الكباش والتحرير
والسؤال الذى يغيظ !
إبراهيم عبد المجيد
خبر تم تداوله على مواقع الاتصال الاجتماعي وقفت أمامه فى البداية لا أصدق.
الخبر هو نقل أربعة من الكباش، مما
هو معروف تاريخيا بطريق الكباش، الذى يمتد من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر.
ما أذهلنى أن هناك جهودا طيبة قام
بها المحافظ الأسبق للأقصر السيد سمير فرج، لإخلاء الطريق من حول الكباش التى
تاريخيا تم طمس بعضها أو تحطيمه، ليعود الطريق إلى معناه الدينى والثقافى القديم. لقد
كان طريقا مقدسا يمر فيه الحاكم ورجاله وكهنة المعابد بين المعبدين، وبين الكباش
التى هى على شكل أبو الهول وتحمل رأس الكبش. لقد قامت قرى فوق الطريق وتم كشفه مع
الزمن، وكانت جهود المحافظ سمير فرج بكشفه، وظل معنى الطريق كما جاء فى البرديات،
أنه طريق مقدس تحميه الألهة، فكيف وقد عانى الطريق عبر الزمن من الإهمال والضياع،
نقوم نحن بأخذ أربعة كباش منه ونضعها فى ميدان التحرير ؟
قالوا إن التماثيل التى سيتم نقلها
ليست من التماثيل الموجودة على جانبى الطريق المعروف، ولا التماثيل الموجودة أمام
واجهة معبد الكرنك، لكن تم اختيارها من بين تماثيل موجودة خلف واجهة المعبد، على
جانبى الفناء، خلف مبانى الطوب اللبن التى تركها المصرى القديم أثناء بناء الصرح
الأول للمعبد. حتى لو كان ذلك فالذى وضعها فى هذا المكان لم ينسَها، لكنها وضعت
لنفس سبب القداسة السابق، وإذا كنتم ترون أنها زيادة فأكملوا بها ما نقص من الطريق
القديم مثلا، لو كان يهمكم معناه.
حتى نقل مسلة من «صان الحجر» بمحافظة الشرقية إلى ميدان التحرير لا معنى له
لأن صان الحجر - تانيس اليونانية - كانت يوما عاصمة لمصر فى عهد الأسرة الحادية
والعشرين والثانية والعشرين، وكانت نقطة الانطلاق للغزوات إلى الشرق، وبها ثروة
هائلة من الآثار التى تعبر عن ذلك، ولا يغركم غناها بالآثار فتأخذوا منه أكثر مما
أخذتم، ولقد أخذت اسمها العربى من صيانتها للآثار، فلا تجعلوها باع الحجر. يكفى
ماجرى. نقل الآثار عبر التاريخ قام به لصوص أخذوها إلى الخارج فى أوربا وأمريكا،
وليس معنى ذلك أن نفعل مثلهم.
الذين وضعوا الآثار فى أماكنها من أجدادنا الفراعنة كانوا يعرفون معنى
المكان. لقد تغيرت العواصم وصارت شمالا وجنوبا وفى كل مكان كان للآثار معنى ثقافى
أو دينى أو حتى اجتماعى. نقل الأثر من مكانه يفقده كثيرا من معناه.
الآثار لم تكن للفرجة ، لكن كانت لتحدى الزمن وعبوره بالإضافة إلى المعانى
الدينية أو الثقافية.
والسؤال الذى يغيظنى هو ما معنى أن يكون التزيين بما تركه أجدادنا الفراعنة
؟ مصر مليئة بالفنانين من النحاتين والمصورين الذين يمكن أن يزينوا كل الميادين.
أقول الفنانين وليس المقاولين الذى نُفاجأ بأنهم أقاموا تمثالا هنا أو هناك
فى المدن البعيدة، يكون عادة مادة للمسخرة على صفحات الميديا، ويتم فى النهاية
هدمه أو التخلص منه. لماذا لا يلجأ من يريدون تطوير ميدان التحرير إلى الفنانين
المصريين المعاصرين ؟
كونكم لا تعرفونهم فغيركم يعرفهم وزيارة واحدة إلى كليات الفنون،أو أتليهات
الفنون فى القاهرة والإسكندرية، وغيرها يمكن لكم بعدها أن تعرفوا الكثيرين وتلجأوا
إليهم، ليكون إبداعهم الجديد ممثلا حقيقيا لعصرنا، ويظل ابداع أجدادنا فى مكانه
معبرا عنهم، جاذبا للسياح والمثقفين من العالم.
ليس معنى أنك تزين ميدانا فى القاهرة أو غيرها بتمثال من الأقصر أو غيرها
أنك تمجد أسلافك، لكن معناه أنك لا تعرف من حولك وأنك تستسهل، فنقل التمثال لن
يكلفك كما يكلفك اللجوء إلى فنانين معاصرين، أم سيظل مكتوبا على الفنانين
المعاصرين الحصار فى الأتيليهات وقاعات الفنون الخاصة.
يا أخى بعد ثورة 1919 التى كانت فاتحة عظيمة للعمل الأهلى زينت التماثيل
التى قام بها العظيم محمود مختار ميادين القاهرة والإسكندرية ولم يكن أسهل من نقل
تماثيل فرعونية فى زمن كانت السرقة فيه مستمرة.واستمر تزيين الميادين من الفنانين
حتى سنوات قريبة.
ارحمونا يرحمكم الله.
0 تعليقات