المواطن المصرى بين
الخاص والعام
د. محمد ابراهيم بسيونى
عميد طب المنيا السابق
بيت المواطن المصري نظيف جدا ويحافظ على نظافته من الداخل ويحافظ عليه من
اللصوص ولكنه لا يحافظ على شوارع مدينته ولا يحافظ على بيت الحكومة وزد على ذلك
إذا رأى لصا يسرق الدولة فإنه لا يقاومه وإنما يسعى للشراكة معه لأنه يشعر أنه
يملك بيته ليس بموجب وثيقة من الشهر العقاري وإنما لأنه يشعر بأنه مستفيد من بيته،
ولكن من البنية التحتية للدولة لا يشعر المواطن المصري أنه مستفيد منها. ومن أول
مظاهرة في الشوارع يبدأ بالتكسير، وممكن ان يري حرقا لمؤسسات الدولة ليلا، ومن أول
مباراة لكرة القدم يغادر المواطن المصري الملعب وهو متسخٌ خلفه، حتى الهياكل
الدينية لا يمكن أن يساهم بتنظيفها إلا من رحم ربي وهذا نادر لأنه حتى المسجد أو
الكنيسة يشعر المواطن أن هنالك مستفيد آخر منها وليس هو، ولكن في بيته يغادر
المرحاض وقد تركه خلفه نظيفا جدا أكثر من خلفية الإمام أو الخطيب أو أنظف من
الصيني بعد الغسيل.
المواطن المصري يشعر أنه يمتلك الشجرة التي في فناء بيته ولكنه لا يشعر أنه
يمتلك الشجرة المزروعة على وسط الجزيرة في منتصف الطريق بينه وبين الرصيف الآخر من
الطريق، وعملية قطع الطريق سهلة جدا مثل عملية قطع الشجرة المملوكة للدولة، ولكن
عملية قطع الشجرة في بيته لا يمكن أن تتم بسهولة. مواطن يشعر أنه لا يستفيد من
مقدرات الوطن لا يمكن أن يكون وفيا ومخلصا للوطن بل عونا للخونة والجواسيس وأولاد
الحرام من اللصوص، صحيح أن التربية الوطنية قد تجعله مخبولا بحب الوطن ولكنه سرعان
ما يصحو من هذه السكرة حين لا يكفيه دخله الشهري، فالمواطن المصري هو المواطن
الوحيد الذي يعمل عملا إضافيا بعد أن ينتهي عمله الرسمي لكي يحصل على نقود يذهب
بها إلى العمل الرسمي. يشتغل بعد العمل بكل ما هو شرعي وغير شرعي وكل ما هو قانوني
وغير قانوني، يقفز من فوق الأسوار ويقطع الإشارة الضوئية حمراء ويرتكب كل ما هو
مخالف وفي نهاية كل عملية مخالفة قانونية يخرج مبسوط جدا. التربية الوطنية تُطبل
في وادٍ والمواطن المصري يرقص في وادٍ آخر، فالوطن الذي يبث من خلال الأبواق
المسموعة أغانيه الوطنية ليرفع درجة غليان الحب بين النظام الحاكم أو بين الحكومة
وبين المواطن المحكوم بهذا النظام هو في الأصل أعلام يدرك أن ميزانية الدولة لا
تستطيع شراء الولآت بالأموال إلا بتقديم الرشاوي مثل المال، وحتى المال المخصص
للرشاوى يسرقونه ويعوضونه. فحتى الأموال المغسولة والمنشورة على جدران الوطن
يسرقونها وتنشف وتجف ويدرك أنه لا يملك تلك المؤسسات، وهنالك مقولات باللهجة
العامية تقول دائما للمواطن، هذه أملاك دولة، هذا أكبر غلط فهذا يعطي المواطن
إحساسا أنه فعلا لا يملك الوطن. المواطن بشكل عام يدافع عن أولاده لأنه يشعر أنهم
مُلكه هو يرثهم ويرثونه ويستفيد منهم ويستفيدون منه ولكنه لا يدافع عن أبناء زمرة
ملكية أخرى في الحارة المجاورة. المواطن المصري يدافع عن زوجته لأنه يشعر أنها
ملكه هو وليس ملكا لغيره وإذا ما اكتشف أنها مشتركة بينه وبين إنسان آخر يطلقها
وينفك العقد الذي كان معقودا عند القاضي.
