خطر البدع
د. محمد إبراهيم بسيونى
الصحابى الجليل عبد الله بن
مسعود حذرنا من ثلاثة أمور وهى التبدع والتنطع والتعمق فما معناهم
أولا التبدع فى اللغة تبدع الشيء
بمعنى أَنشأه وبدأه أو أحدثه واخترعه. والمراد هنا الحدث في الدين بعد الإكمال.
ثانيا التنطع وهو يعنى التكلف والمغالاة في القول أو
الفعل.
ثالثاً التعمق وهو يعنى المبالغة في الأمر والتشدد فيه
والانشغال بتفاصيل لا تضر ولا تنفع.
وهذه هى الثلاثة أمور التى
نهانا عنها الصحابى الجليل.
أما الأمر الذى أمرنا به
الصحابى الجليل أن نتمسك به هو العتيق. العتيق هو القديم وما كان عليه الأوائل
والمراد التمسك بما كان عليه النبي وأصحابه. ولأن الصحابى الجليل عبد الله بن
مسعود كان خبير الفتن أمرنا أن نتمسك بالعتيق فما هو العتيق بمعنى القديم من هدي
الأوائل السباقين في الإسلام فتعلموا المسائل التي بينها النبي لأصحابه والبينات
التي ذكرها لهم. وكذلك العتيق هو ما أخذ من آثار الصحابة والتابعين والفقهاء
المتبعين والعلماء المعتبرين.
قال رسول الله صل الله عليه وسلم
"خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين
يلونهم ثم يجئ أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته".
المعروف أن القرن هو ١٠٠
عام والمقصود فى الحديث خير القرون في الإسلام هو عهد النبي ثم القرن الذي يليه هو
قرن الصحابة ثم قرن التابعين. عهد النبى والصحابة والتابعين هم خير القرون فى
الإسلام فهم أفقه الناس وأعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله وأقربهم لعهد رسول الله
وأفضلهم علما وعملا. ثم تأتى القرون التى بعدهم تتناقص في الخير والعلم والعمل
والمنزلة عند الله. ثم تأتي قرون يحلف الناس فيها كذبا وزوراً ويتقولون الكذب على
الله ورسوله لا يخشون الله ولا يتقوه.
حذرنا من ..
أولاً التبدع من مظاهر نقص العلم فالأصل في العادات
الحل إلا بنص. والأصل في العبادات التحريم إلا بنص وهذه قاعدة فقهية فما معناها؟؟.
بمعنى أن أي عادة للناس هي حلال إلا لو جاء نص بتحريمها. فمثلاً مشاهدة التلفاز هى
حلال إلا لو هناك نص بالتحريم. طالما أنه لا يوجد نص مباشر بتحريم مشاهدة التلفاز
اذا هو حلال ويبقى محرم ما فيه من الفواحش والاطلاع على العورات والفجور وما جاء
نصوص بتحريمه. سأعطيكم مثال آخر الشرب مثلاً عادة وهو حلال إلا ما فيه نص بالتحريم
كشرب الخمر والمسكرات والدم.
وبالنسبة للعبادات فالأصل هو التحريم وسأعطيكم مثال
للتوضيح. الصيام في غير رمضان مثلا، فالصيام في غير رمضان ليس أصل من الواجبات بل
نافلة بنص مثل النصوص الواردة في صيام ٦ من شوال، والاثنين والخميس من كل أسبوع،
و٣ أيام من كل شهر. والصيام فى غير رمضان أيضا نافلة مثل صيام التطوع وصيام داوود
وكل هذا وما ورد في النصوص، جائز وحلال بنص شرعي. اما المنهي عنه هو صيام الدهر أى
الصيام كل يوم وكذلك الصيام من الظهر للعشاء مثلاً فهذا ابتداع في العبادة غير
وارد في الدين.
مثال آخر للتبدع الصلاة ٥ ركعات، هذا حرام فهذا غير
وارد في الدين فلا يصح لأحد أن يقول صلاة ب ٦ ركعات، أو صلاة يسبق فيها السجود على
الركوع، وذلك لا يصح أن يخترع أيشخص مهما كان هيئة جديدة للصلاة مخالفة لأصول
الصلاة فى الدين.
كلنا نعلم أن كل عبادة خالفت أصل من أصول الشريعة فهي
بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار. فمثلاً الصلاة على النبي محمد صل الله
عليه وسلم من أصول الشريعة، فصلِ عليه بأي صيغة كانت، لأن الصلاة عليه أصل في
الدين، لكن أن يخترع أحد الصلاة على رئيس دولة ما فهذا خارج عن أصول الدين فهو
بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار. والبعض يتحجج بكلمه أنها العادات هذا
خطأ كبير، فالعادات هي ما اعتاده الناس من مأكل ومشرب وملبس وسائر تصرفاتهم
باختلاف أزمانهم وأماكنهم، أما العبادات واردة بنص عن الله أو عن رسوله بصفته
مبلغاً عن الله ولا يحل الابتداع في العبادة أو تشريع عبادة جديدة لم يرد بها نص
في قرآن أو سنة.
ولنأتى للأمر الثانى الذى نهانا عنه وهو التنطع. الأمر
الثانى هو التنطع وهو من مظاهر نقص العلم وهو كثرة السؤال والتشدد. فهذا الدين يسر
وإنما بعثتم ميسرين لم تبعثوا معسرين، وقد بعث الله سبحانه وتعالى نبيه محمد رحمة
لا عذاب، وأمته رسالتهم تبليغ رسالة نبيهم رحمة بالناس وشفقة بالعالمين وخوفاً
عليهم من عذاب أليم. رسالة أمة النبى محمد رسالة تسامح ليست رغبة في قتل الناس ولا
الاستيلاء على أموالهم ولا للسيطرة على أراضيهم بالقوة. سكت النبي عن أشياء كثيرة
رحمة بكم فلا تكونوا كأصحاب البقرة ظلوا يسألون ويعسرون على أنفسهم ولو استجابوا
للأمر الأول لكفاهم ذبح أي بقرة.
الأمر الثالث :التعمق وهو ايضاً من مظاهر نقص العلم
ومعناه سؤال الناس عن تفاصيل لا داعي لها ولا فائدة منها وخير دليل عن النهي عن
التعمق هو قول الله تعالى فى سورة الكهف
بسم الله الرحمن الرحيم
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ
وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ
كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ
بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا
مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا. صدق الله العظيم
بمعنى أن مهما كان عددهم ليست هذه العبرة من القصة ولا
يزيدها ولا ينقصها شيئ. فتجد البعض يتركوا العبرة والاستفادة من آيات أهل الكهف
وجلس يبحث عن عددهم وشكلهم ومكانهم وصورتهم. وكذلك تجد أشخاص يسألون ما هو رمان
الجنة وما لونه وما طعمه وما رائحته؟؟. وهذا من العلم الذي لا ينفع ولا تصل فيه
لشئ، فلماذا التعمق؟؟.
لماذا التعمق وقد كان
النبي صل الله عليه وسلم يتعوذ من العلم الذى لا ينفع. فيقول: "اللهم إني
أعوذ بك من علم لا ينفع"
0 تعليقات