مناقشة أصولية عالية:
حجية العقل (2)
علي الأصولي
المبحث الأول:
والبحث فيه يقع في مقامين:
الأول : في تعريف العقل ،
الثاني: في بيان المقصود منه في مقام البحث الأصولي؛
ومعرفة هذين المقامين من الضرورة بمكان، لأنها تمثل البنية التأسيسية
البحثية لما نود عرضه في هذا البحث،
المقام الأول : مفهوم العقل في اللغة معان عديدة :
منها الحجى واللب؛
وقال بعض اللغويين هو : غريزة يتهيأ بها الإنسان إلى فهم الخطاب - المصباح
المنير - مادة العقل،
ومنها الفهم والعلم يقال: عقل الشيء ؛ أي فهمه وتدبره، والعاقل هو المدرك
الفاهم، ومنها التثبت في الأمور على ما أفاد صاحب لسان العرب؛ ومنها التمييز الذي
يتميز به الإنسان عن الحيوان،
قال ابن فارس : العين، والقاف؛ واللام، أصل واحد منقاس مضطرد يدل عظمه على
حبسة في الشيء أو ما يقارب الحبسة ومن ذلك هو العقل، وهو الحابس عن ذميم القول
والفعل، - معجم مقاييس اللغة -
ومعنى الحابس هو من يحبس نفسه ويردها عن هواها، أخذ من قولهم : قد أعتقل
لسانه ، إذا حبسه ومنع الكلام،
هذا ما جاء عن أهل اللغة وأربابها،
وقد اختلفت كلمات العلماء والحكماء في حد العقل وسعته،
وعلى ما يظهر من المراجعة ان اختلافهم في الاتفاق ومعنى العقل اصطلاحا؛ هو
نتيجة اختلافهم في النظر للمصطلح من خلاف نفس العلوم ليس أكثر،
فقد عرفه جماعة بإنه الجوهر في ذاته وفعله، وهذا التعريف ناظر للعقل بلحاظ
المعنى لا بلحاظ المادة حتى يتم تعريفه تعريفا ماديا، فلا هو جسم ولا جسمانيا ولا
تتوقف أفعاله على تعلق بجسم ما، وهذا ما يسمى عندهم تعلق العقل بالبدن تعلق تدبيري
وتصرفي، وذهب آخرون على أنه: غريزة يلزمها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات؛
وكيفما كان: العقل قد يطلق على نفس القوة الداركة وتارة على نفس الادراكات
الحاصلة منها ، كلية أو جزئية،
ولم يتفق الاتجاه الفلسفي مع الاتجاه الكلامي على تعريف محدد فضلا عن معرفة
كنهة العقل،
والنص القرآني لم يتناول مفردة العقل إلا على نحو الاستعمال؛ بصيغة الفعل
فقط من قبيل ، أفلا يعقلون أو لعلكم تعقلون أو وما يعقلها إلا العالمون أو لو كنا
نسمع أو نعقل ما كنا من أصحاب السعير، وعلى هذا الوزن،
إثبات وجود العقل:
لم تبحث مسألة إثبات وجود العقل تحت هذا العنوان بقدر ما يبحث عن نتائج ما
يصل إليه العقل من ناحية الصحة والفساد والبحث عن صحة أو عدم صحة حكم النتائج
العقلية فرع ثبوت أصل العقل في رتبة سابقة، ولا خلاف في الأصل والكلام بالفرع فقط
وفقط،
فقد ذهب فريق إلى إنكار معارف العقل مع الإيمان بوجود العقل وهؤلاء طائفة
من قدماء اهل السفسطة، في اليونان،
وجماعات من متصوفة الإسلام بمختلف مذاهبهم وحتى بعض الاتجاهات الشيعية كالإسماعيلية،
وفريق يؤمنون بالمعرفة المنتجة عن طريق الحواس بما فيها المخيلة، غير أنهم
لا يذعنون لنتائج العقل وهذا الطريق فقد اتخذوا المذهب الحسي التجريبي في إثبات
صحة أو فساد المعارف وقد انتشر هذا الاتجاه في أوربا ومن أرباب هذا الاتجاه
فرانسيس بيكون، وجان لوك وديفيد هيوم ،
وكيف ما أتفق : هذه المسائل يمكن بحثها في نظرية المعرفة فقد أجاد غير واحد
من العلماء في تفصيلاتها ودونك شروحات العلامة الحيدري فراجع،
تقيسم العقل بلحاظ ما يتعلق به الإدراك،
إلى عملي ونظري :
وهذا التقسيم فلسفي أفلاطوني ودعمه الفارابي بقوة بعد أن غير التسمية إلى
العقل المستفيد والعقل المستفاد، وعلى هذا المبنى آمن الملا هادي السبزواري في
منظومته،
وبهذا أعطى جملة من الفلاسفة صلاحية للعقل واسعة النطاق للحكم على الأشياء
بل وحتى تم إشراك الحكم العقلي مع الحكم الإلهي حسب نظرية المعرفة عندهم أنطلاقا
من مبدأ ( ان أشبه الخلق بالالهة هم الفلاسفة ) - دديورانت في قصة الفلسفة - واختار الأصفهاني الكمباني محمد حسين في نهاية
الدراية في شرح الكفاية /ج٢/ وتلميذه
المظفر الشيخ محمد رضا في أصول الفقه/ج١/ وهو
مذهب السيد الصدر في حلقاته /ح ٣/
وهذا التقسيم هو على أساس المدركات فإن كانت علما مجردا مثل إثنين واثنين
يساوي أربعة والمتوازيان لا يلتقيان فهو من واجبات العقل النظري، وأن كانت
المدركات مما ينبغي أن يفعل أو لا يفعل، فهو من نشاطات العقل العملي،
ولذا تجد ان الشيخ المظفر ذكر في أصوله: أعمال أو أفعال المكلفين،
الخلاصة :
وظيفة العقل النظري إدراك العلوم والمعارف وليس له نشاطات عملية فإدراك
الكل وكونه أعظم من الجزء هو إدراك نظري فحسب، وتكوين رأي على ضوء ذلك الإدراك
ولذا قال الغزالي في كتابه معيار العلوم : قوة النفس تقبل ماهيات الأمور الكلية من
جهة ما هي كلية،
والعملي هو حتى يدرك أن هذا الشيء مما ينبغي أن يعمل أو لا يعمل وهذا
النشاط متأخر رتبة عن النظري،
إذن نحن بإزاء نشاطين فكري تنظري والآخر تطبيقي عملي.
0 تعليقات