مُقاربة ٌ منهجيَّة
في بيان
مَدرك حُجيَّة قول
الرجالي
(الحلقة الأولى)
على جميل الموازني
نحاول في هذه الأسطر القليلة تسليط الضوء على أهمية علم الرجال وبيان
الحاجة إليه مع ذكر المستند والوجه في الاعتماد على قول الرجالي.
ومن المعلوم بان علم الرجال
يكتسب أهميته من أهمية دوره في تأسيس المعرفة الحديثية والإحاطة التامة بجوانب
الفتوى الشرعية التي يسعى الفقيه للحصول على القطع بحجيتها من خلال الكتاب والسنة
ومن العناصر الأخرى التي يُعتمد عليها في عمليّة الاستنباط الفقهي والوصول للحكم
الشرعي.
فالفقيه عندما يُريد أن
يَعتمدُ على روايةٍ معينةٍ تُبيّن مسألة شرعية أو عقائدية فانه لابد وأنْ يَعرف حال
الرواة الذين نقلوا هذه الرواية أو سمعوا ذلك الحديث وخَبَرَ حالهم وهل جميعهم
ثقات يُعتمد على قولهم أو ليسوا بثقات أو فيهم الثقة وغيره أو كان حال بعضهم
مجهولاً وغير معروف أو مهملاً أو ما إلى ذلك, فإذا سلمتْ الرواية من هذه الناحية
والتي يُعبر عنها بحالة السند, بعد ذلك ينتقل الفقيه إلى محاكمة النص وما يحتويه
من مفردات ودلالات لغوية أو سياقية وكيفية تركيب الجملة وغيرها من النقاط المهمة
التي لابد للفقيه من معرفتها والوقوف عليها, وهذا ما يوضحه علم الفقه وأصوله
تفصيلاً (ثم إن الذي يضاعف الحاجة إلى علم الرجال هو عدم قطعية صدور روايات الكتب
الأربعة، التي ادعى جماعة من المحدثين قطعيتها, الأمر الذي كان أحد المحاور المهمة
التي أججت الخلاف المرير "سابقاً" بين الإخباريين والأصوليين، لا سيما
زمن الشيخ يوسف البحراني صاحب كتاب الحدائق الناظرة - أحد كبار الإخباريين آنذاك -
ورائد مدرسة الاجتهاد الوحيد البهبهاني قدس سرهما، فانبرى الأخير ليثبت بالدليل
القاطع سقوط دعاوى الإخباريين الواحدة تلو الأخرى - والتي منها دعوى قطعية صدور
روايات الكتب الأربعة - فاستطاع بذلك دحرهم وتحجيم دائرتهم وبذلك اتضح أيضا بطلان
الرأي القائل بعدم الحاجة إلى علم الرجال بذريعة حجية كل رواية عمل بها المشهور،
وعدم حجية ما لم يعمل به المشهور، سواء وثقوا رواتها أم ضعفوا.
فلو سلمنا الكلية المذكورة، تبقى
الحاجة إلى هذا العلم على حالها، فكثير من المسائل لا منفذ لنا إلى معرفة فتاوى
المشهور فيها، لعدم إيرادهم لها في عباراتهم، وأخرى لا شهرة فيها على أحد الطرفين،
فيتساويان، أو أشهرية أحدهما دون الآخر، وليس كل مسالة فقهية يكون فيها أحد
القولين أو الأقوال مشهورا وما يقابله يكون شاذا)(1).
وعلم الرجال يتمحور حول معرفة
أحوال رواة الحديث عن النبي وأهل بيته, وقد عُرف في كتب الرجال بعدة تعريفات, منها:
(بأنه ما وضع لتشخيص رواة الحديث ذاتاً ووصفاً، مدحاً وقدحاً... وقد يُعرف بأنه ما
يبحث فيه عن أحوال الراوي من حيث اتصافه بشرائط قبول الخبر وعدمه)(2).
وهذا التعريف ربما يُثار
اتجاهه إشكالات عدم المانعية أو الجامعية لأننا نلحظ في موضوعات علم الرجال عدة
مباحث وقواعد لا دخل لها بما يتعلق بالراوي وإنما تتعلق بقبول الخبر وعدمه, كمباحث
الشهرة وترجيح القرائن في قبول الخبر أو رفضه, مما يُحتم علينا إعادة صياغة تعريف
علم الرجال على ضوء هذه المباحث ويمكننا أن نقول بان علم الرجال هو (العلم الباحث
عن أحوال الرواة مدحاً وقدحاً وترجمةً وكل ما يخص الخبر من قرائن وأبحاث تتعلق
بقبوله ورفضه) وكيف كان فان موضوع علم الرجال كموضوع علم الأصول يتناول كل ما
يمكنه أن يفيد الفقيه في معرفة حال الرواة والكشف عن الأخبار وتحصيل الحجية لها.
ومن المعلوم بأن الاهتمام
بتعريف علم الرجال جاء في مصنفات المتأخرين ولم يهتم المتقدمون في بيان ذلك
وفهارسهم الرجالية شاهدة على ذلك, مضافاً إلى أنهم لم يلتزموا به ولم يُشيروا الى
بيانه فيما صنفوه.
(يتبع)
هوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- نقد الرجال, للتفرشي, ج١, ص6-٧.
2- طرائف المقال, للسيد علي البروجردي, ج١, ص٣٥-٣٧.
0 تعليقات