الجاسوس الذى سقط
على الأرض …!
هانى عزت بسيونى
… فى عام ٢٠١٦ اصدر الدكتور Ahron Bregman
مذكراته التي كشف فيها للعالم عن علاقة السيد "اشرف مروان" زوج السيدة
منى جمال عبد الناصر بالموساد الإسرائيلي بعد أن كان أمراً غير معروف قبل نشر
كتابه " تاريخ إسرائيل " والذي أشار فيه دون ذكر الاسم إلى أن شخصاً من
عائلة الرئيس جمال عبد الناصر كان يتجسس لصالح إسرائيل وان الاسرائيلين يشيرون إليه
بلقب " الصهر" ( Son in law
) !…
وتحدث Ahron فى مذكراته التي صدرت بعنوان … The Spy Who Fell to
Earth ".
" My Relationship with the Secret Agent Who Rocked the Middle East … أو « الجاسوس الذي سقط على الأرض ... علاقتي مع العميل السرى الذي
هز الشرق الأوسط» … متناولاً تفاصيل علاقته بالسيد اشرف مروان وما يمكننا اعتباره
إعترافًا جديدًا يؤكد ماسبق أن كتبته في مقال لي منذ أشهر ( https://t.co/M4wFett4Zt?ssr=true ) أكدت فيه بالأدلة الدامغة وطنية السيد اشرف مروان ، وانه لم يكن
أبداً عميلاً لإسرائيل كما حاول الموساد أن يوصفه في فيلم بعنوان … "The Angel" … أو الملاك …!
أهارون بيرجمان … مؤرخ وسياسي بريطاني وضابط سابق في الجيش الإسرائيلي غادر
إسرائيل مهاجراً لبريطانيا فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي لأنه اختلف مع
الطريقة التى تتعامل بها إسرائيل مع الفلسطينيين فى الأراضي المحتلة واعتراضه على
سياسة الاستيطان الإسرائيلية …
وجاء بمذكرات أهارون والتي تحولت مؤخراً الى عناصر لفيلم وثائقي للمخرج البريطاني
Thomas
Meadmore بعنوان SALON
أنه كان على صلة بالسيد مروان ، وبينهما تفاصيل دقيقة كثيرة يمكن لمن شاهد الفيلم
الوثائقي ان يستشعرها من المواقف التى تثبت بدون أدنى شك أن السيد مروان كان مصرى
وطنى ولم يكن أبداً يعمل لصالح إسرائيل …
وقد دلل أهارون في كتاباته شواهد
عدة منها أنه فى إحدى محادثاته الهاتفية مع اشرف مروان أن أخبره الأخير بأنه كان
جزء من فريق مكون من ٤٠ مصريًا مهمته تضليل الإسرائيليين قبل حرب ٦ أكتوبر١٩٧٣ ،
وذلك رداً على سؤال له مضمونه لماذا لم تخبر المسئولين في إسرائيل عن الموعد
الحقيقي للهجوم المصري عليهم في السادس من أكتوبر ١٩٧٣ …
ويختلف الكثير من الإسرائيليين مع أهارون في اعتقاده والذي أدحض خلاله
ادعاءات المسئولين الإسرائيليين عن مروان حيث أشار الى ان ما حدث بالفعل كان في
إطار خطة الخداع الاستراتيجي للرئيس السادات وكانت معلومات ناقصة وفي توقيت غير
ملائم للإسرائيليين وغير مفيدة ولم يأخذوها على محمل الجد أو يستندوا إليها في
تقدير موقف ، وأكد أهارون أن مروان استطاع تضليل الإسرائيليين بالفعل بل وخداعهم
فى اللحظة الحرجة والمؤثرة لصالح مصر ، ونفى أهارون وهو الضابط الإسرائيلي ، أن
هناك ضغوط عليه من إسرائيل بسبب استبعاد تصديقه لرواياتهم عن بطلهم اشرف مروان
والتي تقول انه كان يعمل جاسوساً لإسرائيل ، وأكد على أن مروان كان وطني مصري ضلل
الاستخبارات الإسرائيلية ….
كان من مهام أشرف مروان أن يجعل الإسرائيليين يثقون به ويصدقونه لذا رمى
لهم الطُّعم فــ استجابوا له .. أمدهم بمعلومات صحيحة قبل عدة سنوات من حرب أكتوبر
١٩٧٣ وأخرى لاستنزاف قواهم ، ولكن وفى أكثر الأوقات حساسية ضللهم بمعلومات صحيحة
لكنها منقوصة بما يفقدها قيمتها في توقيتها المطلوب ويعطي مصداقية ويسمح باستمرارية
الثقة في ذات الوقت لتنفيذ خطة الخداع لما سيترتب عليه الوضع بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣
، فساهم بالمساعدة في تأمين الهجوم المصري الناجح وعبور قناة السويس وإسقاط مانع
خط بارليڤ بعد ظهر يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ … بعد ان دفع له الموساد مقابل ذلك أكثر من
مليون دولار أمريكي باعترافهم في بداية السبعينيات من القرن الماضي !!…
فاغتالوه … وربما بمساعدة من لهم مصلحة في اغتياله ! …
اغتالوه في حادثة تجعلني استشعر أنهم من اغتالوا الرئيس السادات نفسه
وبالتعاون مع من كان في مصلحتهم ذلك ، ربما لأنه صاحب الانتصار الوحيد على إسرائيل
ومرتين خلال اقل من عشر سنوات ، فلم يسبقه أو يلحق به احد فكان الانتصار الأول في
السادس من أكتوبر ١٩٧٣ والثاني يوم توقيع معاهدة خروجهم من سيناء مقابل قصاصات من
ورق أعادة لمصر الأرض والكرامة بدون إراقة دماء والتي لولاها لكانت مصر سيناء الآن
مثل الجولان …!
