هواوى تثير الرعب فى أمريكا والغرب
د. محمد ابراهيم بسيوني
عميد طب المنيا السابق
في العام الماضي 2018 باعت
شركة هواوي الصينية 200 مليون هاتف محمول في جميع دول العالم، لتصبح بذلك ثاني
أكبر شركة لإنتاج الهواتف النقالة في العالم، وإحدى أكبر شركات التكنولوجيا
الدولية والشركة الرائدة الأولى في مجال الاتصالات في الصين.
وبقدر النجاح الذي حققته الشركة الصينية، فإنها أثارت
لغطا كبيرا على الساحة الدولية، وكانت محل جدل عنيف بين الولايات المتحدة وعديد من
حلفائها من جانب، والحكومة الصينية وكبار المسؤولين في الشركة من جانب آخر.
وأصبحت أستراليا آخر المنضمين للتحالف الغربي بقيادة واشنطن
ضد هواوي الصينية، والتي كانت نيوزيلندا أول من انضمت إليه.
فقد حظرت أستراليا أعمال هواوي بشأن توريد معدات شبكة
الجيل الخامس للمحمول، وأرجع المسؤولون الأستراليون هذا القرار إلى ذات المبررات
التي بنت عليها الإدارة الأمريكية عداءها للشركة، وتمثل في مخاطر التدخل الأجنبي
والاختراق الإلكتروني، وبالطبع رفضت هواوي ما وصفته بالتعاطي غير العادل معها.
بريطانيا أيضا أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة الذين
تثير فيها هواوي خلافا ملحوظا بين الخبراء الأمنيين والمسؤولين الحكوميين.
فوزيرا الخارجية والدفاع البريطانيين يبديان قلقا معلنا
بشأن الشركة، وتأثيرها على الأمن القومي البريطاني، ويسعيان لتمرير قوانين جديدة
بشأن الاستثمار في بريطانيا، ستسفر عن منع شركة هواوي من المشاركة في المناقصات
الخاصة بالمشاريع ذات الاحتياجات التكنولوجية الحساسة.
وفي السياق ذاته، أصدرت الحكومة البريطانية تقريرا
انتقدت فيه بشدة شركة هواوي، وجاء فيه بأن "هناك ضمانات محدودة بشأن إمكانية
التصدي للمخاطر الأمنية طويلة الأجل الناجمة عن معدات هواوي التي يتم نشرها حاليا
في المملكة المتحدة".
على الجانب الآخر، يقف عدد من الخبراء الأمنيين في مجال
التكنولوجيا في المملكة المتحدة، معربين عن قناعتهم بأن أي خطر يمثله إشراك الشركة
الصينية في مشاريع الاتصالات البريطانية، يمكن السيطرة عليه وإدارته، وأن التقرير
الحكومي فشل في تأكيد وجود أي دليل ملموس على أن الشركة يمكنها اختراق الأمن
القومي البريطاني، وأنهم على ثقة بأن الأجهزة الاستخباراتية البريطانية لديها
رقابة وفهم فريد لهندسة هواوي".
ويقول روني كين خبير أمن
المعلومات البريطاني، إن "المخاوف الغربية من الشركة الصينية تتمحور في
تمتعها بعلاقات وطيدة مع الحكومة الصينية، وطموحاتها الكبيرة للهيمنة على سوق
الجيل الخامس من تقنية الهواتف المحمولة 5G، كما أن
الطبيعة الشمولية للنظام السياسي الصيني يجعل من الصعب على أي شركة في القطاع
الخاص هناك، أن ترفض مطالب المسؤولين الحكوميين في سعيهم لجمع المعلومات الخاصة
بالمواطنين الغربيين والمنظمات أو الحكومات المعادية للصين أو الحليفة للبلدان
الغربية، كما يمكن لهواوي أن تتجسس على الشركات الأمريكية أو الأوروبية، ما يجعل
المنافسة التجارية أكثر صعوبة".
وربما يكمن أحد أبرز
المخاوف الغربية من شركة هواوي في طبيعة العلاقة القوية التي تربطها بالجيش
الصيني، فمؤسس الشركة رين زينجفي ليس عضوا في الحزب الحاكم الصيني فحسب، ولكنه
مهندس يعمل في الجيش أيضا، وهو ما يثير مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها، ويعزز
القناعة بأن الشركة لن يكون لديها إلا الامتثال لطلب السلطات الصينية بتسليمها أي
معلومات جمعتها في دول أخرى.
الدكتور آدم جونسون أستاذ الاقتصاد الآسيوي في جامعة
لندن، يعتقد أن المخاوف الأمنية بشأن الشركة الصينية التي تروج لها الولايات
المتحدة والدول التي تقبل بوجهة نظر واشنطن مبالغ فيها، أو أنها غطاء ليكتسب
موقفها المتعنت من شركة هواوي شعبية بين مواطنيها.
ويكمن القلق الرئيس من وجهة جونسون مما تمثله الشركة من
تحد للهيمنة الغربية على قطاع الاتصالات والتكنولوجيا الاستراتيجي.
