عصابة السلطان
ودورها
في صناعة الإرهاب الدولي … (4)
هانى عزت بسيونى
استكمالاً لما كتبته تحت عنوان السلطان راعي الإرهاب ، يبدو أن الأرض ستضيق
أكثر بما رحبت في قادم الأيام على السلطان العثماني ، فمن المعلوم لدى كل متابع
للشئون السياسية الدولية أن الدول لا تحصر استخباراتها في مؤسسة واحدة فقط بل يكون
لديها مؤسسات استخبارية أخرى منها الاستخبارات العسكرية واستخبارات تابعة للشرطة
وأخرى تحمل اسم المخابرات العامة وجهاز الأمن الوطني وغيرهم مما شابهها من الأسماء
، وتعمل جميع تلك المؤسسات تحت إشراف مظلة مؤسسة عامة يكون لها دور التنسيق الاستراتيجي
بينهم جميعاً .
وهو الأمر الواقع في تركيا أيضا حيث تخضع تلك المؤسسات الأمنية لإشراف
سيادي رسمي مؤسسي ضمن هيكل الدولة الأعلى ، لكنها بتوجيه شخصي منفرد ، ولم يحدُث
أن يرعى شخص ذو منصب سياسي رفيع أو رجل على رأس دولة تلك المجموعات بشكل علني كما
يفعل السلطان ، رغم زعمه علناً أنه يتبرأ منها ومن أخطائها التي ترتكبها ، ولنتذكر
ما حدث في منتصف يوليو ٢٠١٦ أثناء عرض المسرحية الجماعية في تركيا تحت مسمى
الانقلاب على اوردوخان ففي تلك الليلة الحالكة تم جلب التلامذة من المدارس
العسكرية وهم لا يدرون ماذا سيَلقَون وتفاجأ الجميع بحيازة بعض العناصر "المدنية"
على أسلحة من المفترض أن لا تكون إلا في أيدي أفراد من الجيش ، واستخدمت تلك
العناصر الأسلحة ضد الجنود والتلامذة والمدنيين معاً ، وذبحوا ٢٥٠ تلميذ من
المدارس الثانوية العسكرية بالسكاكين تتراوح متوسط أعمارهم بين ١٦ و ١٧ عام ، حيث
كانت أسلحتهم التي بحوزتهم فارغة ولا تحمل ذخيرة !! .
وتشير تلك الأدلة إلى أن آلاف من القتلة الذين انتظموا بدقة فائقة اندسوا
مسبقا في تلك الليلة بين الجماهير وارتكبوا هذه الجرائم المفزعة بدماء باردة ، فمن
أين جاء هذا الكم الهائل من تلك العصابات ثم أين اختفوا عن الأنظار فجأة بعد تلك
الجريمة المنظمة !؟.
وهل كان يجب ان تقتل وتسحل جنودك وفقاً لشهود اتراك في مسرحية كمقدمة لتغير
نظام حكمك ليصبح أكثر سلطوية ولتتمكن من مسك زمام الدولة وحدك تحت شعارات دينية
مناهضة للمؤسسة العسكرية تحقيقاً لحلم الخلافة !؟ …
لقد تم تسريب أن الذي وزع الأسلحة "شركة" أمنية تسمى الشركة
الدولية للاستشارات الدفاعية (SADAT Inc. International Defense Consultancy) وهي ذات
الشركة التي وزعت الأسلحة على عصابات الإرهاب الذين أتوا إلى تركيا من خلال منظمات
تُسمِّي أنفسها جمعياتٍ خيرية ، وتلقوا تدريب عسكري ليلتحقوا بعد ذلك بالتنظيمات
الإرهابية من أمثال داعش وبرعاية اوردوخان حيث لا يزال هناك العديد من المقاتلين
الدواعش الناشطين في صفوف ما يسمى الجيش الوطني السوري والذي تدعمه تركيا الطامعة
لإستكمال إحتلال سورية بداية من ميناء الأسكندرونة السوري المحتل ، ذلك الجيش الذي
أعادت تركيا تنظيم بعضه باعتباره الجيش الوطني السوري منذ مايو ٢٠١٧ وهو يمثل هيكل
المعارضة السورية المسلحة غير الرسمية المكونة أساساً من المتمردين العرب وتركمان
سوريا العاملين في شمال سوريا ومعظمهم جزء من عملية درع الفرات أو الجماعات النشطة
في المنطقة ، والذين تلقوا تدريبهم العسكري للمرة الأولى من خلال هذه الشركة ولم
يَسبق لهم أن تلقوا أي تدريب عسكري قبل ذلك في أي من المؤسسات .
