آخر الأخبار

شاه إيران والصراع العربي الإسرائيلي.





شاه إيران والصراع العربي الإسرائيلي.


بقلم : عمرو صابح


تبدو العلاقة التى ربطت بين الرئيس الراحل أنور السادات وشاه إيران الأخير محمد رضا بهلوى لافتة للنظر ومثيرة للتساؤلات، فشاه إيران الراحل كان واحد من أشد أعداء مصر والعرب كافة ومواقفه المعادية للعرب والتى تتسم فضلا عن العداء بالاحتقار أيضا معروفة للجميع ، فالشاه محمد رضا بهلوى اعترف بدولة إسرائيل اعترافا فعليا عام 1948 ، وإن تمهل بعض الشئ فى الاعتراف بها قانونيا، وقد قامت بين إيران وإسرائيل فى عهده علاقات ثقافية وتجارية وعسكرية وتنسيق كامل بين أجهزة المخابرات المدنية والعسكرية، و كان الشاه منذ نشأة إسرائيل وطوال فترة حروبها مع العرب حتى سقوط عرشه هو ممولها الأول بالبترول الإيرانى الذى تحركت به مدافعها ودباباتها وطائراتها وغواصاتها لقتل العرب.


وفى يوليو 1960 قرر الشاه إقامة تمثيل دبلوماسى كامل بين إيران و إسرائيل ، ورأى الرئيس عبد الناصر فى ذلك سابقة خطيرة لأنها ستكون أول مرة تعترف فيها دولة إسلامية بإسرائيل اعترافا كاملا ، وقد يتخذ هذا كذريعة لدول أخرى فى أفريقيا و أسيا


لذا وجه الرئيس عبد الناصر تحذيرا عنيفا للشاه فى خطاب عام تحدث فيه عن خطورة اعتراف الشاه بإسرائيل ، وانه بهذا الاعتراف يؤكد للعالم كله و لشعبه أنه ألعوبة فى يد المخابرات المركزية الأمريكية التى أعادته إلى العرش بعد الانقلاب المضاد على ثورة مصدق ، كما حذره الرئيس عبد الناصر بأن نهايته ستكون كنهاية أمثاله من العملاء وخدم الولايات المتحدة الأمريكية .


وقد تسبب تقريع الرئيس عبد الناصر للشاه فى قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، ولكنه أفسد مخطط الشاه بالاعتراف الكامل بإسرائيل ،فاكتفى بإقامة بعثة لرعاية المصالح بين البلدين .


وفى نفس الوقت عندما اتصل الثوار الإيرانيون بأجهزة المخابرات المصرية عبر السيد / فتحى الديب – رجل عبد الناصر للمهام الخاصة بدعم حركات التحرر الوطنى – وطلبوا مساعدة الرئيس عبد الناصر ، وافق عبد الناصرعلى دعمهم ومساعدتهم وفتح لهم معسكرات التدريب على السلاح وأعمال المخابرات ، كما أمر بتخصيص إذاعة موجهة للشعب الإيرانى باللغة الفارسية تحضه على الثورة ضد حكم الشاه .


وعندما بدأ الخومينى نضاله الثورى ضد حكم الشاه بعث برسائل لجميع حكام العالم العربى والإسلامى يطلب منهم مساعدته فى نضاله ، كان الرئيس المسلم والعربى الوحيد الذى استجاب له هو الرئيس عبد الناصر الذى أمر أجهزته بدعم الثوار وتقديم كل المساعدات اللازمة لهم من مال وسلاح وإذاعات .


وكان السيد/ فتحى الديب هو المسئول عن تنسيق العلاقات بين الرئيس عبد الناصر و الخومينى أثناء إقامة الخومينى فى باريس ، وكان الرئيس عبد الناصر هو الذى طلب من الخومينى نقل إقامته إلى العراق ليكون قريبا من إيران ، كما طالب عبد الناصر الحكومة العراقية بتسهيل إقامة الخومينى فى العراق ، وتوفير كل احتياجاته ، بعد وفاة الرئيس عبد الناصر طردت الحكومة العراقية الخومينى من العراق، فعاد مرة أخرى إلى فرنسا .


