ليس المهم ان تحكم
....
محمود جابر
تجربة الحكم التى تؤسس على قاعدة دينية تتكئ على بعدين لا ثالث لهما الأول
الحق وهى كلمة اشمل من العدل، والثانية الحرية .
وانطلاقا من قوله تعالى (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي
الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ
فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ)
فالله تعالى عين داود حاكما وخليفة فى الارض ... وامره ان يحكم بين الناس
.... ولكن الله تعالى امره أن يحكم بين الناس بـ الحق ...
والحق في اللغة: من حقَق، والحقيقة العليا المطلقة في الكون هي الخالق جل
وعلا، أي الشيء الثابت الموجود والحكم الثابت الذي يخوَّل صاحبه للتصرف في مصلحته،
والصحيح والمطابق لمقتضيات الحكمة والاعتقاد حسب القانون أو الشرع أو بمقتضى الحكم
الجاري.
وفي الاصطلاح فهو يشير إلى اختصاص
شخص ما أو جماعة ما أو مجتمع ما بأمر يقره الشرع والدين أو القانون أو العرف
والعادات، ويعطي صاحبه فرصة المطالبة به والانتفاع منه دون منع الآخرين له أو
تدخلهم فيه.
ويساعد امتلاكُه صاحبَه على الامتنان والولاء والشعور بإمكانية العطاء فلا
واجبات من غير حقوق، لذلك نرى أول ما تتضمنه دساتير الدول وقوانينها هو ضمان حقوق
الأفراد.
وهى :
-
حق الحياة
-
حق السكن
-
حق العلاج
-
حق التعليم
-
حق العمل
-
حق المشاركة العامة فى الحياة
-
الحق فى التقاضي
ولما كان مجمل هذه الحقوق نابعة من المصدر الحق، والذى
هو اسم من أسماء الله تعالى فلا ينبغى أن تتجزأ الحقوق أو أن تحتاج لشرح أو تأجيل
....
فإن لم تتحقق هذه الحقوق ... فالحاكم غير عادل، وإذا لم
يحقق الحاكم العدل فهو خارج عن طاعة الله تعالى .
ولعل التجارب الإسلامية فى تحقيق مفهوم العدل تجارب
نادرة وربما شحيحة ...
فالتجربة الأولى من دولة الاسترشاد الإسلامية كانت دولة
المدينة التى قامت على فكرة التعاقد فى الحقوق والتى كتبت بتشاور بين مكونات مجتمع
المدينة وتحفظ لنا كتب التاريخ ان النبي أنجز دولته بناء على اتفاق مسبق .
أما الجهد المدون غير صحيفة المدينة فيتمثل فى عهد مالك
الاشتر الذى كتبه أمير المؤمنين .
والكتاب الثاني هو رسالة الحقوق .
ولكن للأسف لم تحاول اى جماعة سياسية او دولة من دول الإسلام
الاستفادة بشكل عملى من كتاب أمير المؤمنين أو الإمام السجاد .
لكن حدثت تجربة جديدة على الأرض الواقع اقتربت من رسالة
الحقوق ووصية أمير المؤمنين كنموذجا للعدل
الانسانى على الأرض والتى تتكىء على مفهوم اسلامى، ومن هنا كانت دولة الفاطميين
والتى حققت أعلى مستوى من الرخاء والعدل وفقا لتاريخ المؤرخين .
وقد بنى الفاطميون دولتهم على ركيزة العدل بين الناس
كركيزة أساسية، وحرية الاعتقاد والتعبير والنقد ... كركيزة أخرى فى هذه التجرية
التى استمرت قرابة ثلاثة قرون من عمر الإسلام .
ومن بعدها لم نرى لا فى التاريخ الوسيط ولا الحديث ولا
المعاصر دولة تعتمد على الإسلام كمنهج ودعائم .
مهما حاول المدعين لتلك التجارب ان يقولوا أنها تجارب إسلامية
صحيحة .
وبنظره فاحصة على النظامين المعاصرين الذى يدعى كلا
منهما أنهما يتمركزان على التشريع الاسلامى والدين/ وهما تجربة الدولة السعودية، والثاني
تجربة الثورة الإسلامية ...
فإن كل منهما انطلق وأسس قاعدة حكمه على بعد مذهبي وشىء
من الموروث الحضاري مع فارق التأسيس بين دولة آل سعود وإيران نظرا للبعد الحضاري والقومي
لكلا منهما .
ولكن بالنظر إلى قضية الحق، كمرتكز أول، وقضية الحرية
كمرتكز ثان تجد ان كلا التجربتين لا يمكن أن نطلق عليهما أنهما تجربتين إسلاميتين
من قريب أو بعيد .
وحينما نقول ان التجربة العراقية التى وقفت جائرة بين
الديمقراطية الحديثة والبعد المذهبى بوجود سلطة رقابة روحية أو فعلية للنجف نجد ان
هذه التجربة أيضا فشلت فشلا بالغا ان تحقق حتى جزء من التجربتين السعودية أو الإيرانية
فى بعد واحد وهو التنمية والرفاهية لمواطنيها .
من هنا نقول ختاما أن كل من يحاول ان يقول ان محاربة
النظام العراق ينطلق من محاولة إسقاط التجربة الشيعية أو الإسلامية فى الحكم فهذا
نوع من التدليس غير المؤسس على قواعد الدين التى تتضمن ركزتى ... العدل ... والحرية
.
ومن هنا نقول أن القضية ليست فى أن تحكم، ولكن الأهم كيف
تحكم وعلى اى أساس تؤسس هذا الحكم .
0 تعليقات