الإنسان والذباب
هادي جلو مرعي
يقال إن حاكما مسلما سأل عالما مسلما عن الحكمة من خلق الله للذباب؟ فرد
العالم: ليذل به الجبابرة أمثالك. وسواء صحت الرواية، أو بحت فإن المعنى الأعمق
حاضر في العقل والوجدان.
هناك من يسأل عن الشبه الكبير بين المخلوقات الحية التي تلتقي مع الإنسان
في أنها تتناسل وتأكل وتشرب وتنام وتصحو وتجوع وتغضب وتموت، وهل هي حكمة من أجل
إذلال الجبابرة، أم لأن الله أراد أن يري الإنسان إنه ليس صاحب منة، بل هو موجود
مرغم على الوجود كبقية الحيوانات، وتعبيرا عن كبرياء الرب الذي أراد لعظته أن
تتجلى بالأكوان والمخلوقات والنور والظلمة والموت والحياة والقهر الكامل لتلك
المخلوقات، ثم الإطاحة بها في وقت يعلمه هو حيث تنطفيء الشمس، ويبهت القمر،
ويتبعثر وتتحول الجبال الى عهن منفوش، ويموت كل من على الأرض، وتتحول الأكوان الى
ساحة للكبرياء المطلقة.
يتنافس الناس، ويتصارعون ويتقاتلون، ويحولون الأضعف منهم الى وقود لحروبهم
القذرة، ومطامحهم ومطامعهم، ويتحول الشعار الديني الى كذبة يروجها المنتفعون
ليجروا الأغبياء والسذج والطامعين وأصحاب النوايا السيئة والمنافقين الى جانبهم،
والقصد النهائي ليس الله، بل المكاسب والمغانم، وتحقيق المطامح الكبيرة التي
لاتكاد تنتهي، وماعدا ذلك فليس لله فيه من حصة، وهو لايريدها لأنه يعلم خبايا
النفوس القذرة التي جبلت على حب السلطة والمال والنفوذ، وتريد للإله أن يتحول الى
كمين للسذج، ويأبى الله في النهاية إلا أن يكشفهم ويفضحهم.
سيظهر الرب في القيامة للسذج والمخدوعين والمضللين كيف كانوا في الحياة
مجرد أدوات وكومبارس في حفلات دعارة يظنونها قدسية، وإنهم كانوا مستخدمين، بينما
المنتفعين يجمعون المال والسلطان في جيوبهم.
أعجب حين أرى حماس إنسان لإنسان آخر يتزعمه، ويمنحه السلطان على نفسه.
أصناف من المسلمين أخطر من أتباع ديانات أخرى لأن معظم المسلمين يسحبون
قدسية الرب وعلوه وجبروته على حكامهم ورجالاتهم، بينما الآخرون فقد تحرروا من تلك
العقدة، وصاروا يصعدون سياراتهم، بينما الحاكم على دراجته الهوائية يجوب الشوارع،
وحين يتقاعد لايكون أفضل من غيره من مواطني بلده.
الإنسان والذباب إنما خلقا لبيان عظمة الله. ويجعل الله سره في أضعف خلقه،
وربما في أشر خلقه.
0 تعليقات