فى يونيو 1966 زار رئيس الوزراء الإسرائيلى ليفى أشكول إيران والتقى بالشاه من أجل التنسيق معه للحرب المقبلة ضد مصر ولتأمين احتياطات إسرائيل البترولية خلال فترة الحرب وقد وجه أشكول للشاه سؤالين


الأول: هل جمال عبد الناصر عدو لإيران كما هو عدو لإسرائيل أم لا ؟


وأجابه الشاه بالإيجاب


والثانى : هل نقف ساكتين أمام عدو مشترك أم نتحرك للقضاء عليه بتنسيق جهودنا معا للخلاص منه ؟


وقد وافقه الشاه على ضرورة التنسيق سويا للخلاص من عبد الناصر


وبالفعل مع بداية عام 1967 كان لدى إسرائيل مخزون احتياطى من البترول الإيرانى يغطى جميع احتياجاتها لمدة 3 شهور .


اعتبر الشاه انتصار إسرائيل فى حرب 1967 نصرا شخصيا له وأعتقد أن نظام حكم الرئيس عبد الناصر قد انتهى بهذه الهزيمة وهو مالم يحدث ، وطوال فترة حرب الاستنزاف من 1967 – 1970 كان الشاه يواصل تمويل إسرائيل بالبترول الإيرانى .


عقب نجاح انقلاب الرئيس السادات على الثورة فى مايو 1971 ، وبعد الزج برجال الرئيس جمال عبد الناصر فى السجون ، قرر الرئيس السادات إيقاف كل المساعدات للثوار الإيرانيين كما أغلق الإذاعة الموجهة باللغة الفارسية للشعب الإيرانى لحضه على الثورة ضد الشاه .


وعندما اندلعت حرب أكتوبر 1973 قرر الاتحاد السوفيتى إرسال معدات وأسلحة عبر جسر جوى سوفيتى لكلا من مصر وسوريا لتعويضهما عن خسائرهما فى المعركة الدائرة ، رفض شاه إيران رفضا مطلقا أن يمر الجسر الجوى السوفيتى فوق المجال الجوى الإيرانى وذلك حتى يتيح الفرصة لإسرائيل لكى تسترد أنفاسها وحتى يعطل وصول المعدات والأسلحة السوفيتية للعرب لأطول وقت ممكن، وكانت تركيا هى التى فتحت مجالها الجوى لعبور الجسر الجوى السوفيتى .


ورغم تحالفه الوثيق مع إسرائيل خلال تلك الحرب إلا أن الشاه كان أكبر المطالبين برفع أسعار البترول مدفوعا بنصائح من شركات البترول الأمريكية ،


فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية هى المستفيد الأكبر من قرار رفع سعر البترول


حيث تخبرنا الأرقام أن نصيب العرب مجتمعون من فوائض البترول عام 1974 وعقب قرارات الخفض الانتاجى ورفع الأسعار بلغت 60 مليار دولار ، أما شركات البترول ومعظمها أمريكية فبالإضافة إلى أرباحها من ارتفاع الأسعار لخام البترول ، حصلت من عملياتها البترولية الأخرى ( التكرير و التسويق ) على 7 دولارات صافى ربح مقابل كل دولار حصلت عليه الدول المنتجة للبترول ، أنعش قرار رفع أسعار البترول الاقتصاد الأمريكى عبر الودائع والاستثمارات العربية الهائلة فى البنوك والشركات الأمريكية ، فقبل حرب أكتوبر 1973 كانت الولايات المتحدة تواجه عجز فى ميزان مدفوعاتها ، الذى تحسن ابتداء من عام 1974 بفضل الارتفاع الصاروخى لأسعار البترول ، كانت أوروبا واليابان أكثر المتضررين من قرار رفع أسعار البترول.


عقب الحرب وأثناء مفاوضات فك الاشتباك الأول على الجبهة المصرية ، أصدرت الحكومة العراقية بيانا ضد هذه المفاوضات ، أشتكى منه الرئيس السادات لوزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر ، فأبلغه كيسنجر أنه سيكفيه شر أى شئ يجيئه من العراق ، وكتب على الفور رسالة إلى شاه إيران ، و فى اليوم التالى مباشرة من حديث الرئيس السادات مع كيسنجر ، كانت قوة عسكرية إيرانية تقتحم الحدود العراقية وتشتبك مع نقطة حدودية عراقية ، انشغلت الحكومة العراقية بهذا العدوان على أراضيها حتى تم توقيع فك الاشتباك الأول .


