آخر الأخبار

"ممالك النار" ورقة جديدة من كتالوج الشعب المصرى





"ممالك النار" ورقة جديدة من كتالوج الشعب المصرى



نصر القفاص


إختلفت كثيرا.. ومازلت أختلف مع القائلين بأن مصر وشعبها يعانون أزمة هوية.. فى اعتقادى أن أزمتنا كامنة فى كسر الرابط بين شعبنا وتاريخه.. وكلما حاولنا إصلاح هذا الجسر بترميمه أو إعادة بنائه, تتحرك الهوية المصرية الكامنة.. بل قل تستعيد عافيتها وعنفوانها.. وعلى مدى سنوات قليلة ماضية كانت الدراما والسينما تلعبان الدور الأكبر, فى إعادة إحياء هويتنا المتجذرة فى عمق تاريخنا الذى يستحق أن نفخر به.. فهذا التاريخ يستهدفه دائما أعداء هذه الأمة, لذلك لم أستغرب حين اكتشفت أن "تزوير الكتب" واحد من أهم أفرع المخابرات المركزية الأمريكية.. وبالتأكيد ستكون إسرائيل بارزة فى ممارسة هذا الفعل.. ثم ظهرت "تركيا" خلال العقد الأخير, لتمارس فعل تزوير التاريخ.. والمؤسف أننا كنا – وقد نكون مازلنا – غافلين!!


حاول "أسامة أنور عكاشة" بأكثر من رائعة درامية التصدى, وكانت "ليالى الحلمية" العمل الأكثر بروزا.. ربما لأنه قدم مصر وشعبها خلاله, بفهم ودراسة واعية لعلم الاجتماع.. كما حاول "صالح مرسى" حين قدم "رأفت الهجان" معتمدا على منهج العسكرية وقت اللاحرب.. كذلك فعل "محفوظ عبد الرحمن" بالمنهج ذاته.. لكن فى وقت الحرب حين قدم "ناصر 56".. ومؤخرا تم تقديم منهج العسكرية فى عز الحرب بفيلم "الممر".. حتى كانت "ممالك النار" التى اعتمدت منج التاريخ, لتحدث المصريين عن أنفسهم.. وعن مأساتهم فى الوقت نفسه!!


عبقرية مسلسل "ممالك النار" تكمن فى أنها تقول للمصريين أن "الخيانة" وحدها هى التى تهزمكم.. وأعتقد أن عملا يتناول "أحمد عرابى" كسيرة وتاريخ ونضال, سيؤكد المعنى ذاته.. فإذا كان "خاير بك" الذى أسماه المصريون "خاين بك" هى الثغرة التى احتل منها العثمانيون مصر.. فإن "على خنفس" لعب الدور نفسه, وسهل مهمة بريطانيا بتواطوء مع تركيا فى احتلال مصر... حتى كانت ثورة 23 يوليو لتمحو آثار خيانة بدأت عام 1517, واستمرت حتى عام 1952!!


حاول "طومان باى" مقاومة الخيانة.. وحاول "أحمد عرابى" التصدى للخيانة.. وإنتصر "عبد الناصر" مع جيش مصر وشعبها, فعاش يواجه سلسلة من المؤامرات ومحاولات الخيانة.. وبعد أن حسم الجيش المصرى أهم معاركه فى العصر الحديث, خلال الصراع مع إسرائيل فى "أكتوبر 73" بدأت جولات أخرى من صراع مصر المكتوب عليها بحكم موقعها وتاريخها.. والقارىء للتاريخ يعرف أن استهداف هذه الأمة أخذ أشكالا حديثة, تطورت مع الزمن.. وكانت المقاومة للمؤامرات باهتة.. أو قل غبية.. ولك أن تراها جاهلة.. وقد تصفها بما تراه!!


لكن لحظة "25 يناير" عام 2011 كانت كاشفة, لأنها أظهرت تطور منهج "المؤامرة" وعمق خطورته.. فقد أخذ أسلوب الاستعمار الحديث, الذى بلوره "إيزنهاور" قبل وبعد حرب "1956" لإدراكه بأن الزمن قد تجاوز الاستعمار القديم على الطريقة الانجليزية والفرنسية والتركية والإيطالية وغيرها من دول الاستعمار الغربى.

تأكد للعالم أن الشعب المصرى فهم ما كان يتم طبخه ضده, عبر أحفاد "خاير بك" و"على خنفس" بعد أن تكاثروا وأصبحوا جماعة أسسها "حسن البنا" لتكون رأس الجسر لكل من "بريطانيا" و"تركيا".. صحح المصريون بسرعة مذهلة خطأ انخداعهم بثورة 30 يونيو 2013.. كما كان حاسما صباح يوم 23 يوليو 1952.. وذلك جعل المواجهة سافرة مع الجيش المصرى.. بقدر ما هى فاجرة من جانب خونة العصر الحديث, لأنهم يجاهرون بخيانتهم.. ويحاولون التفاخر بالخيانة, لمجرد الزعم بأنهم ثوار.. لدرجة أن الشعب المصرى الثائر بطبعه, أصبح ينظر لأولئك الذين يمارسون "الخيانة" بأنها "ثورة" على أنها فعل فاضح!!

