ايتاى البارود وحريق
الوطن
د.أحمد دبيان
احترق الناس والدواب والتكاتك ، خبر قد يثير الدهشة ليس بفعل الحريق ولكن
بفعل سيناريو الحدث .
الحادث لا يدق أجراس إنذار أو إخطار فالنواقيس فى مصر قد علاها الصدأ منذ
زمن بعيد وصار التبلد والتعايش مع الخطأ وتبريره بل واستباحته أمرا عاديا نتنفسه
كل صباح .
خط أنابيب بترول يصل من شركة فى الإسكندرية ليتم تكريره فى طنطا ، يعمد بعض
المواطنين الغير شرفاء للخلسة منه ( والخلسة هنا حسب التعبير الفقهى هى اخذ القليل
من مال المخدوم وهو ما لا يوجب الحد الفقهى فى الشرع ) وليتسرب البترول الخام
وتنتشر رائحة النفط الأخاذة والتى صارت تسكر اكثر من خمر الدنيا والآخرة فيأتى
أحفاد من سرقوا جثث الموتى واكلوها فى الشدة المستنصرية ، ليعبئ كل منهم ما يستطيع
استحواذه من النفط لذة للشاربين .
يمر مواطن غير شريف اخر متعايش مع الزلل ، يشعل لفافة تبغ فينفجر كل شئ
ويتفحم الجميع .
الإدانة هنا ليست زاوية محصورة فى ركن ، فاستباحة المال العام والخاص تحدث
كثيرا وفى كل العالم فى أوقات الهرج ، وهى ليست تبريرا لسرقة وخلسة واستباحة وليست
عذرا لواقع اقتصادى واجتماعى ودينى متردى .
ولكن الإدانة هنا يجب ان تمتد لتشمل منظومة التشغيل للخط والقائمين عليه ،
الم يلاحظ مسئول التشغيل تفاوت الضغط فى الأنبوب أو التسريب بأجهزة الرصد المفترض
وجودها فى مؤسسة تتعامل مع النفط وتكريره فيأمر بإغلاق الأنبوب او حتى يحاول تبيان
هذا الخلل ، التسريب استمر ساعات دون اى إجراء من القائمين إلا كما العادة التى أدمناها
وجاء رد الفعل بعد الانفجار. هذا مع إثبات حقيقة الطرق فى هذه المنطقة شديدة
الوعورة والضيق وبخط واحد كأغلب القرى ما يعيق اى عامل وقتى لوصول الإسعاف ووسائل الإنقاذ
.
الحادث مأساوى وسيتكرر ، وهو ترجمة حقيقية لواقع اجتماعى واقتصادي ودينى
مهلهل ومتردى ويحتاج لدراسة مجمعة ومستفيضة لعلماء اجتماع واقتصاد لتحليل الحدث وإفرازاته
وتوابعه لمحاولة إيجاد نقطة بداية لترميم الانهيار .
0 تعليقات