وتقوم هذه الشركة أيضاً بعملية التنسيق بين داعش والجيش الوطني السوري وبين
سائر المنظمات الإرهابية المتطرفة الفاعلة في المنطقة ، والآلية التي تستخدمها هذه
الشركة هي المنظمات التي تعمل تحت مسمى "الجمعيات الخيرية" …
ومن أراد أن يتأكد من صحة ما نقوله بهذا الصدد فليرجع إلى ملفات المحكمة
المتعلقة بالشاحنات التابعة للمخابرات التركية التي كانت تنقل الأسلحة إلى سورية
وتم ضبطها في عام ٢٠١٤ بالإضافة إلى سجلات البرلمان التركي المتعلقة بهذا الموضوع
، وقد سرد النائب التركي السابق في صفوف حزب الشعب الجمهوري (Eren Erdem) هذا
الموضوع بكل تفاصيله من منصة البرلمان ونشرته قناة المجلس على الهواء مباشرة ولا
تزال الفيديوهات المتعلقة بتصريحاته موجودة على اليوتيوب لمن أراد مشاهدتها ، وكان
هذا النائب يطالب بإلقاء الضوء على نشاطات هذه "الشركة" SADAT واتخاذ
الإجراءات اللازمة ضدها ، فماذا حدث بعد ذلك يا تُرى ؟!
في الخطوة الأولى تم اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد هذا النائب وليس ضد الشركة
، حيث تم سحب وصف "النائب" عنه وفصله ، ثم تم اعتقاله وزُج به في السجن
الذي قضى فيه مدة تزيد عن ثلاث سنوات بذرائع واهية ثم تم إطلاق سراحه مؤخراً ،
وأما بالنسبة للشركة (SADAT) التي كان من المفترض أن يتم التركيز عليها فقد حدث عكس ما أراد
هذا النائب المسكين ففي أغسطس ٢٠١٦ عين أردوخان مؤسس هذه الشركة في منصب كبير
مستشاري القصر الرئاسي ، ولا يزال هذا الرجل يواصل مهمته ككبير لمستشاري أردوخان
حتى اليوم بالإضافة إلى إدارته تلك الشركة ، وبالمناسبة هو من الإسلاميين
السياسيين المناصرين لاندماج النظام في تركيا بالنظام القائم في إيران .
أقول كل ذلك حتى أؤكد في ضوءِه على ما جاء في كلمات سابقة حول العملية التي
قُتل فيها الإرهابي أبو بكر البغدادي في المنطقة التي يسيطر عليها أردوخان والكل
علم بعد ذلك أن البغدادي كان يعيش منذ ثلاثة أشهر في منزل يبعد عن الحدود التركية
بخمسة كيلومترات فقط ، ومن المثير للاهتمام أنه ليس بإمكان أحد أن يصل إلى تلك
المنطقة إلا بعد أن يمر بعشر نقاط مراقبة تابعة للقوات التركية على الأقل مما يعني
أن تلك المنطقة خاضعة بالكامل للسيطرة التركية ، وهو ما جعل وزير الداخلية التركي
يقول قبل نحو شهر من العملية أنه " لن يطير طائر في هذه المنطقة بغير إذن منا
" … فماهو تفسيره الآن .؟!!
ولذلك كان مقتل البغدادي صادما لأردوخان ووزير داخليته حيث أثبتت هذه
العملية للعالم بأسره أن زعيم التنظيم الإرهابي كان تحت حماية قوات تابعة لأردوخان
، وهي تعد من أكبر الفضائح في تاريخ تركيا الحديث .…
وإلا فكيف استطاع ابو بكر البغدادي أن يفلت من مناطق تسيطر الاستخبارات
التركية بشكل كامل عليها ، مرافقاً عائلته وعلى مقربة خمسة كليو مترات من حدودها
في منطقة تعج بأبراج المراقبة الإلكترونية والدوريات العسكرية التركية ، كما انه
وللمفارقة العجيبة أن ليس هناك في ظاهر الأمر من يتحالف مع البغدادي على طول
الحدود الممتدة من العراق إلى أدلب … فماذا حدث إذن !؟ .
