آخر الأخبار

مُقاربة ٌ منهجيَّة في بيان مَدرك حُجيَّة قول الرجالي (الحلقة الخامسة)






مُقاربة ٌ منهجيَّة في بيان
مَدرك حُجيَّة قول الرجالي
(الحلقة الخامسة)

علي جميل الموزاني

      ويشتد الكلام لدى السيد المرتضى الرافض لحجية خبر الواحد فيقول (فإن معظم الفقه "الامامي" وجمهوره بل جميعه لا يخلو مستنده ممن يذهب مذهب الواقفة، إما أن يكون أصلاً في الخبر أو فرعاً "راويا" عن غيره ومرويا " عنه. وإلى غلاة، وخطابية، ومخمسة، وأصحاب حلول، كفلان وفلان ومن لا يحصى أيضاً كثرة. وإلى قمي مشبه مجبر. وأن القميين كلهم من غير استثناء لأحد منهم إلا أبا جعفر بن بابويه (رحمة الله عليه) بالأمس كانوا مشبهة مجبرة، وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به. فليت شعري أي رواية تخلص وتسلم من أن يكون في أصلها وفرعها واقف أو غال، أو قمي مشبه مجبر، والاختبار بيننا وبينهم التفتيش)(1), لذلك يعتمد السيد المرتضى في صحة الاخبار على الاجماع وما قامت على تصحيحه القرائن الخارجية (إذا دل الدليل القاهر على أن الحق في قول هذه الفرقة دون غيرها، فلا بد من أن يكون الإمام الذي نثق بأنه لا يفارق الحق ولا يعتمد سواه، مذهبه مذهب هذه الفرقة، إذ لا حق سواه. وكما نعلم مع غيبته وتعذر تمييزه أن مذهبه مذهب أهل العلم والتوحيد، ثم مذهب أهل الإسلام من جملتهم، من حيث علمنا أن هذه المذاهب هي التي دل الدليل على صوابها وفساد ما عداها. فكذلك القول في الإمام)(2).

      ويقول أيضاً (اعلم أن من يذهب إلى وجوب العمل بخبر الواحد في الشريعة يكثر كلامه في هذا الباب ويتفرع، لأنه يراعي في العمل بالخبر صفة المخبر في عدالته وأمانته. فأما من لا يذهب إلى ذلك، ويقول: إن العمل في مخبر الاخبار تابع للعلم بصدق الراوي، فلا فرق عنده بين أن يكون الراوي مؤمنا أو كافرا أو فاسقا، لان العلم بصحة خبره يستند إلى وقوعه على وجه لا يمكن أن يكون كذبا، وإذا لم يكن كذبا فلابد من كونه صدقا، على ما بيناه من الكلام على صفة التواتر وشروطه، فلا فرق على هذه الطريقة بين خبر العدل وخبر من ليس كذلك، ولذلك قبلنا أخبار الكفار كالروم ومن جرى مجراهم إذا خبرونا عن بلدانهم، والحوادث الحادثة فيهم، وهذا مما لا شبهة فيه)(3).

      وذكر الشيخ المفيد (قدس سره) في تصحيح الاعتقادات رفضه لمنهج الشيخ ابن بابويه في اعتماده على كتاب سليم بن قيس الهلالي (أن هذا الكتاب غير موثوق به، ولا يجوز العمل على أكثره، وقد حصل فيه تخليط وتدليس، فينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه، ولا يعول على جملته والتقليد لرواته وليفزع إلى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد، والله الموفق للصواب)(4).

      وما أورده الشيخ المفيد على الشيخ ابن قولويه في توثيقه لكتاب سليم بن قيس, ووضعه للمنهج العلمي في التعامل مع رواياته يدل على ان لا خصوصية لهذا الكتاب وما ذُكر يُعمم على غيره من الكتب والاحاديث التي يجهل بمعرفتها الانسان, وعليه فلابد من الرجوع الى اهل الاختصاص والدراية ممن أوسعوا عقولهم معرفة واحاطوا بقواعد علم الرجال.

      فاذا عرفت هذا الكلام وغيره مما لم ننقله لك فحينئذ تُدّرك أهمية الحاجة الى علم الرجال ودراسته ومعرفة مبانيه, بل يتطلب من كل فقيه ان تكون له أراءٌ ومباني رجالية خاصة به قد حققها ووقف على جذورها الأساسية, وان لا يعوّل على مدارس الأخرين في منهجه الاستنباطي.

(يتبع)



هوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- رسائل المرتضى, الشريف المرتضى, ج٣, ص٣١٠.
2- رسائل المرتضى, الشريف المرتضى, ج1, ص15.
3- الذريعة إلى أصول الشريعة, السيد المرتضى, ج٢, ص٥٥٦.
4- تصحيح اعتقادات الإمامية ص:149.

إرسال تعليق

0 تعليقات