الروم القدامى والأمريكان
الجدد .. قراءة فى سورة الروم
علي أبو الخير
كما هو معروف، حدث صدام حضاري وعسكري بين الغرب الأوربي والشرق الإسلامي
منذ وقت مبكر، منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتى اليوم، مثّل الغرب الرومان ثم
البيزنطيين ثم فرنسا ومعها بريطانيا وباقي دول أوربا فيما بعد، والآن الولايات
المتحدة الأمريكية ممثل الروم، ربما كان من سمات التاريخ أن يصطدم الغرب مع الشرق،
والشرق مثّله الفرس قديما، ثم انتهت دولة الساسانيين في فارس تماما ودخلوا في
الإسلام، فانتقل العداء للمسلمين جميعا.
من خلال هذا التمهيد كنّا نتعجب من قراءة
وتفسير الست آيات الأولى من سورة الروم، فلنقرأ تلك الآيات أولا، ثم نرى ما
سيكون، قال الله في سورة الروم|1 – 6 "الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى
الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ
لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الرَّحِيمُ . وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"، وهي سورة نزلت في مكة المكرمة، أي قبل الهجرة،
وقرأ الناس حتى اليوم، كلمة "غُلبت" بضم الغين، وقال المفسرون إن الروم
أهل كتاب، وحزن المسلمون في مكة بانتصار الفرس الوثنيين، وشمت فيهم مشركو مكة،
ولكن القرآن الكريم بشّرهم بانتصار الروم خلال بضع سنين، أي بين 3 إلى 9 سنوات،
وقالوا إن القرآن صدق في نبوءته، فانتصر الروم خلال بعد بضع سنوات، في أدني أرض من
أرض الحجاز، وهي فلسطين، والله لا يخلف وعده، وارتاح المسلمون جميعا لهذا التفسير،
الذي نرى فيه خطأ، لأن القرآن يحدد أسباب
النصر والهزيمة، وهو وعد إلهي، يحدد مسار الحضارات، في مسيرة بشرية ممتدة.
وهنا نتأمل في سبب التفرقة بين الفرس والروم عند المسلمين في حياة النبي
المعصوم عليه السلام، فكل من فارس والروم دولة احتلال وطغيان وكفر، فالروم كانوا
يحتلون الشام وشمال الجزيرة العربية ومصر وشمال أفريقيا ويمثلون الغرب الأوربي
القديم، وفي المقابل كان الفرس يحتلون العراق وبعض شبه الجزيرة العربية، أما
الديانة، فقد استغل الروم دعوة المسيح للقتل والظلم، كما فعل الفرس، والمسلمون
عندما فتحوا بلاد فارس اعتبروا المجوس من أهل الكتاب، فلا فرق كبيرا بين
الديانتين، أو بين رجال هاتين الديانتين، ولكنها السياسة القديمة التي تدخلت في
التفسيرات الدينية، بما يوافق الأهواء، ونعتقد أن تشكيل كلمة "غلبت" بالضم
حدث أثناء الصراع الأموي مع العلويين المدعومين بالفرس، وهو تفسير كيدي ضد الفرس
أثناء الصراع على الحكم، وهذا يذكرنا بخطباء المنابر من الوهابيين وغيرهم في
السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، عندما كانوا يدعون الشباب للجهاد في
أفغانستان، فكانوا يقولون إنهم يجاهدون مع الأمريكان، لأنهم من أهل الكتاب ضد
الكفّار الروس، وهي أكبر أكاذيب التاريخ، ولكن المسلمين فُتنوا بالتفسير، وحدث ما
حدث في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، رغم أن المحتل من أهل الكتاب الأمريكي
كما يزعمون.
وعندما نعود للتاريخ نجد أن النصر الأكبر للفرس على الروم بقيادة القائد
الفارسي "شهرباز" بعد استيلائهم على مدينة "إيلياء الكبرى"أو
القدس سنة 614 ميلادية = أي قبل الهجرة النبوية بــ 8 سنوات، لأن السنة الأولى
للهجرة كانت سنة 622 ميلادية، وفي عام 627 ميلادي، الموافق 6 من الهجرة، انتصر
الروم بقيادة هرقل على الفرس، واسترد بيت المقدس عام 629 = 8 هجري، أي أن المدة
بين المعركتين 16 سنة، أي أكثر من بضع سنين، كما ذكر القرآن الكريم، ونزعم أن
المسلمين لم يحزنوا لهزيمة الروم، ولم يفرحوا بانتصارهم، فالأمر لا يعنيهم، لأنهم
كانوا مشغولين مع النبي مكة في نشر الدعوة ومواجهة الاضطهاد المستمر للنبي
والمؤمنين، فلا يُعقل أن يفرح النبي ومعه أصحابه بانتصار غيره على غيره.
