آخر الأخبار

الخلافة …!! (3)







الخلافة …!!  (3)



هاني عزت بسيونى

هناك ثلاثة عوامل تساعد على استمرار التنظيمات الإرهابية بعد وفاة القيادات وهي "مستويات البيروقراطية داخلها " و " قدرتها للحصول على المصادر من الثروات المحلية" و "حماستها الأيديولوجية " …

وهي عوامل لا تعتمد بالضرورة على زعيم واحد .

وبالأمس أعلن "تنظيم الدولة" اسم زعيمه وقائده الجديد وهو … أبو إبراهيم الهاشمي القرشي … تأملوا الاسم جيداً … "الهاشمي" … "القرشّي" … ربما في محاولة إظهار وإثبات نسبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحصول على صك الحكم بالأنساب ، وهو الذي سيحل محل المدعو "أبو بكر البغدادي" الذي أعلن قيام "الخلافة" في مدينة الموصل العراقية في يونيو ٢٠١٤ ونصب نفسه خليفة ، وانتحر كافراً أو قتله الأمريكان منذ أيام وبعد خمس سنوات من ملاحقته ، فلا فرق فكلاهما نفس المصير …..


ويواجه القائد الجديد لما يسمونه تنظيم الدولة تحدياً كبيراً في كيفية استطاعته أن يظهر شرعياً أمام أتباع التنظيم والمجتمع الأوسع مقارنة بأبي بكر البغدادي لدى اتباعه ، الدولة التي قامت بالطبع على ادعائه بأنه يعيد إحياء الخلافة كما كانت في القرون الأولى من الإسلام السياسي ، حيث فعل ذلك ابتداء بالتركيز على انحداره من قبيلة قريش التي ينتسب لها رسول الله النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والتي يجب أن ينحدر منها الخلفاء جميعهم وفق التاريخ السياسي ، بالإضافة إلى أنه أعطى نفسه اسم (أبي بكر) وهو اسم الخليفة الأول بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وعندما خاطب أتباعه فإنه فعل ذلك بأسلوب متكلف وبلغة تحاكي أسلوب تلك الحقبة الزمنية مزخرفاً شاشاتها بتلك الأعلام السوداء المصاحبة لتلك الفترة والتي ألصقها تنظيم الدولة على راياته التي طبعت عليها أحرف عربية بطريقة قديمة كان يقصد منها تقليد الأعلام السوداء التي جاءت بالخلافة العباسية للعراق خلال القرن الثامن الميلادي ..


كما يجب علينا ألا ننسى أيضاً مدى الجرأة بالنسبة للبغدادي لأن يعلن نفسه خليفة فمصطلح (خليفة) مصطلح عربي يعود لقرون الإسلام الأولى حيث كان الخليفة يعد ظل الله في أرضه من خلال قيادته لمجتمع روحي وسياسي والذي يفوض الخليفة بأن يعتني بشئون رعاياه ومصالحهم الدنيوية والأخروية ، وبسبب رفعة هذا المنصب الكبير بمنظومة السياسة في تلك الفترة وكون معظم الخلفاء اعترف بهم أو بايعهم المسلمون الذين كانوا يعيشون في ذلك العصر على نطاق واسع ، فليس بغريب أن المغرر بهم والمجندين السابقين مثل أسامة بن لادن لصالح تشويه الإسلام وقتل المسلمين لم يتجرأ أي منهم على حمل هذا اللقب الرفيع بالرغم من تطرفهم في أمور أخرى .