الإعلام المسموع والمرئي والمقروء يدرك أيضا أن عملية خلق قصة حب بين
المواطن والوطن سهلة جدا من خلال التربية الوطنية ولكن على أرض الواقع لا يستطيع
فرض مثل هذا المخطط لبناء جسور التعاون بين مؤسسات الدولة والمواطن، ولا حتى
بالأموال النظيفة مثل البلاط الصيني بعد الغسيل، هو إعلام يدرك أيضا حقيقة أخرى وهي
أن سياسة الدولة تتبع متغيرات خارجية وسياسات دولية ليس للمواطن المصري فيها دخل
ولا يمكن أن يكون طرفا في هذه المعادلة الوطنية في عملية حسابية ضعيفة جدا وتفتقر
إلى محلل فيزيائي كي يقنع المواطن المصري أنه جزء ومُكَونٌ من مكونات الدولة،
والمواطن يدرك بالتربية النظرية أنه جزء من مكونات الدولة ولكن على أرض الواقع لا
يستطيع المواطن المصري أن يصدق مثل تلك الاحتمالات، لذلك المواطن المصري يشعر أنه
يملك سيارته ويحافظ عليها كونه المستفيد الأول من سيارته وهو المستفيد الأخير من
سيارته إذا ما قرر أن يبيعها لمالك آخر، وهنا تقع الصدمة وهي أن المواطن المصري لا
يشعر أنه يملك مؤسسات الدولة ولا حتى قادرٌ ولو بمعجزة سماوية أن يستفيد من مؤسسات
الدولة إلا من خلال عملية احتيالية على المؤسسة نفسها وعلى الدولة، لذلك ينتشر
الفساد في مؤسسات الدولة حتى بات الفساد جزء من حياة المواطن اليومية والكذب على
اللحى من خلال عمليات وشعارات وطنية لا يمكن أن تفيد بالغرض المنشود من خلال
الإعلام المسموع والمقروء مهما تغنى المواطن المصري بجمال وطنه وجمال الحاكم لأن
المواطن العربي بعد كل عملية رفع وسماع لأغنية وطنية تتغنى بجمال الوطن يدرك بعدها
قباحة منظره الذي لا يجعل الدولة مغرمة بجماله مثلما هو مُغرمٌ بجمال الدولة
والوطن ويدرك غباءه فينظر إلى نفسه في المرآة ليجد أنه غارق في الديون ومضطر
لخيانة الأغنية الوطنية وأن يضرب بعرض الحائط كل ما تربى عليه من طفولته حتى بدأ
منتجا يأكل ويشرب بالدين علما أنه منتج ولكن دخله لا يكفيه ويدرك حقيقة مهمة وهي
أن هنالك مجموعة من المستنفذين هم من يملك مؤسسات لدولة ويستفيدوا منها وليس هو،
فآبار الغاز لا يستفيد منها وكذلك معظم الشركات ويشعر أنه خصخصة لفئة معينة وليست
مثل الحبل على الغارب، ومن هنا ينبع مفهوم خيانة مؤسسات الدولة وسرقة تلك المؤسسات
وتعبئتها في زجاجات مظللة لكي لا يرى أحدٌ من الناس سرقاته.
ان ثقافته الدينية والاقتصادية في وادي بعيد جدا عن الوادي الذي يضع فيه
المواطن المصري مواشيه ومزارعه ومشاريعه التي هي في الأصل مبنية على مغالطة من
خلال معادلة من قانون رياضي وقانون آخر ليس للنصف الآخر من القانون علاقة بالنصف
الأول، وفي مثل هذه الحالة نرجع إلى الاستئناف من حيث بدأنا، فالمواطن مع وجود ٤٠٠
محطة فضائية دينية تحرم السرقة والرشوة لا يمكن أن تمنعه من إيذاء مؤسسات الدولة
ولا يمكن أن تقنعه بأن راتبه الشهري يكفيه وبلاش نط فوق الحواجز والأسوار وسرقة
مؤسسات الدولة، لأن الإعلام في الليل يجعلك وأنت أمام التلفاز تقطع يد كل سارق
وأنت مصاب بنشوة دينية وفي النهار حين لا تجد مصروف الجيب لأولادك أو حين لا تجد
أجرة المواصلات من منزلك إلى مقر عملك يجعلك هذا الشيء تقبل يد لص آخر وتسعى
للشراكة معه.
اكتب رسالة...
0 تعليقات