يقول الكاتب الصحفى الكبير أحمد بهاء الدين فى كتابه ( محاوراتى مع السادات ) أن الرئيس السادات عام 1974 صارحه بإعجابه الشديد بشاه إيران وذكاؤه الخارق ، وصارحه بأنه يعتبره مثله الأعلى بين كل حكام العالم ، وأضاف الرئيس السادات فى حديثه للأستاذ أحمد بهاء الدين إن سر عظمة الشاه تكمن فى إدراكه أن هناك قوة عظمى واحدة فى العالم هى الولايات المتحدة الأمريكية ، وإن كل الذين عادوا أمريكا


( نهرو – نكروما – سوكارنو – عبد الناصر ) تخلصت منهم إلا الشاه الذى أعادته أمريكا لعرشه عقب ثورة مصدق ، وتعمل جاهدة على الحفاظ على نظام حكمه وتلبية رغباته.


توطدت علاقة الرئيس السادات بالشاه سياسيا وشخصيا عقب اختيار الرئيس السادات


للطريق الأمريكى لحل الصراع العربى الإسرائيلى وربما قبل ذلك ، وبدء من عام 1974 توثقت علاقات الطرفين وبدأ نوع من التحالف بينهما ، وأشترك السادات مع شاه إيران فى نادى السافارى وهو حلف ضم 5 دول ( فرنسا – السعودية – إيران – مصر – المغرب )


كان هدفه حماية المصالح الاستعمارية فى أفريقيا عبر محاربة التسلل الشيوعى فى القارة السمراء ، وعندما تعرض عرش الديكتاتور موبوتو للخطر فى الكونغو ، تدخلت قوات مصرية ومغربية تابعة للنادى لإجهاض التمرد وتثبيت موبوتو على عرشه ، كما حارب نادى السافارى الثورة الشيوعية فى أثيوبيا التى قادها منجستو هيلا ميريام ، كان نشاط نادى السافارى يتم برعاية وتنسيق من المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلى .


وعندما هبت رياح الثورة على عرش الطاووس فى إيران ، كان الرئيس السادات من أشد المهتمين بدعم عرش الشاه والحفاظ على حكمه لدرجه أنه قطع محادثاته فى كامب دافيد ذات يوم لكى يتصل بالشاه ويعلن له مساندته له ، وعقب نجاح الثورة وهروب الشاه من إيران مع أسرته كان الرئيس السادات هو الوحيد الذى قبل استضافته فى مصر وخصص له قصر القبة لكى يقيم فيه، وتغاضى الرئيس السادات عن المظاهرات الشعبية الغاضبة التى قامت فى مصر ضد قراره إيواء الشاه الهارب ، كما لم يهتم بأثر قراره هذا على العلاقات بين مصر والنظام الجديد فى إيران .
ظل السادات يحرض الشاه على الاستعانة بالجيش الإيرانى لقمع الثورة ، وكان دائم الاتصال بالرئيس الأمريكى كارتر مطالبا إياه بضرورة التدخل لإعادة الشاه إلى عرشه ، وقد رد عليه كارتر أن القضية فى النهاية بيد الشعب الإيرانى .


كان الرئيس السادات حزينا على مصير الشاه أكثر من الأمريكيين ، وكان هو الذى بادر إلى تقديم التسهيلات اللازمة للعملية العسكرية الفاشلة (تاباز) التى انطلقت من مصر لإنقاذ الرهائن الأمريكيين المحتجزين فى السفارة الأمريكية فى طهران ، وبعد فشلها ظل يحرض الإدارة الأمريكية على تكرارها .


وحتى بعد وفاة الشاه فى 27 يوليو 1980 أصر الرئيس السادات على إقامة جنازة عسكرية ضخمة للشاه الراحل وتقدم بنفسه الصفوف لتشييعه إلى مثواه الأخير رغم أن وصية الشاه كانت أن تقام له جنازة بسيطة ثم يدفن بجوار والده فى مسجد الرفاعى بالقاهرة .


لم يكن الشاه محمد رضا بهلوى صديقا للعرب طيلة حياته ، بل أن العكس هو الصحيح ، والأكذوبة التى أطلقها الرئيس السادات عن إمداد الشاه لمصر بالبترول فى حرب 1973 لا أساس لها من الصحة بل أن الشاه سعى بكل جهده لنصرة إسرائيل .


الصورة الأولى لغلاف كتاب
The Two O'Clock War


أو حرب الساعة الثانية


لوالتر بوين
يتناول الكاتب فيه حرب أكتوبر 1973 والجسر الجوى الأمريكى الذى أنقذ إسرائيل.


- الصورة الثانية من الكتاب يرصد فيها الكاتب رفض محمد رضا بهلوي شاه ايران لعبور الجسر الجوى السوفيتى المحمل بالأسلحة عبر الأجواء الإيرانية لتعويض الخسائر المصرية والسورية على جبهات القتال خلال حرب أكتوبر 1973.



إرسال تعليق

0 تعليقات