جاء مسلسل "ممالك النار" بمنهج إعادة الذاكرة التاريخية, مواكبا لفيلم "الممر" ليؤكد أن "كتالوج" الشعب المصرى واضح المعالم للذين يعرفون تاريخ هذه الأمة.. وباعتبارى لا أجيد فعل "النقد الفنى" سأبتعد عن هذا الطريق.. كما أننى لست "مؤرخا" بقدر ما أعتبر نفسى قارىء للتاريخ.. سأقف أمام اسم "محمد سليمان عبد المالك" الذى أبدع فى صياغة هذا العمل.. لأنه شاب باعتباره ما دون الأربعين من عمره.. وهو عجوز بقدر ما قدم من أعمال لاقت نجاحا كبيرا.. لكن "ممالك النار" أخذه إلى مساحة أخرى فى فضاء الإبداع, وفى مشواره الذى أعتقد فى أنه سيكون حافلا بأعمال أخرى رائعة.. إذا ما التفتنا بوعى لقيمته وأهميته.. فمثل هذا الشاب يصعب تكراره.. وهو نموذج يؤكد أن تصنيع شبابا للقيادة, يعتبر اجتهادا محمودا.. لكن أهل القيادة من الشباب تؤهلهم إمكانياتهم وقدراتهم وقتالهم إبداعا فى صمت.. وهو ما يمثل حلقة وصل مع أسماء تؤكد قصدى ومنهم: "محمد عبده", "مصطفى كامل", "سيد درويش", "جمال عبد الناصر", وكذلك "طومان باى" الذى قدمه المؤلف بهذا المفهوم على ما أتصور.


سيبقى "ممالك النار" عملا إبداعيا متفردا.. كما سيمثل فعلا ثوريا لأنه حرض كل من تابعه على البحث والقراءة ومحاولة الفهم.. لذلك استهدفته ترسانة إعلام أعداء مصر فى "الدوحة" و"اسطنبول".. كما أنه جاء فى لحظة كان هؤلاء يحاولون تصنيع "خاير بك" جديد.. أو "على خنفس" جديد!! ليتحول هذا المسلسل إلى "سلاح إبداع نووى" أصاب الخونة من "إخوان الشتات" فى مقتل!!


فالتاريخ والدراما أكدا على أن "المؤامرة" ليست وهما.. وكشفا عن أن "الخيانة" عقيدة بقدر ما نتابع من أولئك المؤمنين بها.. لن أذكر أسماءهم لتأكيد الاحتقار والازدراء.. لكننى سأركز على فعلهم.. فهؤلاء يجيدون الكذب والتزوير, ويمارسون الخداع بأساليب مختلفة.. ولأن كل شىء يتطور, فقد أصبح اسم أساليب هذه الخيانة فى العصر الحديث "حروب الجيل الرابع"!!


نعم.. قدم مسلسل "ممالك النار" توضيحا لمعنى "حروب الجيل الرابع" وهى قديمة لمن لا يعلم.. لكن وسائلها تطورت من استخدام "الحمام الزاجل" وصولا إلى استخدام "الوسائط الإلكترونية" المعروفة بوسائل التواصل الاجتماعى.. مرورا بالجريدة وقناة التليفزيون والموقع الإخبارى الإلكترونى.. كما قدم المسلسل التاريخ الذى هجرناه عن كسل أو جهل أو غباء.. فتابعنا مصريين يبكون لحظة إعدام "طومان باى" ويلعنون "سليم الأول" وأجداده وأحفاده.. لأنهم عرفوا ما فعلوه بمصر وشعبها.. وما فعلوه فى سوريا وشعبها.. وهو ذاته الذى فعله سلساله "العثمانيون" فى أهل الجزيرة العربية والمغرب العربى.. بل امتد إلى أوروبا.. ومن حيث ندرى أولا ندرى إكتشفنا أن "تركيا" الاستعمارية تحاول العودة لممارسة جرائمها.. كما من حيث كان يدرى أو لا يدرى "رجب طيب بهلوان" حاول تزييف التاريخ الأسود لبلاده بالذهاب لإنتاج درامى مسموم كما حدث عبر مسلسل "أرطغرل" الذى أنفق على ترويجه الملايين.. ووظف لترويجه كل أحفاد "خاير بك" و"على خنفس"!! لكن "ممالك النار" حرق ملايينه التى أنفقها وجهد كل الخونة من عملاء "تركيا" التى كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل.. وأكثر دولة إسلامية تعاونا مع إسرائيل.. تحت لافتة الدفاع عن فلسطين والإسلام!! وهى مفارقة كادت تضيع أو يتم طمسها بفعل علم "حروب الجيل الرابع" التى انتصر فيها التاريخ بمجرد استدعائنا لتفاصيله فى مسلسل "ممالك النار" وكذلك فيلم "الممر" ولعل هذه إشارة أو صدمة تفرض علينا أن نفيق من غيبوبة تجاهل التاريخ وقيمة الثقافة وخطورة الإعلام.. وكذلك أهمية وقيمة ممارسة السياسة.


يهمنى الذهاب إلى معنى عاهدت ربى على الإخلاص له, وهو "أهمية أن نقرأ يا ناس" الذى بدأته بمقال.. فإذا بى أكتب عشرات, ومازال لدينا الكثير على هذا الطريق.. كما يهمنى الإشارة إلى أن "حروب الجيل الرابع" يستحيل أن يتصدى لها أولئك البلهاء الذين يمارسون الإعلام كفعل "لا إرادى"!! ويستحيل أن يعيننا على مواجهتها موظفون فى حقل الثقافة.. كما لا يمكن أن نهزمها بالذين تمكنت منهم الانتهازية والنفاق, وفرضوا أنفسهم كطليعة للسياسة!! ولأن الشعب المصرى له "كتالوج" فقد قدم "طومان باى" و"محمد على" و"عبد الناصر" كما قدم "عبد الفتاح السيسى" وتلك قناعة وشهادة أفخر أن أجاهر بها.


إرسال تعليق

0 تعليقات