ضرورة المعارضة
محمد قياتى
في خضم أزمة عام ١٩٤١ وبينما كانت عواصف الحرب العالمية
الثانية تكاد تفتك بالعالم كله وفي القلب منه مصر، بعدما تحول رغيف الخبز إلي
أمنية لا يستطيع المصريون إدراكها، أدركت سلطة الاحتلال البريطاني انه لابد من
اللجوء إلي حزب الوفد الذي كان في صفوف المعارضة في ذلك التوقيت لتشكيل حكومة
تستطيع ضبط الأوضاع في البلاد وتحصين الجبهة الداخلية، في ظل اقتراب جيوش روميل من
الحدود المصرية بعدما أدرك هتلر متأخرا أن نصيحة حليفه موسليني كانت في محلها
عندما قال له أنه لا يمكن كسب الحرب ضد الحلفاء بدون احتلال مصر.
وأخذ السير مايلز لامبسون المندوب السامي البريطاني
يضغط على القصر لتكليف النحاس باشا بتشكيل الحكومة، غير أن الملك ظل يراوغ حتى
اضطر البريطانيون في مطلع عام ١٩٤٢ أن يخيروا الملك بين التنازل عن العرش بالقوة
الجبرية أو إصدار مرسوم ملكي بتكليف النحاس بتشكيل حكومة وفدية، وكان ما كان في
حادث ٤ فبراير الشهير ورضخ الملك تحت ضغط فوهات المدافع البريطانية التي كانت
يومها تحاصر قصر عابدين.
لم يكن البريطانيون بالطبع يفكرون في مصلحة مصر
والمصريين، فهم أنفسهم الذين وضعوا خطة لإغراق الدلتا بمياه البحر لمنع جيوش روميل
من الوصول للقاهرة حال هزيمتهم في معركة العلمين، بينما طلبت الحكومة المصرية من
سلطات الاحتلال انه إذا كان ولابد من هذا الإجراء فليغرقوا الدلتا بمياه النيل
العذبة بدلا من الماء المالح حتي تكون صالحة للزراعة مرة أخرى.
أقول هذا الكلام لأن المحتلين رغم عنجهيتهم وجبروتهم،
أدركوا في لحظة فارقة أن الحل يكمن في الاستماع إلي الصوت المعارض وان يكون له دور
في الحكم حتي يتم تجاوز الأزمة.
وإذا كانت دروس التاريخ هي الأشد بلاغة لكل من يريد أن
يتدبر ويتعلم، فعلينا أن ندرك أن مواجهة الأوضاع والأخطار الحالية لا يمكن تجاوزه
إلا باصطفاف وطني حقيقي مبني على الرأي والرأي الآخر وان يتم بلا إبطاء فتح شرايين
السياسة التي تصلبت ، وفتح نوافذ الإعلام التي أغلقت والاستماع للأصوات الوطنية
التي تستهدف مصلحة البلاد.
ان اي شخص يتصور انه يمكن لنظام الحكم - اي نظام - ان
يلعب كل الأدوار فيكون حاكما ومعارضا وإعلاميا وشرطيا في نفس الوقت هو شخص واهم ،
ان السلطة تحتاج في كل زمان ومكان إلي المعارضة والي الاستماع إلي الصوت الآخر
بنفس القدر التي تحتاج فيه إلي المؤيدين والأنصار.
0 تعليقات