لابد إذن من تفسير تاريخي واقعي لآيات سورة الروم، فيمكن قراءة كلمة "غلبت"
بفتح الغين، ثم بضمها في كلمة "سيغلبون"، أي أن الروم سينتصرون على
المؤمنين وبعدها ينتصر المسلمون عليهم، وهذا ما حدث، وبالعودة لسنوات التاريخ
الأولى، نجد أنه في نفس عام انتصار الروم
على الفرس سنة 8 هجرية = 629 ميلادية، كانت المواجهة الحربية الأولى بين الروم
والمسلمين، وكان سبب الحرب أن النبي محمد عليه السلام، أرسل رسالة مع الصحابي الحارث
بن عمير الأزدي لملك الغساسنة ونائب هرقل "شرحبيل بن عمرو" في الشام
يدعوه للإسلام، فما كان من الملك الغساني إلا أن قتل رسول النبي، فأرسل النبي جيشا
في ثلاثة ألاف جندي للثأر، وعندما وصل الجيش الإسلامي، حتى فوجئ بوجود الروم مع
الغساسنة في مائتي ألف جندي لقتال المسلمين، وكانت حربا غير متكافئة، أُستشهد فيها
قادة الجيش الثلاثة "زيد بن حارثة" و"جعفر بن أبي طالب" و"عبد
الله بن رواحه"، وتمكن الجيش الإسلامي في النهاية بالانسحاب المنظّم بقيادة "خالد
بن الوليد"، وهو ما اعتبره أهل المدينة هزيمة، فقد قابل الأطفال والصبيان
الجنود وهم عائدون يرمونهم بالحصى ويقولون لهم "يا فرّار يا فرّار"،
ولكنّ النبي عليه السلام واساهم بقوله "بل هم كرّار بإذن الله"، ولكن
عاد المسلمون وانتصروا في معركة اليرموك سنة 15 هجرية = 636 ميلادية، أي بعد معركة
مؤتة بسبع سنوات، أي بضع سنين، كما أخبر القرآن الكريم، وكلتا المعركتين حدثتا في
أدني الأرض، أي أرض فلسطين أو أرض الشام، وكانت بداية المواجهة الإسلامية
الرومانية المبكرة.
وهنا يمكن العودة للآيات الأولى من سورة الروم، لنقول إن الله تعالى أخبر
بالغيب في مكة وقبل الهجرة وتأسيس الدولة بقيادة النبي في يثرب أو المدينة
المنورة، أنه سيحدث بعد تأسيس دولة إسلامية صدام حربي بين المؤمنين والروم، ينتصر
فيها الروم أولا، ولكن المسلمين سينتصرون عليهم ويستولون على أرضهم، وهو ما حدث
فعلا، فبعد معركة اليرموك، تم فتح الشام ومصر وكل شمال أفريقيا وصولا للأندلس عبر البحر
المتوسط، ودام الصراع بين الروم القدامى والأمريكان الجدد من جهة والمسلمون العرب
وغير العرب من جهة أخرى، والقرآن الكريم حدد ذلك، في قوله تعالى "وَيَوْمَئِذٍ
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ . وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"، فالله بنصر من يأخذ بأسباب العلم
والمعرفة والثقافة، وسياسة الناس بالتسامح والعفو وعدم الاستبداد السياسي، وعدم
الاستعلاء على الناس بالإيمان، والله لا يخلف وعده، ووعده سبحانه وتعالى أن تكون
الدولة الإسلامية قائمة على العدل المطلق، بدون الحاجة لرجال الدين، فلا كهنوت في
دين الله، وإذا حدث العكس، كان الفوز لمن يأخذ بأسباب القوة، ولا نحتاج لشرح ضعف
الأمة وتهافتها وتمزقها وحروبها الأهلية، وكل قوتها في الدعاء السياسي، الذي لا
يقبله الله، مثل اللهم شتت شملهم – اللهم فرّق جمعهم – اللهم اجعلهم غنيمة
للمسلمين، والله يستجيب للدعاء بالعكس، فالشتات والفرقة من نصيبنا.
نعلم أن الحرب الهجومية ليست من أوامر الله للنبي والمسلمين، وليست الحرب
من ضمن دعوات المسيح، فالمسيح الذي ركب الأتان بنت الحمار، لم يأت إلا بالمحبة،
ولكن السياسة والكهنوت هما سبب شقاء بني الإنسان، والمسلمون في حاجة لتجديد تراثهم
بعيدا عن تفسيرات مغلوطة، هذا والله تعالى أعلى وأعلم...
0 تعليقات