لكن ما جعل البغدادي مختلفاً وخليفة مقبولاً لدى العامة من اتباعه وفي عيون الكثير من مؤيديهم كان سيطرته في الذروة على شبه دولة تصل مساحتها قدر مساحة بريطانيا والأهم من ذلك هو أن تلك الدولة امتدت من سوريا للعراق وهما مركزان مهمان للتاريخ الإسلامي والخلافيتين الأموية والعباسية على التوالي أي أن إثبات خلافته كان أسهل ، لكن ما يستحق الإشارة هنا هو أن معظم المسلمين لم يقبلوا ادعاءات البغدادي وتصرفات دولته (المسماه الإسلامية) لأنه وفي الواقع كان معظم ضحاياه على مدى الخمس سنوات الماضية منذ تنصيب نفسه خليفة عليهم .. هم المسلمين أنفسهم !!!…

ومع ذلك فكان من الواضح أن اتباعه شعروا بأن عليهم أن يقوموا بتفنيد ادعاءاته باستمرار وكأن في ذلك اعترافا ضمنيا بأن تلك الادعاءات تمتلك قوة جاذبية ابتداء من الرسالة المفتوحة للبغدادي في سبتمبر ٢٠١٤ .


ونجح البغدادي في تمثيل دور الخليفة المصطنع ، وكما نعلم فإن الخلفاء كانوا خلال حقب التاريخ كلها سببا في توحيد المسلمين وتفريقهم بنفس الطريقة والهدف ، ففي الوقت الذي كان فيه البعض يتبع الخليفة بسبب ادعائه بامتلاك الشرعية السياسية والروحية فإن البعض الآخر كانوا يشعرون بأنهم منبوذين ومدفوعين نحو الثورة ، وهذا تسبب بأن الخلفاء الأتقياء وغير الأتقياء على حد سواء كان يتم قتلهم لتلك الأسباب فيما عدا الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه !!…


يضاف إلى ذلك أن أول عائلة حاكمة في الإسلام وكانت الأمويين وصلت إلى الحكم باغتصاب السلطة دون شورى ومن خلال قتل أشخاص من بيت رسول الله نفسه (صلى الله عليه وسلم) !!…


وانقلب العباسيون بدورهم على الأمويين وقاموا بنبش قبور الأمويين وصلبوا هياكلهم ليراها الجميع وهذا التقليد في سفك الدماء كان له صدى واضح في الفترة القصيرة والفوضوية لدولة الخلافة التي يريدون عودتها ، وبالرغم من هذا العنف فإن موت الخليفة الذي كان هدفاً للحكم ، لم يكن بالضرورة نهاية للعائلة الحاكمة وهذا هو الدرس بخصوص مستقبل تنظيم الدولة السياسي لذا فإنه من المؤكد أن يكون مصير وريث البغدادي القتل أو الانتحار !!..


… أمر عجيب أن يسعى أمثال هؤلاء بأنفسهم إلى ذلك المصير فما هو الثمن الذي يستحق كل ذلك !!؟

نحن لا نعرف الكثير عن الخليفة الجديد ولماذا وكيف تم اختياره ، وقد وصفه الإعلان الصوتي لتنظيم الدولة بأنه عالم دين وقائد عسكري لكننا لاندري من أين أتى هذا الوصف له !!؟ … لكن ما هو واضح الآن أن المشار إليه سيرأس بقعة مما كان يوما شبه دولة ، ففي الوقت الذي تبقى فيه سوريا والعراق هما الوطن الروحي للتنظيم الإرهابي إلا أن فرعه في أفغانستان بدأ يزدهر وقد يشكل قاعدة جديدة في المستقبل ..

لقد بدأ التاريخ الإسلامي بخلافة واحدة في المدينة المنورة بالعبادلة ثم في دمشق بالأمويين ثم العباسيين ببغداد ، ثم وبالتدريج تحولت إلى عدة خلافات متنافسة وأحيانا متناحرة في أنحاء العالم الإسلامي ، وفرقت المسلمين بين سُنّة وشيعة ، وعززت من خلافاتهم في اتجاه العودة للجاهلية إلى زماننا ويومنا هذا وهو ما مكن أتباع البغدادي وأمثاله من الذين وجدوا الثروة أن يقيموا ويستمروا في دولتهم البربرية ويقنعوا البسطاء والعامة بأفكار الجاهلية وهو ما سيشجع الإرهابيين الطامحين الطامعين للربح مستقبلاً على فعل الشيء ذاته .…

 والله المستعان .…







إرسال تعليق

0 تعليقات