سيدنا ومولانا
خالد الأسود :
كان الشيخ زمان أحد أفراد النخبة الحائزة على العلم، يتاح له القرب من
الحاكم، يتنقل بين البلدان..
الشيوخ كانوا النخبة والخاصة، باقي
الشعب رعية لا تتعلم، أمية لا تقرأ ولا تكتب، يرون الحاكم من بعيد، لا يسافرون ولا
يختلطون، حفاة عراة الأجساد والعقول.
لقّب الشيوخ الناس بالعوام، نصبوا أنفسهم حراسا على الحقيقة التي يمتلكونها
وحدهم..
في عصور النخب المعممة عرفت المجتمعات المسلمة محاكم التفتيش تماما كمحاكم
أوروبا الكاثوليكية في العصور الوسطى..
شيوخنا كفروا مثلهم، قتلوا مثلهم، حرقوا مثلهم، احتكروا العلاقة بين
الإنسان والسماء تماما مثلهم..
نعم من يقرأ تاريخنا جيدا يرى كهنوتا إسلاميا يحتكره رجال الدين، يرى حكما
ثيوقراطيا متوحشا يستمد دعائمه من السماء ويحكم باسمها، في حكمهم قُطع لحم ابن
المقفع وهو حي وتم شيه أمامه ليأكله قطعة قطعة حتى الموت، قتل غيلان في أحقر
مناظرة عرفها التاريخ، ذبح الجعد على المنبر ليلة العيد، الحلاج والسهروردي وأئمة
المذاهب الأربعة لقوا المحن حتى الموت، تم تكفير جميع العلماء الذين نفخر بهم
اليوم والعجيب قدرتهم الخارقة على التبجح ونسبة العلماء الذين اتهموهم بالإلحاد
والزندقة لحضارة الشيوخ ويدعون أنهم أصحاب حضارة..
وفي ظل حكمهم المقدس استمرت تجارة الرقيق، ظل استعباد البشر، كان الختان
فريضة، كانت الزوجة متاعا يتمتع به الرجل فإذا مرضت ردها لأهلها حتى يصلحوا آلته
الجنسية، وإذا ماتت لا يكون ملزما بتكفين آلته ولا دفنها، وإن فعل فهو فضل منه..
كانت المرأة كالدابة والكلب الأسود نجاسة،..
أُمر الناس بالطاعة للحاكم ولو كان عبدا حبشيا يجلدهم بالسياط، أزعجتهم
المطبعة وحرموها، لم يطيقوا أي جديد، رفضوا كل حداثة، لعنوا كل حرية أو حق إنساني..
لو أوروبا عرفت الدولة الثيوقراطية، فنحن عرفنا نظيرها الإسلامي، كان نسخة
مطابقة تحت مسمى دولة الخلافة التي لم يجوزوها إلا لعربي قرشي..
لو استمرت أفكارهم لكنا اليوم نرسل إلى بلاد الحجاز نستقدم أي صبي قرشي
النسب لننصبه على عرش مصر..
في أزهى عصورهم كانت مصر ناقة تدر ألبانها ولتهلك ليحيا الشيوخ في الصحراء
فما هي إلا ولاية في خلافتهم، تماما كزوجة في فراش ذكورهم..
في دولة الخلافة نرسل قوافل الطعام والشراب، ونرسل الأكعاب الأتراب؛ ليهنأ
بها خلفاؤهم وبطانتهم وشيوخهم..
الدولة الوطنية التي نحرص عليها هي هويتنا المسلوبة، مصالحنا المهدورة..
قد تكون ثمرة من ثمار الاستعمار الأوروبي تماما كالطرق والجسور والترع
والسكك الحديدية والمطبعة..
في لحظة تمسكنا بدولتنا الوطنية يطل أصحاب العمائم، يظنون أنهم مازالوا
نخبا تحتكر العلم، يتوهمون أننا العوام الحفاة العراة، لا يستوعبون أننا لم نعد
رعية بل شعبا فارق الجهل، امتلكنا العلم والمعرفة والوعي..
الحقيقة أن مفكرينا وأدباءنا ورجال القانون هم النخبة الآن، صارت العمائم
هي الغارقة في الجهل والمعرفة المحدودة، صاروا هم العوام..
حاليا التعليم الديني -غالبا- لا يستهوي أبناء العائلات والأسر المتعلمة،
لم يعد يستقطب غير أبناء الأسر الأشد فقرا في القرى والنجوع..
يقدم التعليم الديني تعليما منغلقا معزولا بنظرة أحادية ضيق تجعلهم في حالة
ريبة وشك تجاه التطور والحداثة والعلم،
تجعل انتماءاتهم للماضي والموتى، تضعهم في حالة عداء مع الآخر أي آخر ..
رغم العزلة والفقر الفكري مازال التعليم الديني يفرز بشرا يعتقدون أنهم
أنصاف آلهة يملكون مفاتيح الحقيقة والفردوس..
مافعلته الطباعة في أوروبا يفعله العم جوجل في بلادنا، ومازالت العمم في
بلادنا يعتقدون أننا العوام..
ستظل مصر دولة وطنية حديثة فيها شعب ولها جيش وتملك المؤسسات، ولكنهم لم
يدركوا بعد، يفرحهم البهاليل والمجاذيب وقطعان البلهاء..
مازالت أشواقهم تتجه صوب فردوسهم الوهمي في دولة ثيوقراطية يحكمون فيها
باسم السماء، يجلدون ويرجمون ويذبحون ويحرقون براحتهم كآلهة..
0 تعليقات