هذا هو الواقع الذي عشناه ومازلنا نعيش آثاره ، لقد حاولوا إيهامنا بأن
السيد مروان كان يتجسس لصالحهم حتى نتوهم أحداث أخرى تلقى بالاتهام المباشر على
المخابرات المصرية رغم انه كان يتلقى التعليمات الموجهة إليه من الرئيس السادات
نفسه بشكل مباشر وغير مباشر خلال تلك الفترة ، وقد منحه الرئيس السادات وساماً
فريداً لوطنيته بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣ وهو ما يؤكد انه لم يقم بالتواصل مع
الاسرائيلين من تلقاء نفسه ، وبالطبع لم تسقط عقولنا كمصريين بهذا الفخ السخيف …
وجاء في شهادة شاهد من أهلها باعترافات مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية
السابق اللواء " إيلي زعيرا " ELI ZEIRA
بعد فصله من الخدمة إثر هزيمة إسرائيل في أكتوبر ٧٣ وانتقاله مع عائلته للاستقرار
في الولايات المتحدة الأمريكية وشهادة وكيل أعماله " رامي تل " حيث أكد
كلاهما أن السيد اشرف مروان خدع إسرائيل بالفعل على الرغم من أن البعض في إسرائيل
مازال يعتبره بطل قومي !!…
لقد كانت فكرة كتابة اشرف مروان لمذكراته والتي تناول بها بالتأكيد دوره
الوطني في حرب أكتوبر والخدعة الكبرى التي كانت ستورط أسماء كبيرة في إسرائيل
وتلقى بظلالها بفضيحة على كل إسرائيل وقياداتها العسكرية ، احد أهم الأسباب التي
فتحت عليه النار ، فكان لابد من اغتياله وسرقة مذكراته … صحيح ان مروان لم يستطع
إيصال تلك الحقائق بنفسه وقت حياته للناس ، لكنه أوصلها لنا بعد وفاته ، وهي انه
كان من جنود مصر في عصر الزعيم أنور السادات والذي فكر وخطط ودبر مع رجال مصر
المخلصين من قيادات القوات المسلحة لنصر اكتوبر٧٣ …
كان من أهم الأسباب التي دفعت السادات للتفكير في هذه الخطة هي امتلاك
إسرائيل لأسلحة متطورة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية في الوقت
الذي لم تستطع مصر الحصول على ما طلبته من سلاح روسي بسبب المماطلة السوڤيتية
آنذاك في ظل احتلال سيناء والأراضي العربية الأخرى فكان لابد من وضع خطة لها
دلالات وأهداف سرية لتحقيق الانتصار في إطار خطة شاملة للخداع الاستراتيجي …
وللتفاصيل رواية لايتسع لها هذا المقال ….
نعم لقد أراد الرئيس السادات زرع شخصية وطنية شديد الإقناع في زمن الحرب
ليمد الإسرائيليين بالمعلومات التي يريد هو إمدادهم بها ، فكان اشرف مروان الشخص
المناسب للعب هذا الدور وكيف لا وهو من اقرب الأشخاص لصُنّاع ومتخذي القرار في مصر
بتلك الفترة …
وكانت خلاصة الرسالة التي رغب الرئيس السادات في إيصالها لإسرائيل قبل أكتوبر
٧٣ أن مصر لن تحارب أبداً قبل الحصول على أسلحة روسية محددة ، ولكن مالم يكن يعرفه
الإسرائيليين وقتها هو ان مصر كانت قد اتخذت قرار الحرب بالفعل وبدون تلك الأسلحة …
فكان يوم كيبور …
نعم لقد كان كل شيء مرتباً وعلى أعلى مستوى من الدقة بعد دراسة العقلية الإسرائيلية
جيداً لإنشاء تلك الصورة التي خدعت الإسرائيليين في ظروف صعبة فنجحت خطة الخداع ،
ومازال حتى الآن في إسرائيل من لايصدق أن اشرف مروان قد خدعهم !…
انه الزعيم أنور السادات … الرئيس الذي افتقدناه ونفتقده …
عبقري ، لم يكن شخصاً عادياً بل كان حاد الذكاء وله رؤية مستقبلية ثاقبة ،
والدليل … الأحداث التي جاءت بعد استشهاده والى يومنا هذا …….
ومازلت اذكر كلماته في نصر أكتوبر ٧٣ حيث قال …
" لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معاً ونتباهى بما
حققناه في أحد عشر يوماً من أهم وأخطر بل
أعظم وأمجد أيام تاريخنا ، وربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهى ،
ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل ، قصة الكفاح ومشآقة
، ومرارة الهزيمة وآلامها ، وحلاوة النصر وآماله …
… نعم سوف يجئ يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا في موقعه ... وكيف
حمل كل منا أمانته وأدى دوره ، كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة
حالكة ساد فيها الظلام ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن
تعبر الجسر … ما بين اليأس والرجاء … " …
… رحم الله شهداء مصرنا والذين سطروا بطولات الأرض والكرامة والوطنية ، من
دافع وضحى منهم بحياته وروى بدمه الطاهر أرضها الطيبة في كل موقع ومكان …
0 تعليقات