مُقاربة ٌ منهجيَّة
في بيان
مَدرك حُجيَّة قول
الرجالي
(الحلقة السادسة)
علي جميل الموزاني
حجية قول الرجالي
لا إشكال في حجية قول الرجالي
لدى جميع المدارس الأصولية أو الإخبارية, نعم يختلفون في مقدار الحاجة إليه, فالإخباري
يرى بان الحاجة إلى معرفة حال الراوي تنفعنا فيما إذا حصل تعارض في الأخبار
واحتجنا إلى الترجيح بينهما, فحينئذٍ تكون عدالته ووثاقته من مرجحات خبره على خبر
غيره, وذلك للنص الوارد عن الإمام الباقر عليه السلام (خذ بقول أعدلهما عندك
وأوثقهما في نفسك)(1).
والأصوليّون ينقسمون الى مدرستين:
الأولى: وهي مدرسة القول
بالوثوق والتي ترى أعدلية ووثاقة الراوي تكون إحدى القرائن الدالة على حجية الخبر
الوارد عنه, وهو ما عليه المشهور, ونذكر منهم على سبيل المثال السيد الكَلبايكَاني
حيث يقول (أن لإثبات وثاقة الخبر طرقاً من جملتها وثاقة الراوي، فإذا لم يكن شأن
الخبر معلوماً فوثاقة الرواة أمارة توجب الوثوق بالرواية، لا أن يكون وثاقة الراوي
كافية مطلقا حتى وإن ظهرت علامات الكذب ولاحت أمارات بطلان الرواية اتفاقاً، فليس
معنى قول الراوي: أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني إن ما رواه الثقة يؤخذ
به وإن قامت القرائن الخارجية على خلافه،... بل اللازم هو الاطمئنان بالخبر وإن
كان بقرينة الوثوق بالراوي وناشئاً منه،... وعلى هذا فلو كان الراوي ثقة أميناً
لكن وجدت قرائن على عدم صحة الرواية فهنا لا يتمسك بها)(2).
والسيد السيستاني القائل (أن
التحقيق هو حجية الخبر الموثوق به دون خبر الثقة، وعليه فلا بد من حصول الوثوق
عندنا بثبوت المخبر به، ولا يكفي مجرد وثوق المخبر بصحة خبره في ذلك، إذا لم
يستوجب الوثوق لدينا)(3).
والسيد سعيد الحكيم أيضاً (وقد
تحصل من جميع ما ذكرنا: أن ما هو الحجة من أقسام الخبر أربعة الصحيح والموثق
والحسن والضعيف المحفوف بالقرائن الموجبة للوثوق بصدوره، مثل تسالم الأصحاب على
العمل به، وعدم طعنهم فيه من جهة السند، وتدوينهم له في أصولهم المعدة لأخذ الأحكام،
خصوصاً مع تعدد طرقهم إليه وغير ذلك)(4) وغيرهم(5).
والثانية: وهي مدرسة الوثاقة
وزعيمها السيد الخوئي الذي يرى بان مدار حجية الخبر وقبوله ورفضه تكمن في معرفة
عدالة الراوي ودرجة وثاقته وصدقه, معتمدٌ في ذلك على ما نقله الشيخ الطوسي في كتاب
العدة في آخر فصل في ذكر خبر الواحد بقوله (إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة
لهذه الأخبار فوثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء، وفرقت بين من يعتمد على حديثه
وروايته وبين من لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم, وقالوا: فلان
متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان
واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها, وصنفوا في ذلك الكتب واستثنوا
الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتى أن واحداً منهم إذا أنكر
حديثاً طعن في إسناده وضعفه بروايته. هذه عادتهم على قديم وحديث لا تنخرم)(6).
(يتبع)
هوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- عوالي اللئالي روى العلامة مرفوعا إلى زرارة بن أعين قال سألت الباقر
عليه السلام فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ
قال: عليه السلام (يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر. فقلت يا
سيدي انهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم فقال: عليه السلام خذ بقول أعدلهما
عندك وأوثقهما في نفسك فقلت انهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال: عليه السلام انظر
ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ بما خالفهم قلت ربما كانا معا موافقين لهم
أو مخالفين فكيف فقال: عليه السلام إذا فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف
الاحتياط فقلت انهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف اصنع فقال: عليه
السلام إذا فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الاخر). وفى رواية انه عليه السلام قال إذا
فارجه حتى تلقى امامك فتسأله. جامع أحاديث الشيعة, السيد البروجردي, ج١, ص٢٥٥.
2- نتائج الأفكار في نجاسة الكفار
تقرير أبحاث سماحة السيد الكَلبايكَاني, الشيخ علي الكريمي, ص64-65.
3- قاعدة لا ضرر ولا ضرار, تقرير بحث السيد السيستاني, ص٨٧.
4- المحكم في أصول الفقه, السيد محمد سعيد الحكيم, ج٣, ص296-٢٩٧.
5- أنظر: الأصول المهذبة, المجتهد التبريزي, ص91-٩٢. نهاية الدراية في شرح
الكفاية, الشيخ محمد حسين الغروي, ج٢, ص٣٩٩. عناية الأصول في شرح كفاية الأصول, السيد
مرتضى الحسيني اليزدي الفيروز آبادي, ج٣, ص٢٥٠. أصول الحديث, الدكتور الفضلي, ص١١٣.
مستدركات علم رجال الحديث, الشيخ علي النمازي, ج١, ص9. منتهى الدراية في توضيح
الكفاية, السيد المروج, ج4, ص٤٣٨.
6- عدة الأصول, الشيخ الطوسي, ج١, ص٣٦٦.
0 تعليقات