخراج،  و لاننسى السينما الإيرانية من أمثال محسن مخملباف هو و ابنته نلا جائزة أفضل فيلم في مهرجان كان السينمائي عام 1998 في فيلم الصمت عن قصة طفل اعمي يتعلم عزف موسيقى بيتهوفن الخامسة لينتصر على بصره و جعفر بناهي و عباس كيارستومي و غيرهم من المخرجين الايرانين الكبار .و هنا يكمن التغيير في صناعة السينما من خلال كتابة السيناريوهات و الانفتاح على أفكار جديدة من اجل سينما أكثر إنسانية و باحتضان من مسئولين دول و إشراف حكومات من دون رقيب على المبدع بل على المسيئ للذوق العام من اجل نهضة حقيقة في صناعة السينما .
ولعل كل هذا التراجع تلاشى حقيقيا فى فيلم الممر

ونأتي إلى الممر ....
الممر من البداية يدخلك إلى عالم مسحور من الحزن والانكسار والهزيمة ومرارتها، لدرجة أن هذه المشاهد تدخلك إلى لحظة النكسة الحقيقية ...
كما أن الفيلم يعيد تقديم المرأة المصرية ودورها الوطني فى علاج جراح الهزيمة كالزوجة التى تهدهد زوجها وتدفعه دفعا لنفض غبار الهزيمة عنه ، وهو ما قدمته الفنانة هند صبرى زوجة الضابط " نور" أحمد عز.
ويقدم المرأة المصرية " السيناوية " كبطلة تقدم الحياة للجنود الجائعين بدلا عن أخوها المعتقل فى معسكر العدو، وتبث  " فرحة" الفنانة أسماء أبو اليزيد روح الحب من النظرة الأولى فى قلب الجندى القناص هلال السوهاجى " الصعيدى"  الفنان محمد فراج لترتبط مصر من طرفها الشمالى " السيناوى" بقلب الصعيد الجوانى " سوهاج" .


السيدة العجوز القوية الشامخة الصابرة المرابطة التى هى على يقين بان ابنها فى الأسر ولم يمت بعد قدمته " انعام سالوسة" ضيف شرف الفيلم ورغم انه لحظة فى مشهد ولكنه كان مفعم بكل معانى الأمومة والصبر .
مشهد الإحباط لا يمنع بزوغ فجر الثأر، فالجندي النوبي " عامر" الذى قدمه المطرب أمير صلاح الدين  المحبط من الانتقال من النوبة الى القاهرة، والمحبط ثانيا من هزيمة 67 يدفعه مولوده الجديد بان يبحث عن موليد آخر فى النصر والشمس الجديد كما كان يحدثهم الضابط " نور" الشمس اللى جاية بالنصر ...
ولكن مشهد دخول الضابط ديفيد الفنان إياد نصار المتألق يصف كيف كان الصراع مع مصر عبد الناصر فى مشهد يؤكد أن ناصر رغم هزيمته فهو ما يزال يخيف العدو المنتصر فى حرب 67.

الفيلم يرصد كيف ان المعركة والبحث عن النصر يقلب موازين الحياة لدى المجتمع والأفراد كما هو حال أحسان الصحفي والمراسل الحربى الذى قام بدوره الفنان أحمد رزق، وكيف كان رزق فى دور أحسان انسان بسيط غير متكلف مثله مثل عامر وهلال وإسماعيل ومئات الجنود والضباط وكل المجتمع المصري ...

الذى تحول فى لحظة واحدة الى جندى فى ميدان واحد ... الممر ينتقل بالمشاهد من حالة التلقى الى حالة الانفعال لدرجة ان العديد ممن شاهدوا الفيلم مرة شاهدوه مرة ثانية وثالثة ورابعة وفى كل مرة كانوا يقولون أنهم يشاهدوا الفيلم للمرة الأولى من درجة انفعالهم مع السيناريو والقصة المفعمة بالإحساس والانفعالات والقيم وجودة الصناعة ..

والممر وضع المجتمع المصرى كله كما يقول الفنان العظيم عبد الحليم حافظ فى "صورة" صورة واحدة كل الوانه وجغرافيته وحتى المصرى المسيحى لم يغفل عنه الفيلم فيلم فلم يكن الجندى المسيحى جورج مجرد جندى ولكنه كان جندى وذو حس مرهف وشاعر ..

فى النهاية تحية للشريف عرفة ولكل فريق الفيلم، وتحية للشئون المعنوية التى أعادة حالة الإمتاع للأسرة المصرية وللمشاهد المصري والعربي .







إرسال تعليق

5 تعليقات

  1. هذا الفيلم واحد من علامات السنما المصرية

    ردحذف
  2. الممر ابداع فى السيناريو والقصة

    ردحذف
  3. اياد نصار كان بطلا فوق العادة

    ردحذف
  4. شكرا انعام سالوسة وشريف منير وحجاج

    ردحذف