ويضيف أن قطاع الاتصالات في المنظومة الاقتصادية العالمية
خاصة في البنية الأساسية لاقتصاد البلدان الرأسمالية عالية التطور وأعني الولايات
المتحدة وأوروبا الغربية واليابان، قطاع استراتيجي بحسبانه قاطرة تقود التطور
التكنولوجي في العالم، ومن ثم تضع تلك القاطرة الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور
في مكان ريادي تكنولوجيا وتجعل لها قصب السبق الحضاري، كما تمكنها من الهيمنة على
مسار التطور الاقتصادي الدولي عبر هذا القطاع".
ويشير جونسون إلى: "أن شركات الاتصال الكبرى مثل
"أبل" تمثل رافدا رئيسا للاقتصاد الأمريكي فيما يتعلق بالمدخلات
المالية، ونمو هواوي سيقتطع حتما من حصة "أبل" على المدى الطويل، ما
يمثل تراجعا ماليا لا بد أن تعمل واشنطن على التصدي له مبكرا".
وتتفق وجهة النظر تلك مع تصريحات كين هو جين تاو نائب
رئيس مجلس إدارة شركة هواوي، الذي صرح خلال مؤتمر دافوس الأخير، بأن الشركة تتحمل
العبء الأكبر من الأضرار الناجمة عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
ويبدو إذا الصراع مع هواوي جزءا لا يتجزأ من الحرب
التجارية التي تخوضها الولايات المتحدة ضد الصين، وأن الجانب الصيني يفهم القضية
في إطار هذا الصراع، خاصة مع تصريح يو تشينجدونج، رئيس فرع المنتجات الاستهلاكية
في هواوي بأنه "مع أو بدون السوق الأمريكية، بإمكاننا تبوؤ المركز الأول في
المبيعات عالميا".
وهذا الشعور الصيني بأن لدى هواوي قدرة تنافسية قوية
وتقنيات متقدمة في مجال الابتكار، توجد قلقا حقيقيا وتعزز الريبة لدى صانع القرار
السياسي في الولايات المتحدة، تدفعه إلى تبني موقف متشدد من الشركة.
لكن بعض أساتذة السياسة الدولية يعيبون على الصين بأنها
تتخذ خطوات لا تعمل على نزع فتيل الأزمة، بل تعزز من دعاوى التيارات المتشددة في
الغرب ضد شركة هواوي.
الدكتور آرثر فوستر أستاذ السياسة الدولية في جامعة
جلاسكو يرى أن تصديق الحزب الصيني على قانون الاستخبارات، الذي تضمن تعريفا هلاميا
للاستخبارات، يفتح الباب على مصراعيه لجمع المعلومات بأي شكل من الأشكال.
ويقول إن المادة 7 من قانون الاستخبارات الصيني تجبر
المنظمات والمواطنين على تقديم الدعم والمساعدة والتعاون مع العمل الاستخباراتي
الوطني، وعلى الرغم من أن الجانب الصيني أوضح مرارا أن تلك التفسيرات الغربية
مبالغ فيها، وأنه يساء تأوليها وتفسيرها، إلا أنها تضع أرضية قانونية يمكن من
خلالها معاقبة أي مواطن صيني غير متعاون مع سلطات بلاده".
ومع هذا، فإن التضييق الذي تتعرض له هواوي لم يمنعها من
مواصلة المسير نحو العالمية، فالشركة لديها عديد من الأنشطة الاستثمارية الأخرى في
مجال الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي، وحتى في مجال الهواتف المحمولة فقد
تجاوزت شركة أبل في عدد الأجهزة التي كانت تشحنها إلى جميع أنحاء العالم، وهذا
الارتفاع في الإنتاج والتوزيع لا يزال يعكس ارتفاعا في شعبية الشركة خاصة في
الموديلات ذات الأسعار المنخفضة.
ويوضح الدكتور آرثر دان أستاذ هندسة شبكات الاتصال في
جامعة ليدز، أن "استمرار هواوي في النمو لن يعتمد فقط على المواقف السياسية
للعواصم الغربية، وإنما يعتمد على مدى مقارنة منتجات عملاق التكنولوجيا الصيني
بمنافسيه. فالشركة في الماضي كانت متهمة مثلها مثل عديد من الشركات الصينية الأخرى
بنسخ التكنولوجيا المطورة في الغرب، ومن ثم تقليص منافسيها عبر بيع منتجاتها
بأسعار منخفضة".
لكن الشركة الصينية، وفقا للدكتور آرثر دان، تتفوق
حاليا على عديد من اللاعبين العالميين الآخرين في البحث والتطوير لاكتساب ميزة
مستقبلية، وسبق للشركة خلال الأزمة المالية التي ضربت البلدان الرأسمالية عالية
التطور في التغلب على الصعوبات المالية التي واجهتها من خلال التركيز على السوق
الصينية المحلية، وهو ما يمكن أن تلجأ إليه مرة أخرى إذا فقدت عقودها في الغرب.
0 تعليقات