وكيف ولماذا إذن ضيع أردوخان هذه الفرصة الذهبية التاريخية التي سنحت
للتضحية بزعيم داعش ثمن للعملية التي اسماها نبع السلام ، فلو أنه قَدَّم معلومات
مخابراتية حول مكان البغدادي لكان قد نجا من جميع الاتهامات ولأصبح بطلاً يحارب
الإرهاب ، ولحصل على حصانة هائلة لدى الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي !؟ …
فلماذا لم يفعل ذلك ؟
الجميع أصبح الآن يتساءل … لكن الإجابة بوضوح الشمس ان ذكاء اوردوخان قد
خانه ، فقد فوَّت على نفسه تلك الفرصة لأسباب حقيقة لا يمتلك زمامها خاصة إذا كنا
نعلم أن الذين استضافوا البغدادي في هذه المنطقة القريبة من الحدود التركية هم
الذين يسيطرون على إدلب أيضا ، فسنجد ان هذا هو السبب في الحرص الشديد لأردوخان
للحفاظ على الوضع القائم في إدلب ضد دمشق ؟
والسؤال الذي يطرح نفسه على الأذهان الآن هو …
هل كان من الممكن أن يصل ابوبكر البغدادي مع أسرته إلى هذه المنطقة بشكل
آمن من دون تنسيق مع جهات تابعة لحكومة أردوخان !؟ …
ولماذا كان يحاول هو أو أفراد من أسرته القدوم إلى تركيا اساساً إذا لم يكن
يأمن حماية اوردوخان ؟
الإجابة إذن عاقلة وواضحة للجميع ، و أعتقد أنه بعد هذه العملية قد زاد عدد
الأسئلة الصعبة التي ستوجه إلى أردوخان ، كما وأن مساحة الحراك قد زادت ضيقاً عليه
بإلاضافة إلى الأطراف التي تحظى برعايته وحمايته ، وأصبح الرأي العام الدولي ينظر
إلى "المنطقة الآمنة" التي يلح عليها أردوخان أنها أصبحت بفضل السلطان "منطقة
آمنة للإرهابيين" يصولون فيها ويجولون ويعيثون في الأرض فساد بكل راحة وسهولة
ويسر تحت رعايته ، وبطبيعة الحال سيتم اعتبار أردوخان وحزبه مسئولين عن جميع
الجرائم المصدَّرة من هذه المناطق .
لذلك لا نشك أبداً في أن فاتورة هذه القضية ستكون باهظة على أردوخان ونظامه
وهو ما يتم الإعداد له الآن .
باختصار … هذه قراءة للمشهد الحالي وسياسة اوردوخان الإرهابي الذي يهاجم
مصر في كل مناسبة ، والتي من تداعياتها انه وللمرة الأولى يصادق مجلس النواب
الأميركي على مشروع قانون يتهم الدولة التركية بالإبادة الجماعية ضد الأرمن عام ١٩١٥
، كما صوّت على مشروع قانون ينص على فرض عقوبات ضد تركيا جراء قيامها بعملية
عسكرية في شمال شرقي سوريا وتم اعتماده بأغلبية ساحقة بـ ٤٠٣ صوت مقابل ١٦ صوت
معارض ، وكان أكثر المواد لفتاً للأنظار في حزمة العقوبات تلك هي مطالبة مجلس
النواب بحساب مفصل عن الأصول المالية لأردوخان وثروة عائلته وهي إشارة اتهام واضحة
للسلطان ، حيث تتطرق العناوين الفرعية لهذا المشروع إلى دخله من نفط داعش
واستفادته الشخصية وعائلته من عملية غسيل الأموال التي قامت بها إيران في تركيا !.…
وربما للحديث بقية …
0 تعليقات